(على عينك يا تاجر) .. مش فرقانة معهم
بقلم : د . إبراهيم الحمامي
الأيام القليلة الماضية حملت من الفضائح والمواقف المخزية ما يُسقط دول وليس حكومات، فما بالكم بسلطة وهمية قزمية، ما حدث ويحدث يفوق الخيال، لا مثيل له في التاريخ القديم والحديث، عمالة ووكالة للاحتلال باسم الوطنية، خضوع وخنوع علني باسم المصلحة العليا، تنازل وتفريط واسقاط للحقوق باسم الواقعية، قمع واختطاف وتعذيب وقتل باسم الشرعية، تجاوز لكل المحرمات والأخلاقيات باسم القانون.
الأحداث الأخيرة مرت مرور الكرام، لم تستوقف أحد، ولم تحرك ساكن أحد، اللهم إلا بعض التقارير هنا وهناك، ولنستعرض بعضاً منها، علها تنعش ذاكرتنا:
· ليبرمان وخلال لقاءٍ صحفيٍّ 22/9/2009 شارك فيه إلى جانب بنيامين نتنياهو في نيويورك مع عددٍ من الصحفيين، في أعقاب انتهاء اللقاء الثلاثي بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونتنياهو وعباس يقول: “نحن نتوقع من السلطة الفلسطينية أن تسحب الطلب الذي قدَّمته ضد “إسرائيل” إلى المحكمة الدولية في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد سكان قطاع غزة”، لافتًا إلى أنه أبلغ الوفد الفلسطيني بهذا المطلب خلال اللقاء الثلاثي، وأضاف: “قلت لأعضاء الوفد الذي يمثل السلطة الفلسطينية إنها هي من مارست ضغوطًا على “إسرائيل” للذهاب حتى النهاية في الحرب على غزة في إطار عملية “الرصاص المصبوب”
· اليوم 02/10/2009 ورضوخاً واذعاناً لأمر ليبرمان الذي فضح تواطؤ وتآمر عبّاس وسلطته في العدوان الأخير على غزة، وهو ما لم ينفه أياً من طغمة عبّاس ولو بكلمة، تسوق لنا الأخبار أن سفير عباس لدى الأمم المتحدة إبراهيم خريشة أكد سعي سلطته لسحب دعمها لمشروع قرار من المقرر أن يتم التصويت عليه في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يندد بالسلوك الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وهو ما أكدته أيضا مصادر دبلوماسية وصحفية عربية وغربية، أي ذل وخنوع واقرار غير مباشر بالمشاركة في عدوان غزة، أي جريمة ترتكب اليوم باسم الشعب الفلسطيني!
· 30/06/2009 وزير شؤون القدس في حكومة فيّاض حاتم عبد القادر يستقيل من منصبه قائلاً “إن استقالته لم تكن لأسباب شخصية بل موضوعية تتعلق بعدم وفاء الحكومة ووزارة المالية بالتزاماتهما التي قطعت عند التشكيل تجاه احتياجات شؤون القدس”، مضيفاً “إن المدينة تتعرض لحملة استيطانية غير مسبوقة وإن المقدسيين يعيشون في جحيم، وكل ما ينفق على القدس لا يزيد عن 1% من موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية، في حين تخصص الحكومة الإسرائيلية 20% من موازنتها للإنفاق على الاستيطان في المدينة”، مضيفاً في تصريح آخر لصحيفة الشرق الأوسط إن «جريمة جماعية» ارتكبتها الحكومة الفلسطينية في حق سكان حي العقبة بالقدس، وكانت «القشة التي قصمت ظهر البعير» التي حملته على الاستقالة، موضحاً “أن وزارة المالية الفلسطينية رفضت طوال عام تنفيذ قرار لمجلس الوزراء بتمويل مخطط تنظيم هيكلي لحي العقبة، كان متفقا عليه مع بلدية القدس لمنع هدم 40 منزلا هناك. وأضاف «بسبب هذا التأخير اعتذرت البلدية عن عدم قبول المخطط وأمرت بهدم المنازل». وتابع عبد القادر «تخيل سيهدم 40 منزلا ويشرد 450 شخصا لأن وزارة المالية رفضت دفع مبلغ 50 ألف شيكل (13 ألف دولار)»
· مقابل ذلك تتحدث تقارير صحفية من محاكم لندن أن السلطة ذاتها التي بخلت على القدس ب 13 الف دولار، تصرف وتسرف الالاف المؤلفة لدعم محمد دحلان في القضية التي اختار أن يرفعها في لندن ضد العبد الفقير وقناة الجزيرة، منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي، ومستمرة في ذلك حتى اليوم، ومع ذلك لا يطالب أحد بفتح هذا الملف لمعرفة من اتخذ القرار وكم صرفت السلطة، وما هي مصلحتها، وتحت أي بند في ميزانيتها، وهل جمع الأموال باسم الشعب الفلسطيني وآلامه وعذاباته هي لدعم أفراد؟ وكيف يمكن تبرير ذلك في ظل التقاعس عن نصرة القدس وفي ظل صراخهم ليل نهار عن العجز في ميزانية هذه السلطة؟
· اقتحمت قطعان متطرفة من المستوطنين المسجد الأقصى بحماية ودعم قوات الاحتلال، كان هذا قبل أيام وتحديداً يوم 27/09/2009، وما زلنا ننتظر تصريحاً واحداً لأي من الطغمة المحتمية بالاحتلال في رام الله يندد أو يدين، أو يهدد بتجميد لا وقف المفاوضات!
· في المقابل تحركت ألسنتهم للتقليل من شأن صفقة شريط شاليط، واظهار عدم أهميتها، والحديث المخزي عن الثمن الباهظ لأسر شاليط، ولا يدخرون وسيلة للنيل من المقاومة إلا ويتبعوها.
· وما دام الحديث عن تبادل الأسرى، نُذكّر بأن سلطة عباس قامت ومنذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي بتسليم 1232 “اسرائيلياً” “ضلوا” طريقهم في مدن وقرى الضفة الغربية، ومنهم من كان يحمل السلاح!
· وقد سبق كل ذلك الاهمال المتعمد وادارة الظهر لحكم محكمة العدل الدولية في شهر أبريل/نيسان من العام 2004، والذي لم يُتابع أو يتم تفعيله بأي شكل من الأشكال، ومرة أخرى امتثالاً لأوامر الاحتلال.
مواقف هائلة وكبيرة تثبت مرة ومرات الدور الأمني لتلك السلطة البائسة ودورها المحصور في حماية المحتل.
ويستمر هذا المسلسل دون خوف أو وجل من أحد، داعمهم الاحتلال، وظهرهم الأعراب، وشعبهم إما محاصر أو تحت القمع، والفصائل تدور في ساقية الحوار الذي لا نهاية له، وباقي فئات الشعب تكتفي إما بالتفرّج أو الحديث والكلام، الذي لم يعد لا يقدم ولا يؤخر.
مش فرقانة معهم… صحيح، لكن أيضاً ومن خلال متابعة ما يجري، مش فرقانة مع غيرهم!
الحوار معهم مضيعة للوقت، ان لم يكن مشاركة لهم في الاستمرار بمسلسلهم، وهو حوار من شبه المستحيل أن يفضي لشيء، لأن طغمة أوسلو مسلوبة الارادة والقرار، خاضعة بالكامل، ومهمتها أن تكون وكيلاً حصرياً للمحتل.
الكلام أيضاً أصبح اجترار وتكرار، الجميع آمن وصدّق وبصم أنهم فاسدون مفسدون، أنهم وكلاء للمحتل، وأن مصلحة الشعب لا تعنيهم من قريب أو بعيد.
لكن ماذا بعد؟
هذا هو السؤال الذهبي الذي يحتاج لاجابة واضحة محددة، إجابة تخرجنا من دائرة القول إلى دائرة الفعل، من دائرة ردة الفعل إلى صناعة الحدث، إجابة تجمع شرفاء هذا الوطن مع بعضهم البعض لمواجهة الظلم والطغيان والتعسف والتفريط، وتُشكل حاجزاً منيعاً ضد المزيد من التنازل والبيع والتفريط والعمالة العلنية.
لا حيادية في القضايا المصيرية، الحياد هو سلبية مطلقة تصب في مصلحة الظالم ضد المظلوم، تحديد المواقف هو المطلوب، وتجميع المواقف أيضاً مطلوب، ورص الصفوف مطلوب، والعمل الجماهيري الضاغط والفاعل أيضاً مطلوب.
هل نبقى على حالنا وكما نحن؟ أم آن أوان العمل المنظم والفاعل والمدروس؟
لا نامت أعين الجبناء
اصرخوا … اشجبوا … استنكروا … افضحوا … تظاهروا … اكتبوا … احتجوا، وافعلوا ما شئتم، الأمر سيّان لدى حثالات شعبنا المسماة قيادات، اللعب على المكشوف، والأسلوب “على عينك يا تاجر”، والارتماء والامتثال للمحتل في وضح النهار و”عيني عينك”، ولم يعد هناك ما يؤثر أو يغير، وعلى قاعدة “يا جبل ما يهزك ريح” حتى وان كانوا أصغر من الذر وليسوا جبالاً، والأهم أننا نحن، نعم نحن أنا وأنتَ وأنتِ، نحن جميعاً “مش فرقانة معنا”!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية