علمتني الحرب (1) ... بقلم : لمى خاطر

الإثنين 18 أغسطس 2014

علمتني الحرب (1)


لمى خاطر

تحت هذا العنوان نشرتُ سلسلة تغريدات، وأنوي استكمال نشرها لأجمعها في مقال أو عدة مقالات، تتحدّث عن دروس مستقاة من حرب (العصف المأكول) في غزة، وهي الحرب التي انتشر عبير مقاومتها في أرجاء الأمة، وظلّ مقيماً بين دروبها. فساعد المقاتل ما فتئ المعلّم الملهم، وهو الكفيل بحملك على التخلي عن نظريات بنيتها في عقلك والتمسّك بغيرها، مثلما أنه معيار اختبار الصدق، والقنديل الهادي للحقيقة دونما عناء.

• علمتني الحرب أن صاحب الفعل يمتلك الأحقية بالمطالبة والتوجيه والتقييم، وأن المرء لا يملك مطالبة غيره بما يعجز هو عن فعله، وأن مشكلتنا ليست في أننا لا نبصر الطريق أو نحتاج من يدلّنا عليها، بل في أن النخبة الفاعلة ما زالت أقلية في أي مجتمع، وعلى هامش فعلها يصطف آلاف المتحدثين والمنظرين، مفترضين أن الكلام مطلوب منهم والفعل مطلوب من غيرهم.
وعلمتني، أنني لا أصنع شيئاً يستحقّ الذكر إن اجترحتُ خطة للتغيير ولم أكن جزءاً من تنفيذها، أو إن امتدحت إنجازاً وصفّقت له واستثقلتُ انسحابه على واقعي، علمّتني، أن الصدق مع الذات أساس للتغيير، وأن تجنّب الادعاء خلق إنساني رفيع، وأن صاحب الأثر ليس ناطقاً باسمه بل ساعياً إليه ودالّاً بخطواته عليه.
علمتني الحرب أن أبقي تلك الآية من كتاب الله أمام ناظريّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾

• علمتني الحرب أن المجتمع المترف لا يُنتظر منه تغيير يُذيب جمود التاريخ أو يصنع مراحل فارقة، وأن الاستعداد للثورة لا ينمو في الأوساط المريحة، بل في نتوءات القهر ولجّة المشقة، وأن استثقال التضحية يتناسب طردياً مع مراكمة مكتسبات الحياة وتعدد مصالح المرء فيها..
وأن عدوّك حين يجرّدك من مقوّمات الحياة فهو في المقابل يضاعف سهام الغضب والثورة في كنانتك، وحين يجعل ظهرك للجدار فإنه يريحك من حسابات جزعك من مآلات الخسارة.

• علمتني الحرب أن التشويه الذي قد يطال تجربة صادقة والظلم الذي قد يلحق بها سيتكفل الله والتاريخ بكشفه ورده إن استقامت على طريقها ولم تلتفّ على هدفها بالشعارات الخادعة، وإن ألزمت نفسها بالوفاء لوعودها وظلّت بارة بغاياتها.. وأن الخسارات الآنية قابلة للتعويض، لكنّ تصدّع المبادئ، وتفتت الهيبة، لا يعوّض، ولا يرمّم بالكلام.

• علمتني الحرب أن المقاومة المنجزة هي المقاومة المبصرة ومتكاملة البناء والحائزة على عناصر التفوّق الأساسية، لا تلك المتأسسة على ردود الأفعال والهبّات المفاجئة، وأن المقاومة المثمرة هي التي تحملها عصبة من المؤمنين كمشروع حياة، لا كمتنفس للغضب من حين لآخر، وأن قليلها الدائم خير من كثيرها المنقطع، وأن الوطن الساعي للتحرير لا بدّ أن يقدّم حاجته للسلاح على حاجته للغذاء والكساء، وأنه إن صنع جزءاً من سلاحه بنفسه فقد اختصر مراحل من عمر التحرير وطوى دروباً من الانتظار وأغلق ثغرة الابتزاز الخارجي وسطوة الانتهازيين على قراره.

• علمتني الحرب أن الموت لا يؤجل ولا يُستجلب، وأنه ما من موت سهل وآخر صعب، وما من موت مؤلم وآخر مريح.. هي صورة خارجية خادعة تعلق في ذهن من يرى تطاير الأشلاء؛ فيظن الموت على الفراش أيسر منه تشظياً بقذيفة دبابة أو صاروخ. إنما هناك موت استثنائي وآخر عادي، هناك موت مدوّ وآخر خافت، هناك موت مهيب وآخر باهت.. هناك موت يؤسس لحياة أجيال وآخر يديم رقدتها.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية