عبد الله العكر.. الإضراب المسكوت عنه!
لمى خاطر
يوم عاد رفات الشهداء قبل أيام، رفض ذوو بعض شهداء مدينة الخليل أن تُحمل نعوش أبنائهم في السيارات العسكرية التابعة للأجهزة الأمنية، لأن ذاكرتهم كانت تضجّ بمشاهد عذابات أبنائهم في سجون السلطة في نهاية التسعينات، حين عُذب بعضهم على أيدي من تصدّروا للاهتمام بهم يوم عادوا بقايا من مقابر الأرقام. وقد أنكر بعض الناس استحضار الخلافات في يوم عودة الشهداء، لأنهم يرون أن ما فات فات، ولا مُبرر لأن تحتفظ به الذاكرة كلّ هذه المدّة وتعيد الحياة إليه في يوم يمثّل فرصة لتلاقي ألوان الطيف الفلسطيني كلها وهي تستقبل رفات شهدائها.
لكنني كنتُ أتفهّم جيداً مشاعر زوجة عاشت وأبناؤها مع زوجها سنوات العذاب لحظة بلحظة حين تلقفته زنازين سجن أريحا الفلسطيني، ورأت أكثر من غيرها حجم ما خلفته في جسده شهور الشبح والتعذيب الطويلة من آلام وأمراض مزمنة، ثم كيف انتقل فوراً ليستأنف مسيرة جهاده فور تحرره من سجنه الفلسطيني مطلع انتفاضة الأقصى، ليعيش مطارداً سنوات أخرى قبل أن يغتاله جيش الاحتلال ثم يحتجز جثمانه في مقبرة الأرقام!
الشاهد هنا؛ أن التاريخ يعيد نفسه بتفاصيل مشابهة لتلك التي كانت سائدة قبل انتفاضة الأقصى، وأنّ هناك عشرات المعتقلين في سجون السلطة اليوم، وتحديداً قدامى المعتقلين ما زالوا غير قادرين على التعايش مع التطورات الجديدة المتعلقة باقتراب إنجاز المصالحة، فيما ذووهم يستشعرون حسرة وخذلاناً كبيرين لأن حقوقهم ما تزال مهضومة، ولأن ما حلّ بأبنائهم لم يحظَ بالاهتمام اللائق برجال يفترض أنهم يمثلون عناوين المقاومة، فيما كان سيكون حظهم من الاهتمام وافراً لو أنهم أودعوا سجون الاحتلال أو حتى قضوا برصاصه!
هذه المرارة بلا شك؛ هي التي دفعت بالمعتقل السياسي عبد الله العكر، المحكوم بالسجن مدة خمس سنوات، لأن يبادر لإضراب مفتوح عن الطعام منذ أكثر من أسبوع، حاملاً شعار: الحرية أو الشهادة. مع فارق أن إضرابه يستمر دون ضجيج ودون اهتمام من وسائل إعلام اعتادت أن تنتصر للأسرى في سجون الاحتلال وأن تتابع قضاياهم وتجتهد في دعمهم، لكنها تسكت مرغمة عن معاناتهم بمجرد انتقالهم إلى سجون فلسطينية!
وهنا، سيبدو من العبث مطالبة الناس وخصوصاً ضحايا التنسيق الأمني بأن يبادروا لإظهار نواياهم الحسنة بين يدي الحديث عن اتفاق المصالحة، وسيبدو من غير اللائق أن نبتهج ونحن نتابع لحظات المصافحة والودّ بين القيادات السياسية بينما هناك معتقلون يخوضون في سجون فلسطينية إضراباً عن الطعام طلباً لحريتهم، وإنكاراً لاستمرار احتجازهم دونما جرم أو جناية!
لطالما قلنا إن المصالحة تبدأ من الميدان لا من غرف اللقاءات وتفاهمات السياسيين، ولطالما حذّرنا من خطورة الشروع في رسم معالم مصالحة لا تطبق إلا على الورق، ولا تردّ للمضطهدين حقهم، ولا تشعرهم بأنهم على مشارف مرحلة جديدة تجبّ خطايا ما قبلها، وتختبر مدى جديّة الشعارات المنادية بإنهاء الانقسام والمروّجة للتوافق.
عبد الله العكر، لم يكن الأول الذي يخوض إضراباً عن الطعام في سجون السلطة، ولن يكون الأخير في ظلّ تنامي شعور المعتقلين المنسيين وذويهم، وخاصة القدامى منهم، بأن حلّ قضيتهم لم يعد في يد أحد، ولا بد لهم من إنهاء معاناتهم بأنفسهم تماماً كما يفعل الأسرى في سجون الاحتلال.
لم تعُد اليوم حجة احتجاز الأسرى في سجون السلطة لحمايتهم من الاعتقال لدى الاحتلال قادرة على إقناع أحد بوجاهتها، وإن كان مفهوماً لماذا تخلص الأجهزة الأمنية في وفائها لالتزاماتها الأمنية تجاه الاحتلال قبل المصالحة فليس مفهوماً ولا مقبولاً أن تستمر في هذا النهج في ظل الحديث عن حكومة توافقية وعن اقتراب من لحظة إنجازها!
وإن كان هناك من يصرّ على أن ما يلزم الحالة الفلسطينية مجرد توافق شكليّ لا يضمد الجراح ابتداءً، فلا يلومنّ المضهدين والمظلومين إن لم يسايروا نفَس المصالحة أو إن أنكروا جدواها وأداروا ظهورهم لاستحقاقاتها!
يوم عاد رفات الشهداء قبل أيام، رفض ذوو بعض شهداء مدينة الخليل أن تُحمل نعوش أبنائهم في السيارات العسكرية التابعة للأجهزة الأمنية، لأن ذاكرتهم كانت تضجّ بمشاهد عذابات أبنائهم في سجون السلطة في نهاية التسعينات، حين عُذب بعضهم على أيدي من تصدّروا للاهتمام بهم يوم عادوا بقايا من مقابر الأرقام. وقد أنكر بعض الناس استحضار الخلافات في يوم عودة الشهداء، لأنهم يرون أن ما فات فات، ولا مُبرر لأن تحتفظ به الذاكرة كلّ هذه المدّة وتعيد الحياة إليه في يوم يمثّل فرصة لتلاقي ألوان الطيف الفلسطيني كلها وهي تستقبل رفات شهدائها.
لكنني كنتُ أتفهّم جيداً مشاعر زوجة عاشت وأبناؤها مع زوجها سنوات العذاب لحظة بلحظة حين تلقفته زنازين سجن أريحا الفلسطيني، ورأت أكثر من غيرها حجم ما خلفته في جسده شهور الشبح والتعذيب الطويلة من آلام وأمراض مزمنة، ثم كيف انتقل فوراً ليستأنف مسيرة جهاده فور تحرره من سجنه الفلسطيني مطلع انتفاضة الأقصى، ليعيش مطارداً سنوات أخرى قبل أن يغتاله جيش الاحتلال ثم يحتجز جثمانه في مقبرة الأرقام!
الشاهد هنا؛ أن التاريخ يعيد نفسه بتفاصيل مشابهة لتلك التي كانت سائدة قبل انتفاضة الأقصى، وأنّ هناك عشرات المعتقلين في سجون السلطة اليوم، وتحديداً قدامى المعتقلين ما زالوا غير قادرين على التعايش مع التطورات الجديدة المتعلقة باقتراب إنجاز المصالحة، فيما ذووهم يستشعرون حسرة وخذلاناً كبيرين لأن حقوقهم ما تزال مهضومة، ولأن ما حلّ بأبنائهم لم يحظَ بالاهتمام اللائق برجال يفترض أنهم يمثلون عناوين المقاومة، فيما كان سيكون حظهم من الاهتمام وافراً لو أنهم أودعوا سجون الاحتلال أو حتى قضوا برصاصه!
هذه المرارة بلا شك؛ هي التي دفعت بالمعتقل السياسي عبد الله العكر، المحكوم بالسجن مدة خمس سنوات، لأن يبادر لإضراب مفتوح عن الطعام منذ أكثر من أسبوع، حاملاً شعار: الحرية أو الشهادة. مع فارق أن إضرابه يستمر دون ضجيج ودون اهتمام من وسائل إعلام اعتادت أن تنتصر للأسرى في سجون الاحتلال وأن تتابع قضاياهم وتجتهد في دعمهم، لكنها تسكت مرغمة عن معاناتهم بمجرد انتقالهم إلى سجون فلسطينية!
وهنا، سيبدو من العبث مطالبة الناس وخصوصاً ضحايا التنسيق الأمني بأن يبادروا لإظهار نواياهم الحسنة بين يدي الحديث عن اتفاق المصالحة، وسيبدو من غير اللائق أن نبتهج ونحن نتابع لحظات المصافحة والودّ بين القيادات السياسية بينما هناك معتقلون يخوضون في سجون فلسطينية إضراباً عن الطعام طلباً لحريتهم، وإنكاراً لاستمرار احتجازهم دونما جرم أو جناية!
لطالما قلنا إن المصالحة تبدأ من الميدان لا من غرف اللقاءات وتفاهمات السياسيين، ولطالما حذّرنا من خطورة الشروع في رسم معالم مصالحة لا تطبق إلا على الورق، ولا تردّ للمضطهدين حقهم، ولا تشعرهم بأنهم على مشارف مرحلة جديدة تجبّ خطايا ما قبلها، وتختبر مدى جديّة الشعارات المنادية بإنهاء الانقسام والمروّجة للتوافق.
عبد الله العكر، لم يكن الأول الذي يخوض إضراباً عن الطعام في سجون السلطة، ولن يكون الأخير في ظلّ تنامي شعور المعتقلين المنسيين وذويهم، وخاصة القدامى منهم، بأن حلّ قضيتهم لم يعد في يد أحد، ولا بد لهم من إنهاء معاناتهم بأنفسهم تماماً كما يفعل الأسرى في سجون الاحتلال.
لم تعُد اليوم حجة احتجاز الأسرى في سجون السلطة لحمايتهم من الاعتقال لدى الاحتلال قادرة على إقناع أحد بوجاهتها، وإن كان مفهوماً لماذا تخلص الأجهزة الأمنية في وفائها لالتزاماتها الأمنية تجاه الاحتلال قبل المصالحة فليس مفهوماً ولا مقبولاً أن تستمر في هذا النهج في ظل الحديث عن حكومة توافقية وعن اقتراب من لحظة إنجازها!
وإن كان هناك من يصرّ على أن ما يلزم الحالة الفلسطينية مجرد توافق شكليّ لا يضمد الجراح ابتداءً، فلا يلومنّ المضهدين والمظلومين إن لم يسايروا نفَس المصالحة أو إن أنكروا جدواها وأداروا ظهورهم لاستحقاقاتها!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية