د. فايز أبو شمالة
لم يطفئ السجن ابتسامة عادل عيسى مذ عرفته في سجن عسقلان سنة 1986، ظل مبتسماً، وكأنه يعيش في بلدته كفر قاسم التي تعودت على المقاومة، وعرفت فظائع الجرائم الصهيونية، لم يعبس وجه السجين السياسي عادل عيسى في أقسى لحظات الوجع المطبق على الروح، لقد ظل مشرقاً بالأمل، واثقاً من كسر القيود.
ليرحمك الله يا عادل عيسى، كنت أستاذاً لنا في درس اللغة العبرية ثلاثة أيام في سجن نفحة الصحراوي سنة 1990، وكنت طالباً عندي في درس قواعد اللغة العربية والبلاغة باقي أيام الأسبوع، فما أجمل أيام السجن التي جعلت من الأسرى الفلسطينيين طلاباً ومدرسين في نفس الوقت، ثواراً وعاشقين، أشداء ورقيقين، واقعيين وحالمين!.
ليرحمك الله يا عادل عيسى، كنت أول من واساني بوفاة أبي، فبعد إضراب السجناء المفتوح عن الطعام سنة 1992، والذي استمر 22 يوماً، زارتني أمي في سجن عسقلان، وأخبرتني عن وفاة أبي، فعدت إلى الزنزانة حزيناً، وانكفأت وحيداً، وقررت ألا أخبر شركائي في الزنزانة عادل عيسى وكريم يونس وهشام الإنطكلي، قررت ألا أخبرهم بوفاة أبي، فلا داعي لأن أعلق على حبل أحزانهم في غرفة العزل أحزاني، كتمت الخبر، وانطويت.
لقد أدرك عادل عيسى بحسه الإنساني أن أمراً جللاً هز وجداني بعد زيارة الأهل، لقد أحس بحالي، وظل يسألني عن الأهل، وظل يلح في السؤال، حتى اعترفت له بوفاة أبي.
بعد أن واساني، واخبر شركاءنا في الزنزانة، قام عاد عيسى وعمل ركوة قهوة سادة، لنفتح بيت عزاء نحن الأربعة سجناء داخل زنزانة العزل في سجن عسقلان!.
فمن يعزينا بوفاتك غدراً يا عادل عيسى؟ من يواسي حزن كريم يونس ووليد دقة وباقي إخوانهم أسرى فلسطين 1948، وأسرى القدس؟ أولئك الرجال الذين آمنوا بكل فلسطين عربية، فنسيهم الأصحاب والرفاق والقادة والمفاوضون والمقاومون، من يهدئ من روع الأسرى حين يسمعون عن طعنات الغدر التي طالت الأسير المحرر بعد أربعة عشر عاماً.
يا عادل عيسى، يا رجلُ، يا أيها الإنسان النبيل الهادئ الواثق الرائع، لتقطع كل يد تمتد بالغدر على حياة أسير محرر، وليقطع كل لسان يتطاول على سيرة أسير محرر.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية