عن السلطة والمنظمة.. التشريعي والوطني
عريب الرنتاوي
ونحن على أبواب تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، تنتعش بشأنها الآمال في ضوء اجتماعات الدوحة الفلسطينية، وتحل محل "حكومتي الانقسام" في الضفة والقطاع، يجدر بنا إعادة طرح مسألة النظام السياسي الفلسطيني مجدداً، على مائدة البحث والحوار الوطنيين... فلا يجوز أن يجري التعامل مع ملفات المصالحة والوحدة، المنظمة والسلطة، المفاوضات والاستراتيجية البديلة، كل على حدة، وبصورة منفصلة، أحدهما عن الآخر.
وأبدأ بالقول، إنه وفي مطلق الأحوال، بات يتعين وضع الأمور في نصابها، وإعادة العربة خلف الحصان، المنظمة أولاً، هكذا هو الحال رسمياً اليوم، وإن لم يكن كذلك فعلياً وعلى الأرض... معنى ذلك، وبشكل خاص في ضوء انسداد آفاق المفاوضات، واستمرار الغموض حول مستقبل السلطة، أنه لا بد من الشروع في تنفيذ عملية "تفريغ" السلطة من "فائض السياسة" التي أسبغ عليها، وإعادة موضعتها في النظام السياسي الفلسطيني، بوصفها الجهاز الخدمي- التنموي، المعني أساساً بتدعيم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، لا بوصفها "الابنة التي ابتلعت أمها".
إن صح هذا السياق، وتبلور الإجماع الوطني عليه، أو على الأقل، حظي بدعم أغلبية وازنة من الشعب وقواه وفصائله وشخصياته، فلا بد من العودة لضخ المزيد من "الدماء" و"السياسة" في عروق المنظمة، وتحويل عملية إعادة الهيكلة، إلى عملية بعث حقيقي "للمثل الشرعي الوحيد"... هنا لا تصبح هوية رئيس الحكومة الجديدة، مسألة بحاجة لكل هذا القدر من العناء والحوارات لكي ترى النور... هنا يمكن التوافق على أي شخصية "تكنوقراطية" أو "وطنية مستقلة، نظيفة اليد والقلب والسريرة والأجندة" لتتولى هذا المنصب.
لا حاجة بنا في الحكومة الجديدة، لوزير خارجية أبداً... هذا المنصب يجب أن يسحب إلى منظمة التحرير، وإلى لجنتها التنفيذية المنتخبة ديمقراطياً... لا حاجة للقوات والأجهزة الأمنية بالغة التعقيد والكلفة... المطلوب "قوات شرطية" أقرب إلى شرطة البلدية منها إلى "الجيش الوطني" أو "المخابرات العامة"... وظيفتها تنظيم حياة المواطنين ومنع الجريمة بأشكالها الجنائية المعروفة.
على المنظمة أن تستعيد ولايتها العامة على الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج... على المنظمة أن تفرض ولايتها على السلطة "المؤقتة" التي انبثقت من تحت إبطها، لأداء وظيفة انتقالية محددة، فإن تعثر أداء هذه الوظيفة أو تباطأ، فلتعد الأمور إلى نصابها.
مثل هذه المسألة كانت تصطدم من قبل، باهتراء مؤسسات المنظمة وتقادمها، وبكون معظم هذه المؤسسات ليست منتخبة... نحن مقبلون على وضع جديد، من المفترض أن يشهد عودة الروح والوعي للمنظمة وبها وبأدوارها ووضعيتها القانونية والتمثيلية.... نحن مقبلون على منظمة منتخبة من القاعدة إلى القمة، وفي مختلف الساحات التي سيتاح فيها للشعب الفلسطيني حقه في ممارسة الانتخاب بحرية... إذن، لا بد أن من تصحيح خلل تأخر الفلسطينيون في تصحيحه، لا بد من عودة الأمور إلى نصابها الصحيح.
أما موضوع رئاسة السلطة، فيمكن أن ينطبق عليه ما ينطبق على رئاسة حكومتها... ومن الضروري التفكير بفصل رئاسة السلطة عن رئاسة المنظمة، على أن الأمر بحاجة لنقاش أكثر عمقاً، فالمخاوف من اللعب على الرئاستين تظل واردة، والحذر من تنازع الرئاستين، يمكن أن يكون مفهوماً، وليس ثمة ما يمنع أن يتفق على دمج الترشيح للرئاستين، رئاسة السلطة والمنظمة، فيندمج المنصبان، ويصبح رئيس المنظمة والسلطة، شخصاً واحداً... هذا أمر له ما له وعليه ما عليه... لكن دون مستوى الرئاسة الأولى للسلطة، يجب أن تتحول كافة المؤسسات الفلسطينية إلى مؤسسات خدمية تنموية تعنى بدعم الصمود وتثبيت الأهل على الأرض... هذه أمور بحاجة لحوار وتوافق وطنيين، والأفضل أن نشرع في هذا الحوار من الآن، وقبل أن يحين موعد الاستحقاقات الانتخابية... يتعين مراجعة النظام السياسي الفلسطيني في مختلف حلقاته ومفاصله، قبل أن نشرع في فتح كل ملف على حدة.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن وحدة الشعب والأداة والقضية والنضال، هي قضية لا تتقدمها قضية أخرى على جدول أعمال الأجندة الوطنية الفلسطينية، وهذا يملي أن يكون أعضاء المجلس التشريعي، أعضاء بذواتهم وأشخاصهم، في المجلس الوطني الفلسطيني، لا حاجة لقائمتين و"انتخابين".. أما بقية حصة الداخل في المجلس الوطني (150– 132)، فيمكن أن تعطى لـ"ملء الفراغات" التي قد تنجم عن ضعف تمثيل النساء والأقليات والخبراء والفصائل التي تقاطع الانتخابات في الداخل.
يجب أن تتكرس دستورياً و"نظامياً" وحدة مؤسسات الشعب التي تكرس وحدة الشعب نفسه، لا أن نمعن في لعبة تقسيمه.. يجب أن تُسدّ بإحكام كل الشقوق والنوافذ التي يمكن أن تتسلل منها دعوات تقسيم الشعب إلى داخل وخارج، توطئة لنسيان الخارج وتكريس إهماله، وبحثاً عن حلول لحقه في العودة، خارج فلسفة حق العودة ومرجعيات القرار 194... يجب أن تسد كل الشقوق في وجه تسرب محاولات اختزال الشعب إلى "شعب الضفة والقطاع والقدس"، وأحياناً "شعب الضفة من دون القطاع والقدس"... هذه مقاربة خطيرة هناك من يعزف على أوتارها من جماعة "الحل بأي ثمن" و"على أي رقعة"، و"كيف ما كان يكون".
وحتى بفرض انتهاء السلطة أو انهيارها أو حلها، فإن وحدة التمثيل في إطار المنظمة، تظل قائمة وفاعلة... الأعضاء المنتخبون إلى المجلس التشريعي، هم أعضاء منتخبون إلى المجلس الوطني، ولا يغير في وضعيتهم بقاء السلطة أو انهيارها أو إعادة تعريف وظائفها ودورها وموقعها في النظام السياسي الفلسطيني.
قبل أن نشرع في وضع مشاريع القوانين وتقرير الكوتات والاتفاق على مواعيد الاستحقاقات الانتخابية، يجب الحسم في هذه المسائل، وهذا ما يتعين أن يكون مادة الحوار الوطني وموضوعه، بدل الغرق في الأسماء والمسميات والمواعيد والتفاصيل، فهل نفعل ذلك... هل نفعله قبل فوات الأوان؟.
صحيفة الدستور الأردنية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية