عباس ومشعل وتجسيد المصالحة
د. أيمن أبو ناهية
اللقاء الذي جمع رئيس السلطة محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد خالد مشعل, يدلل على جدية الطرفين في إنجاز ما تم الاتفاق عليه في غزة مؤخرًا بشأن المصالحة، وأن الكل الفلسطيني تفاءل بهذه الخطوة بعد أن كان محبطًا من كل اللقاءات والاتفاقات السابقة وصولاً لاتفاق غزة، وهذا اهتمام غير طبيعي ولا معتاد أن نجد الطرفين يوقعان الاتفاق في الداخل ويتوجانه في الخارج، وأن الطرفين هذه المرة ابتعدا عن التشدد والتشرط، خاصة وأن رئيس السلطة الذي اعتدناه إما ممتنعاً أو متشرطاً نجده هذه المرة لا يربط المصالحة بالمفاوضات ولم يربط حصار غزة بالانقسام، بعد تأكده أن المفاوضات تعكر صفو المصالحة وأنها كانت ستارًا على الاستيطان والتهويد والاستمرار في تشديد الحصار على غزة والقبضة الحديدية على الضفة.
بالفعل كانت خطوة غزة تمهيدًا لخطوة الدوحة, وأصبح المستحيل ممكنًا في منزل رئيس الحكومة الفلسطينية في غزة إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ, حيث وقع اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح بعد سبع سنوات من الانقسام, فما الذي استجد وذلل العقبات هذه المرة دون وجود أي من الزعماء العرب الذين كانوا دومًا "الراعي الرسمي" لهذه الاتفاقيات بدءًا باتفاق مكة ثم الدوحة وانتهاء باتفاق القاهرة؟.
في دلالات التوقيت يبرز السؤال عن الأسباب التي دفعت الحركتين إلى القبول أو التنازل عن بعض الشروط المسبقة, وأعتقد أن الأوضاع التي عاشتها كلا الحركتين في الفترة الماضية دفعت كلاً منهما إلى القبول بالمصالحة كحل للخروج بالمشروع الوطني الفلسطيني من عنق الزجاجة وأيضًا للتغلب على الظروف التي جلبتها التغيرات التي شهدتها الساحة العربية والدولية.
حركة فتح باتت في وضع حرج تحتاج فيه إلى خيار بديل لمسيرة التفاوض اللا نهائي مع اليمين المتطرف الحاكم في دولة الاحتلال بقيادة نتنياهو, خاصة وأن خطة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تمخضت عن ناتج صفر، وهو ما دفع عباس للتلويح بحل السلطة وتسليم المفاتيح لقوات الاحتلال, وهو الخيار الذي يبدو مستبعدًا على المدى القريب نتيجة لاتفاق المصالحة الذي يقوم في جوهره على انتخاب مؤسسات السلطة, إلا أن مجرد التلويح به فتح نار الغضب الأمريكية على عباس خاصة بعد اتفاق المصالحة الذي رأت فيه الخارجية الأمريكية "عقبة في طريق السلام", ورأى فيه أوباما اتفاقًا "غير مجدٍ في الوقت الراهن".
وكذلك الحال بالنسبة لحركة حماس التي تبدو أيضًا في وضع لا تحسد عليه ماليًا نتيجة سنين الحصار الطويلة وتضييق الخناق على أهالي القطاع والشعور بمرارة الانقسام بعد أن تركت غزة لوحدها في مواجهة كل هذه التحديات التي تصعب على دول. أمام هذه التحولات التي طرأت على الطرفين يمكن فهم التحول الإيجابي في ملف المصالحة, ولكن السؤال الذي يلح على المواطن الفلسطيني والعربي هو عن إمكانية تنفيذ هذه "المصالحة" وفرص نجاحها مستقبلاً, خاصة في ظل التباين الذي يحويه خطاب الحركتين نحو المقاومة المسلحة أو الاعتراف بالاحتلال.
فلسنا الآن بصدد إلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك أو تحميل مسؤولية الانقسام إلى أي طرف كان, فالكل شريك في الهم، لكن ما أردت توضيحه هنا هو من الخطأ والخطر اختزال المشكلة بين فتح وحماس في الانقسام الذي أبعد غزة عن الضفة بقدر ما أبعد حماس عن فتح، وجاء نتيجة لخلافات سياسية وأخرى سيادية، ومن الخطأ والخطر توهم أن الانتخابات التشريعية والرئاسية التي تفوض الغالب منهما بالتحكم في خيارات ورؤية ومصالح المغلوب ويتحكم العدو في إجرائها ونتائجها ستحل هذه الخلافات، ومن الخطأ والخطر تجاهل الأسئلة "فوق الخلافية" التي يجب أن يجاب عنها قبل الانتخابات، ومن الخطر والخطأ أن يتمحور أي لقاء وعلى أي مستوى حول سبل الالتفاف على القضايا الأساسية بالكلام في التقاسم والتنافس.
وفي الحقيقة أن الشعب الفلسطيني بحاجة لاستراتيجية جديدة تقوم على أساس أن عملية التسوية قد فشلت، وأن السلطة قد باتت معوقاً للمشروع الوطني الفلسطيني ولم تعد أكثر من هيئة في خدمة الاحتلال، وأن الزمن يسير ويتطاول لصالح التهويد والاستيطان، وأن المقاومة أثبتت جدارة تستحق الاعتراف بها وبقيمها وبمبرراتها، وأن غزة صارت رغم أنف العدو معادلة ردع له ونواة للتحرير الكامل وشبه محررة، وأن العالم العربي بات يتغير لصالح الشعب الفلسطيني، وأن الشعب الفلسطيني إن توحد على قلب برنامج سياسي واحد فإن العالم العربي سيقف معه تصعيداً وتخفيضاً ورسمياً وشعبياً راغباً أو مضطراً بما يستحث العالم للضغط على العدو وبما يقفز بالقضية الفلسطينية إلى موضع الاهتمام العالمي الرسمي والشعبي.
إن الطريق أمام اتفاق المصالحة ليس مفروشًا بالورود أمام الرفض الأمريكي والتهديد الصهيوني بفرض عقوبات اقتصادية على السلطة من جانب وتشديد الحصار على غزة من جانب آخر. وحتى يتم تذليل كل العقبات أمام المصالحة لا بد من الصمود أمام هذه التهديدات وهذا لا يتأتى إلا من خلال الإصرار على المصالحة مهما كلف الأمر، كما يجب توفير شبكة أمان عربية لحماية المصالحة, وهو ما يحمل في دلالته خشية على نجاح الاتفاق خاصة في ظل الضغوط المالية والسياسية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية والقطاع المحاصر.
وتبقى الأسابيع المقبلة ووضع الالتزامات التي تم التوقيع عليها في الاتفاق موضع التنفيذ وعلى رأسها تشكيل حكومة الكفاءات كفيلة بأن تعلن نهاية الانقسام الفلسطيني أو استمراره وتعميقه بسبب الخلاف على التفاصيل.
د. أيمن أبو ناهية
اللقاء الذي جمع رئيس السلطة محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد خالد مشعل, يدلل على جدية الطرفين في إنجاز ما تم الاتفاق عليه في غزة مؤخرًا بشأن المصالحة، وأن الكل الفلسطيني تفاءل بهذه الخطوة بعد أن كان محبطًا من كل اللقاءات والاتفاقات السابقة وصولاً لاتفاق غزة، وهذا اهتمام غير طبيعي ولا معتاد أن نجد الطرفين يوقعان الاتفاق في الداخل ويتوجانه في الخارج، وأن الطرفين هذه المرة ابتعدا عن التشدد والتشرط، خاصة وأن رئيس السلطة الذي اعتدناه إما ممتنعاً أو متشرطاً نجده هذه المرة لا يربط المصالحة بالمفاوضات ولم يربط حصار غزة بالانقسام، بعد تأكده أن المفاوضات تعكر صفو المصالحة وأنها كانت ستارًا على الاستيطان والتهويد والاستمرار في تشديد الحصار على غزة والقبضة الحديدية على الضفة.
بالفعل كانت خطوة غزة تمهيدًا لخطوة الدوحة, وأصبح المستحيل ممكنًا في منزل رئيس الحكومة الفلسطينية في غزة إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ, حيث وقع اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح بعد سبع سنوات من الانقسام, فما الذي استجد وذلل العقبات هذه المرة دون وجود أي من الزعماء العرب الذين كانوا دومًا "الراعي الرسمي" لهذه الاتفاقيات بدءًا باتفاق مكة ثم الدوحة وانتهاء باتفاق القاهرة؟.
في دلالات التوقيت يبرز السؤال عن الأسباب التي دفعت الحركتين إلى القبول أو التنازل عن بعض الشروط المسبقة, وأعتقد أن الأوضاع التي عاشتها كلا الحركتين في الفترة الماضية دفعت كلاً منهما إلى القبول بالمصالحة كحل للخروج بالمشروع الوطني الفلسطيني من عنق الزجاجة وأيضًا للتغلب على الظروف التي جلبتها التغيرات التي شهدتها الساحة العربية والدولية.
حركة فتح باتت في وضع حرج تحتاج فيه إلى خيار بديل لمسيرة التفاوض اللا نهائي مع اليمين المتطرف الحاكم في دولة الاحتلال بقيادة نتنياهو, خاصة وأن خطة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تمخضت عن ناتج صفر، وهو ما دفع عباس للتلويح بحل السلطة وتسليم المفاتيح لقوات الاحتلال, وهو الخيار الذي يبدو مستبعدًا على المدى القريب نتيجة لاتفاق المصالحة الذي يقوم في جوهره على انتخاب مؤسسات السلطة, إلا أن مجرد التلويح به فتح نار الغضب الأمريكية على عباس خاصة بعد اتفاق المصالحة الذي رأت فيه الخارجية الأمريكية "عقبة في طريق السلام", ورأى فيه أوباما اتفاقًا "غير مجدٍ في الوقت الراهن".
وكذلك الحال بالنسبة لحركة حماس التي تبدو أيضًا في وضع لا تحسد عليه ماليًا نتيجة سنين الحصار الطويلة وتضييق الخناق على أهالي القطاع والشعور بمرارة الانقسام بعد أن تركت غزة لوحدها في مواجهة كل هذه التحديات التي تصعب على دول. أمام هذه التحولات التي طرأت على الطرفين يمكن فهم التحول الإيجابي في ملف المصالحة, ولكن السؤال الذي يلح على المواطن الفلسطيني والعربي هو عن إمكانية تنفيذ هذه "المصالحة" وفرص نجاحها مستقبلاً, خاصة في ظل التباين الذي يحويه خطاب الحركتين نحو المقاومة المسلحة أو الاعتراف بالاحتلال.
فلسنا الآن بصدد إلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك أو تحميل مسؤولية الانقسام إلى أي طرف كان, فالكل شريك في الهم، لكن ما أردت توضيحه هنا هو من الخطأ والخطر اختزال المشكلة بين فتح وحماس في الانقسام الذي أبعد غزة عن الضفة بقدر ما أبعد حماس عن فتح، وجاء نتيجة لخلافات سياسية وأخرى سيادية، ومن الخطأ والخطر توهم أن الانتخابات التشريعية والرئاسية التي تفوض الغالب منهما بالتحكم في خيارات ورؤية ومصالح المغلوب ويتحكم العدو في إجرائها ونتائجها ستحل هذه الخلافات، ومن الخطأ والخطر تجاهل الأسئلة "فوق الخلافية" التي يجب أن يجاب عنها قبل الانتخابات، ومن الخطر والخطأ أن يتمحور أي لقاء وعلى أي مستوى حول سبل الالتفاف على القضايا الأساسية بالكلام في التقاسم والتنافس.
وفي الحقيقة أن الشعب الفلسطيني بحاجة لاستراتيجية جديدة تقوم على أساس أن عملية التسوية قد فشلت، وأن السلطة قد باتت معوقاً للمشروع الوطني الفلسطيني ولم تعد أكثر من هيئة في خدمة الاحتلال، وأن الزمن يسير ويتطاول لصالح التهويد والاستيطان، وأن المقاومة أثبتت جدارة تستحق الاعتراف بها وبقيمها وبمبرراتها، وأن غزة صارت رغم أنف العدو معادلة ردع له ونواة للتحرير الكامل وشبه محررة، وأن العالم العربي بات يتغير لصالح الشعب الفلسطيني، وأن الشعب الفلسطيني إن توحد على قلب برنامج سياسي واحد فإن العالم العربي سيقف معه تصعيداً وتخفيضاً ورسمياً وشعبياً راغباً أو مضطراً بما يستحث العالم للضغط على العدو وبما يقفز بالقضية الفلسطينية إلى موضع الاهتمام العالمي الرسمي والشعبي.
إن الطريق أمام اتفاق المصالحة ليس مفروشًا بالورود أمام الرفض الأمريكي والتهديد الصهيوني بفرض عقوبات اقتصادية على السلطة من جانب وتشديد الحصار على غزة من جانب آخر. وحتى يتم تذليل كل العقبات أمام المصالحة لا بد من الصمود أمام هذه التهديدات وهذا لا يتأتى إلا من خلال الإصرار على المصالحة مهما كلف الأمر، كما يجب توفير شبكة أمان عربية لحماية المصالحة, وهو ما يحمل في دلالته خشية على نجاح الاتفاق خاصة في ظل الضغوط المالية والسياسية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية والقطاع المحاصر.
وتبقى الأسابيع المقبلة ووضع الالتزامات التي تم التوقيع عليها في الاتفاق موضع التنفيذ وعلى رأسها تشكيل حكومة الكفاءات كفيلة بأن تعلن نهاية الانقسام الفلسطيني أو استمراره وتعميقه بسبب الخلاف على التفاصيل.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية