عن أوهام الانشقاق!
لمى خاطر
تبدو بعض وسائل الإعلام الفلسطينية من مواقع إلكترونية وصحف وإذاعات محلية بائسة، ومعها عدد من الصحف العربية فاتحة آذانها على مصراعيها هذه الأيام لكل ما يبث ّ في الإعلام الإسرائيلي وفي صفحات الإنترنت وحارات الفيسبوك حول ما يُشاع بأنه خلاف داخل حماس، ثم انشقاق يُقال إنه وصل إلى كتائب القسام التي تزعم المصادر المجهولة بأنها توزّعت ما بين الزهار ومشعل، مفترضين أن القائدين يمثلان طرفي نقيض داخل الهرم التنظيمي لحماس!
لا أجد حاجة هنا لسوق الأدلة والبراهين على أن الخلاف في وجهات النظر حول أية قضية هو أمر طبيعي، ومثله الخلاف داخل البيت الواحد، ولا أحسب أنه مطلوب من قادة حماس أو حتى كوادرها أن ينطلقوا في قناعاتهم حول المواقف السياسية عن قلب رجل واحد، وخاصة تلك التي تقبل الأخذ والرد، وآخرها إعلان الدوحة، والذي كان من الطبيعي ألا تقابل تفاصيله بالترحاب المطلق داخل الأوساط الحمساوية حتى لدى المؤمنين بأهمية المصالحة وضرورتها.
غير أن التعاطي الإعلامي السيء مع هذا التباين تجاه الاتفاق ينمّ عن تهاوٍ في مصداقية ونزاهة كلّ وسائل الإعلام التي اختزلت الأمر في خانة: (رفض الاتفاق لتعارضه مع مصالح فئة أو تيار داخل الحركة)، لأن المروجين لهذه الفكرة كانوا لضحالة تفكيرهم إنما يقيسون على ما ألفوا أن يشاهدوه داخل فتح من صراعات مردّها تنازع المصالح بين تياراتها، عدا عن أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث في آراء المتحفظين على الاتفاق، وهم متوزعون على مختلف الساحات ذات الوجود الحمساوي ما بين غزة والضفة والخارج. فمنهم من عارض الاتفاق لأنه يرى أن عباس كان شريكاً في حصار غزة، ولا يستحق أن يؤتمن على إعمارها، ومنهم من رأى أن الاتفاق لم يحسن معالجة إشكالية الضفة، وهي إشكالية أكثر تعقيداً من أن ينهيها توقيع، كونها تتداخل مع واقع السلطة الأمني والتزاماتها تجاه الاحتلال. وهناك من كانت عينه على ثوابت الحركة وتسللت إليه خشية من أن تخلّ بها التوافقات اللاحقة وخصوصاً في موضوع الحكومة وبرنامجها إذا ما اصطدم بصخرة الحاجة لقبول دولي!
أي أن الجدل الذي أثاره الاتفاق داخل الأوساط الحمساوية كان طبيعياً ومستوعباً في ظلّ التطورات التي طرأت على المشهد الفلسطيني منذ خمس سنوات، وفي ظل انتفاء جديّة حقيقية لدى الطرف الآخر المتمثل بفتح في تهيئة مناخات ملائمة تسهم في إنجاح الاتفاق.
أما فيما يتعلق بآلية إخراج الاتفاق من دائرة القرار الحمساوي، ومع التسليم بأن الإخلال بالآليات الشورية الداخلية المتبعة في صياغة القرارات هو خطأ تنظيمي، إلا أن تداركه ليس صعبا، ومعالجته ليست مستحيلة، حتى لو سلّمنا بأن بعض أركان القيادة لم تطلع عليه. فبنيان حماس يحتمل المراجعات الداخلية وتصويب الأخطاء، لكنه مغلق تماماً أمام ريح الفتنة والتنازع المفضي إلى الانشقاق.
غير أن الجاهلين بهذا البنيان ستظل معزوفة الانقسام النشاز تطربهم حيثما ولّوا وجوههم، وسيظلون لاهثين خلفها حتى وإن تبينوا هشاشتها واضمحلال أثرها، وسيبقى أي تصريح أو اختلاف مادة إعلامهم الدسمة والمفضلة على ما سواها، مع أن تلك العاصفة الإعلامية ستنعكس إيجاباً على الصف الحمساوي الذي سرعان ما سيتنبه إلى حساسية موقعه، وإلى حجم الثغرة التي يسدها بتماسكه وحسن إدارته لمختلف الملفات داخلية كانت أم خارجية.
لسنا نخشى على حماس الفكرة ولا حماس الحركة، لأننا نعلم جيداً، ونؤمن أن قادتها يعلمون بأن اختلاف كلمتهم وصفة إفشال لمشروع الحركة كلّه، وارتكاس لمكانتها في وعي الأمة، ولأن الواقف في ميدان المواجهة لا يمكن ولا يجوز أن ينشغل بالهوامش عن الجوهر، ولا أن يتخيّل أن هناك فسحة للتطلع إلى مقاليد الحكم أو امتيازاته.
فلسطين أرض لا تزال محتلة، وحماس كحركة مقاومة تحتل موقع الريادة في مشروع التحرير؛ لا يناسبها إلا أن تظلّ كبيرة، بمواقفها وسياساتها، وبقادة ركبها ورموزها، وبتمايزها عن أصحاب الهوى والمصالح والمنجرفين مع تيار الافتتان ببعض مغريات الطريق!
حماس ليست ملكاً لأحد، ولا هي قابلة للتطويع أو الحشر في مساحات ضيقة لا تناسب قامتها التي صاغتها الدماء، وعركتها المحن والابتلاءات، وهي لم تغادر مربع المحنة حتى الآن، حتى وإن كان هناك من يتصور أنه بلغ النهاية، أو أن المسؤولية مغنم ومكسب، فالتمحيص الإلهي سيظلّ ماضياً على أية جماعة اتخذت الإسلام منطلقاً وفكراً ومسلكا، والفكرة الحرة الحقّة لا تموت أو تندثر مهما تبدّل حاملوها.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية