عرس فلسطيني بلا عروس
د.فايز أبو شمالة
"هاص" الجمع واحتفل، ورقص القوم في شوارع خان يونس وغزة ورام الله، وهتفوا للنصر الفلسطيني الكبير، وتعالت صيحات النصر، وزعقت أبواق السيارات بعد منتصف الليل مرحبة بقرار الأمم المتحدة، حتى إنني ظننت من فرط المفاجأة أن اليهود قد فروا هاربين، وأن الليلة ستزف أرض فلسطين إلى الشعب الفلسطيني محررة بلا غاصبين!
عرس في فلسطين بلا عروس، عرس كبير أرادت من خلاله القيادة الفلسطينية في رام الله أن ترد على النصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية على العدو الصهيوني في ميدان القتال، عرس فلسطيني قال فيه المفاوضون للمقاومين: "ونحن لا نقل عنكم كفاءة، فإن كنتم قد فاجأتم العدو بإعدادكم الرائع للمقارعة والنزال، وانتصرتم، فإننا نفاجئه بإعدادنا السلمي للمواجهة في الأمم المتحدة، وقد انتصرنا، ولا تنظيم أفضل من تنظيم، كلٌّ في ميدانه ينتصر".
"هيصة" كبيرة ذكرتني بسجن نفحة الصحراوي في 15/11/1988م، حين فرحت مع الفرحين، بعد أن اختلط مذاق النعناع برائحة الياسمين، حين وقفت شخصيًّا في باحة سجن نفحة الصحراوي، وعزفت على الناي، وكان جميع السجناء يرقصون ابتهاجًا بإعلان الاستقلال، في ذلك اليوم صارت فلسطين دولة مستقلة، واعترف العالم بذلك الاستقلال، وصار الشعب الفلسطيني يحتفل كل عام بعيد الاستقلال.
ما أريد أن أسأله للساسة الفلسطينيين: هل ستعودون إلى المفاوضات مع (إسرائيل) التي أزعجتها دولة فلسطينية بصفة مراقب، لتطلبوا منها دولة على الحقيقة؟!، وهل ستقبلون الوساطة الأمريكية للحصول على دولة، وهي التي حرضت العالم ضد دولة فلسطينية بصفة مراقب؟!
وإذا كان الشعب الفلسطيني يحتفل كل عام بذكرى الاستقلال؛ فهل معنى ذلك أننا سنحتفل في نوفمبر من كل عام بذكرى الاستقلال وذكرى الإعلان عن قيام دولة بصفة مراقب؟!
وإذا كان الاعتراف بفلسطين دولة بصفة مراقب قد تم في نفس اليوم الذي صدر فيه قرار التقسيم سنة 1947م؛ فهل معنى ذلك أن قرار دولة بصفة مراقب قد جب ما قبله من قرارات، مثل: قرار التقسيم، وقرار عودة اللاجئين؟!
وإذا كان الإعلان عن قيام دولة فلسطينية مستقلة سنة 1988م قد ظل حبرًا على ورق، ولم يتحقق شيء من الاستقلال على الأرض، بل ازداد الاستيطان توسعًا وتمددًا، فهل قبول فلسطين دولة بصفة مراقب يعني مزيدًا من الزمن الضائع، ومزيدًا من التوسع الاستيطاني، ليقابله المزيد من الفرح والرقص الفلسطيني؟!
أزعم أن الذي يجري على أرض فلسطين في هذه الأيام هو عرس، هو عرس بلا عروس؛ لأن العروس تنام مرغمة أو طائعة في مخدع (الإسرائيليين)، ويداعب العروس اليهودي وجنتيها تحت سمع وبصر القيادة الفلسطينية، التي تطالبه بأن يكون رقيقًا وحنونًا معها، بعد أن اكتفت القيادة باستراق النظر من خلف الأبواب، فهي لا ترغب بالمواجهة، والقيادة تعترف بأنها لا تقوى على المنازلة في ساحات الوغى، ورضيت القيادة من فلسطين بعذري الهوى.
في أعرافنا الفلسطينية، وفي شرعنا، لا يمكن أن تزف العروس إلى رجلين في ليلة واحدة، الذي يفوز بالعروس هو الأقوى، وهو الذي يدفع مهر عروسه بالدم، وهو الأكثر قبولًا وجمالًا وعلمًا وقوة وإرادة، وعلى الآخر الضعيف أن ينهزم بهدوء، وأن يراجع حساباته، وأن ينافس عدوه بالإعداد الجيد للمعركة لا بالتهريج المتقن.
حدثني الأستاذ فريح أبو مدين وزير العدل السابق، وقال: "إن رجال القانون في الضفة الغربية يختصرون كل ما جرى في الأمم المتحدة بجملة واحدة تقول: (إن عباس قد سعى للحصول على رخصة قيادة سيارة، ونسي أن السيارة في حوزة (إسرائيل)!)".
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية