صيف ساخن في غزة
معين الطاهر
نقلت عدة مصادر أن مشروع قرار كانت الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية، بدعم من دول عربية، تنوي تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي، بعد الحرب الإسرائيلية العدوانية على قطاع غزة. نص على تشكيل قوة عسكرية، يتم تفويضها بمراقبة وقف إطلاق النار، ومساعدة السلطة الفلسطينية في فرض سيطرتها على القطاع، ونزع سلاح المقاومة فيه. وقرر القائمون على مشروع القرار أخذ موافقة السلطة وإسرائيل عليه، قبل عرضه على مجلس الأمن، إلا أن السلطة لم توافق، إذ، بحسب المصادر نفسها، توجست من احتمال حدوث قتال فلسطيني فلسطيني، وخافت من تحميلها مسؤولية الوضع في القطاع في تلك الظروف المضطربة، والتي توجت بصمود المقاومة في قطاع غزة، وعجز الجيش الإسرائيلي عن التقدم على الأرض.
هذا هو السيناريو الذي كان يجري إعداده للمقاومة في غزة. حرب إسرائيلية ضروس يعقبها تدخل قوات دولية وعربية، تتولى تجريد المقاومة من سلاحها، بذريعة تمكين السلطة من العودة إلى القطاع، والمحافظة على وقف إطلاق النار. وربما يأتي الكشف عن مثل هذا المشروع، الآن، بمثابة تمهيد لإعادة فرضه في الأشهر القليلة المقبلة، وبعد أن يكتمل إنضاج الظروف الموضوعية اللازمة لنجاحه.
فشلت المصالحة الفلسطينية فشلاً ذريعاً، ولم تستطع حكومة الوفاق تحقيق أي من أهدافها، وباتت لا تحمل من الوفاق سوى اسم فارغ من أي مضمون. وتحولت المصالحة من شأن فلسطيني إلى شأن تتداخل فيه العلاقات الإقليمية، وتتحكم مصر في مسارها، بل وحتى في استمرار الحوار حولها، بعد أن رفضت، أخيراً، السماح بعقد لقاء بين وفدي حركتي حماس وفتح في القاهرة، إذ حتى هذا الشكل الذي يذر الرماد في العيون، ويجعل بعضهم يتعلقون ببعض الأمل في تحقيق تقدم ما لم يعد مقبولاً أو مسموحا به. وعلى الرغم من رغبة حماس في التخلي عن العبء الإداري في القطاع، وإعلانها مراتٍ ترحيبها بحرس الرئيس للإشراف على المعابر والحدود، حيث نص اتفاق المصالحة على نشر ثلاثة آلاف جندي لهذه المهمة، إلا أن ذلك لم يتحقق، وتمت إضافة شرط جديد بعد الحرب، هو "سلطة واحدة وسلاح واحد"، أي، بمعنى آخر، الطلب من المقاومة الاستسلام بلا قيد أو شرط، وتسليم سلاحها قبل أي جهد عملي في فك الحصار الذي زادت حلقاته إحكاما بالإغلاق المستمر لمعبر رفح الواصل بين مصر وقطاع غزة، وإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل أيام، عدم فتح المعبر قبل عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وتعطيل ملف إعادة الإعمار، ما أدى إلى زيادة المعاناة الإنسانية لأهل فلسطين هناك، لعلها تكون وسيلة ناجعة في الضغط على المقاومة.
يأتي ذلك، أيضاً، ضمن سياق متصل لقرارات صادرة عن المحاكم المصرية، تارة باعتبار كتائب عز الدين القسام منظمة إرهابية، وأخرى باعتبار حركة حماس إرهابية، وهي قرارات ذات مدلول سياسي بامتياز. وتترافق، معها وقبلها وبعدها، حملة تحريض إعلامية مصرية شديدة، يملأها الكذب والتضليل، تصور قطاع غزة منبع الإرهاب في سيناء، والخطر المحدق القادم على مصر. ليتواكب معها تصريحات من مسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية تبرر مثل تلك القرارات، بل ويصل بعضها إلى اعتبار حماس داعش الفلسطينية.
من ناحية أخرى، يقدر جهاز الأمن الإسرائيلي "الشاباك" بأن الهدوء مع غزة مؤقت، وأن المعركة المقبلة أقرب مما يتصورها بعضهم، بحسب موقع "واللا" العبري. وهو يماثل ما ذهب إليه الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية، جدعون ليفي، من توقع صيف ساخن في غزة، ويترافق هذا مع أكبر مناورات يجريها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وتتضمن فرضيتها احتمال اندلاع انتفاضة عنيفة، إثر حرب في غزة، وتشمل اقتحام مخيمات ومناطق مكتظة، وإخلاء مدنيين من ساحات المعارك.
هل بات في مقدورنا تجميع أجزاء الصورة، وتوقع ما يمكن أن يحدث في الأشهر القليلة المقبلة، من استمرار الحصار على قطاع غزة، وزيادة المعاناة الإنسانية على السكان، والامتناع عن إحراز أي تقدم في مجال إعادة الإعمار، وربط حركات المقاومة فيه بالإرهاب، وزيادة وتيرة التحريض ضده، بحيث تكون الأمور قد نضجت لعمل عسكري إسرائيلي جديد ضد غزة. يتم في أثنائه إحياء مشروع القرار القديم بتشكيل قوة عسكرية، تتولى دخول القطاع، ونزع سلاح المقاومة فيه، وفرض وقف دائم لإطلاق النار، تحت شعار إعادة الشرعية الفلسطينية إلى القطاع.
يبقى سؤال عما إذا كان لإعلان السيسي عن تشكيل قوة عربية مشتركة لمكافحة الإرهاب، عمادها الأساسي الجيش المصري، وبمشاركة رمزية عربية، علاقة بذلك؟ وهل ستكون غزة إحدى مهامها؟ وهل يكفي هذا الغطاء العربي لتجنيب السلطة الفلسطينية الإحساس بالحرج الذي دفعها إلى رفض المشروع السابق، وبحيث تكون مشاركتها تحت ستار من الرغبة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وتخفيف معاناة السكان وعودة الشرعية؟
أسئلة كثيرة، وأخرى غيرها، سيأتي الصيف حاملاً إجاباته عنها، وربما على قوى المقاومة أن تبدأ من الآن سعيها إلى إحباط ذلك. ولعل في مبادرة حركة الجهاد الإسلامي، أخيراً، خطوة على هذه الطريق، إلا أن الإجابة الوحيدة الحاضرة أبداً هي أن إرادة المقاومة حتما ستنتصر، وقد تكون هذه شرارة تحرق سهلاً.
نقلت عدة مصادر أن مشروع قرار كانت الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية، بدعم من دول عربية، تنوي تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي، بعد الحرب الإسرائيلية العدوانية على قطاع غزة. نص على تشكيل قوة عسكرية، يتم تفويضها بمراقبة وقف إطلاق النار، ومساعدة السلطة الفلسطينية في فرض سيطرتها على القطاع، ونزع سلاح المقاومة فيه. وقرر القائمون على مشروع القرار أخذ موافقة السلطة وإسرائيل عليه، قبل عرضه على مجلس الأمن، إلا أن السلطة لم توافق، إذ، بحسب المصادر نفسها، توجست من احتمال حدوث قتال فلسطيني فلسطيني، وخافت من تحميلها مسؤولية الوضع في القطاع في تلك الظروف المضطربة، والتي توجت بصمود المقاومة في قطاع غزة، وعجز الجيش الإسرائيلي عن التقدم على الأرض.
هذا هو السيناريو الذي كان يجري إعداده للمقاومة في غزة. حرب إسرائيلية ضروس يعقبها تدخل قوات دولية وعربية، تتولى تجريد المقاومة من سلاحها، بذريعة تمكين السلطة من العودة إلى القطاع، والمحافظة على وقف إطلاق النار. وربما يأتي الكشف عن مثل هذا المشروع، الآن، بمثابة تمهيد لإعادة فرضه في الأشهر القليلة المقبلة، وبعد أن يكتمل إنضاج الظروف الموضوعية اللازمة لنجاحه.
فشلت المصالحة الفلسطينية فشلاً ذريعاً، ولم تستطع حكومة الوفاق تحقيق أي من أهدافها، وباتت لا تحمل من الوفاق سوى اسم فارغ من أي مضمون. وتحولت المصالحة من شأن فلسطيني إلى شأن تتداخل فيه العلاقات الإقليمية، وتتحكم مصر في مسارها، بل وحتى في استمرار الحوار حولها، بعد أن رفضت، أخيراً، السماح بعقد لقاء بين وفدي حركتي حماس وفتح في القاهرة، إذ حتى هذا الشكل الذي يذر الرماد في العيون، ويجعل بعضهم يتعلقون ببعض الأمل في تحقيق تقدم ما لم يعد مقبولاً أو مسموحا به. وعلى الرغم من رغبة حماس في التخلي عن العبء الإداري في القطاع، وإعلانها مراتٍ ترحيبها بحرس الرئيس للإشراف على المعابر والحدود، حيث نص اتفاق المصالحة على نشر ثلاثة آلاف جندي لهذه المهمة، إلا أن ذلك لم يتحقق، وتمت إضافة شرط جديد بعد الحرب، هو "سلطة واحدة وسلاح واحد"، أي، بمعنى آخر، الطلب من المقاومة الاستسلام بلا قيد أو شرط، وتسليم سلاحها قبل أي جهد عملي في فك الحصار الذي زادت حلقاته إحكاما بالإغلاق المستمر لمعبر رفح الواصل بين مصر وقطاع غزة، وإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل أيام، عدم فتح المعبر قبل عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وتعطيل ملف إعادة الإعمار، ما أدى إلى زيادة المعاناة الإنسانية لأهل فلسطين هناك، لعلها تكون وسيلة ناجعة في الضغط على المقاومة.
يأتي ذلك، أيضاً، ضمن سياق متصل لقرارات صادرة عن المحاكم المصرية، تارة باعتبار كتائب عز الدين القسام منظمة إرهابية، وأخرى باعتبار حركة حماس إرهابية، وهي قرارات ذات مدلول سياسي بامتياز. وتترافق، معها وقبلها وبعدها، حملة تحريض إعلامية مصرية شديدة، يملأها الكذب والتضليل، تصور قطاع غزة منبع الإرهاب في سيناء، والخطر المحدق القادم على مصر. ليتواكب معها تصريحات من مسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية تبرر مثل تلك القرارات، بل ويصل بعضها إلى اعتبار حماس داعش الفلسطينية.
من ناحية أخرى، يقدر جهاز الأمن الإسرائيلي "الشاباك" بأن الهدوء مع غزة مؤقت، وأن المعركة المقبلة أقرب مما يتصورها بعضهم، بحسب موقع "واللا" العبري. وهو يماثل ما ذهب إليه الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية، جدعون ليفي، من توقع صيف ساخن في غزة، ويترافق هذا مع أكبر مناورات يجريها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وتتضمن فرضيتها احتمال اندلاع انتفاضة عنيفة، إثر حرب في غزة، وتشمل اقتحام مخيمات ومناطق مكتظة، وإخلاء مدنيين من ساحات المعارك.
هل بات في مقدورنا تجميع أجزاء الصورة، وتوقع ما يمكن أن يحدث في الأشهر القليلة المقبلة، من استمرار الحصار على قطاع غزة، وزيادة المعاناة الإنسانية على السكان، والامتناع عن إحراز أي تقدم في مجال إعادة الإعمار، وربط حركات المقاومة فيه بالإرهاب، وزيادة وتيرة التحريض ضده، بحيث تكون الأمور قد نضجت لعمل عسكري إسرائيلي جديد ضد غزة. يتم في أثنائه إحياء مشروع القرار القديم بتشكيل قوة عسكرية، تتولى دخول القطاع، ونزع سلاح المقاومة فيه، وفرض وقف دائم لإطلاق النار، تحت شعار إعادة الشرعية الفلسطينية إلى القطاع.
يبقى سؤال عما إذا كان لإعلان السيسي عن تشكيل قوة عربية مشتركة لمكافحة الإرهاب، عمادها الأساسي الجيش المصري، وبمشاركة رمزية عربية، علاقة بذلك؟ وهل ستكون غزة إحدى مهامها؟ وهل يكفي هذا الغطاء العربي لتجنيب السلطة الفلسطينية الإحساس بالحرج الذي دفعها إلى رفض المشروع السابق، وبحيث تكون مشاركتها تحت ستار من الرغبة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وتخفيف معاناة السكان وعودة الشرعية؟
أسئلة كثيرة، وأخرى غيرها، سيأتي الصيف حاملاً إجاباته عنها، وربما على قوى المقاومة أن تبدأ من الآن سعيها إلى إحباط ذلك. ولعل في مبادرة حركة الجهاد الإسلامي، أخيراً، خطوة على هذه الطريق، إلا أن الإجابة الوحيدة الحاضرة أبداً هي أن إرادة المقاومة حتما ستنتصر، وقد تكون هذه شرارة تحرق سهلاً.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية