غزة تتهيأ لاجتياح إسرائيلي يقترب ... د. عدنان أبو عامر

السبت 11 يناير 2014

غزة تتهيأ لاجتياح إسرائيلي يقترب

د. عدنان أبو عامر

بات من المؤكد أن الجولة الحالية من المواجهة بين غزة وإسرائيل أصبحت من الماضي، لأن صناع القرار في الجانبين عملا على احتواء الموقف، والحيلولة دون تدهور الأوضاع على امتداد الحدود الشرقية الشمالية للقطاع.

ومن الواضح أن حماس وإسرائيل قررتا إنهاء التصعيد الأخير، ومحاصرته، تخوفا من جولة مواجهة غير محسوبة، وتفويت الفرصة لاستغلال الأحداث وتوسيع دائرة العنف، مع التهديد برد عسكري بصورة أقسى خلال أي خرق قادم للهدوء.

ولذلك تمت مطالبة المستوطنين بعدم الاقتراب من السياج الفاصل مع غزة لمسافة كيلومتر، وأغلقت عدة مناطق قريبة من القطاع.

توقيت المواجهة

تدرس قيادة هيئة أركان الجيش الإسرائيلي توجها نحو غزة يقضي بأنّ قواعد اللعبة تغيرت، بعد أن عادت لتعتمد أكثر على إسرائيل كوجهة اقتصادية عقب تدمير مصر للأنفاق الحدوديّة.

ولذلك جاء قرار إغلاق معبر "كرم أبو سالم" التجاري للضغط على حماس لتغير من نهجها الحالي، وتعود للالتزام بشروط التهدئة التي أعقبت الحرب الأخيرة، مما سيشكل أزمة حقيقية للفلسطينيين، بزعم أنّ هذه الخطوة ستشكل ضغطا اقتصاديا قويّا عليها، باعتبار أن خطوة إغلاق المعبر رسالة قوية لحماس لأنه سيستمر عدة أيام.

في ذات الوقت، فإن حماس وإسرائيل ليس لهما الآن مصلحة في فتح جبهة الجنوب، إلا إذا خلص أحدهما إلى استنتاج بأن إطلاق النار في الجنوب فرصة ذهبية لتأجيل رحلات "جون كيري" للمنطقة لأجل غير مسمى، بعد أن هاجت حدود غزة نسبيا في الأيام الأخيرة، ووجدت عدة محاولات لدفن شحنات ناسفة، وإطلاق نار من الجيش على واضعي الشحنات، ومتظاهرين اقتربوا من الجدار، وصاروخ قسام أُطلق على المستوطنات.

ومع ذلك، فإن القناعة السائدة في إسرائيل أن حماس لم تتخل حتى الآن عن الجهد للحفاظ على التهدئة، ففي كل مرة تظهر فيها فصائل مسلحة صغيرة علامات استقلال عنها تحاول حماس أن توقفها، وتقبل على نحو عام القواعد التي تمليها الحركة، وتطلق قذائف رجم حينما تدخل قوات الجيش منطقة الفصل في الجانب الشرقي من جدار غزة.

لكن نشاط الجيش الإسرائيلي في الجانب الفلسطيني من الجدار يرمي لإبعاد واضعي الشحنات الناسفة، ومنع التصعيد بسبب انفجارها، وهذه نقطة احتكاك معروفة وثابتة، رغم أنّ لكلا الطرفين مبررات تجعل من الصعب عليهما التورط في مواجهة عسكريّة جديدة.

وفي حين أن حماس تمر بضائقة اقتصادية بعد إغلاق الأنفاق على الحدود المصريّة، لكنها ترى أن هذا التوقيت ليس في صالحها، لأنّها ترغب بدخول المعركة القادمة، ويدها العليا بعد استكمال تعبئة مخزونها بالصواريخ بعيدة المدى، فيما إسرائيل تعاني من تجدد العمليّات في الضفة الغربيّة، وتعثر المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، واستنفار قواتها على الجبهة الشماليّة مع لبنان وسوريا.

ولذلك تعرب إسرائيل عن مخاوفها من المواجهة القادمة مع حماس، لأنّها آخذة في التطور، وستجد مشكلة في التأقلم معها مستقبلا، ولذلك عليها أن تأخذ في حساباتها حال اندلاع أي مواجهة عسكريّة احتماليّة أن تكشف الحركة عن قدرات قتالية غير مسبوقة كتوجيهها للضربات الدقيقة لمنطقة "غوش دان" الإستراتيجيّة وسط إسرائيل.

ورغم أن حماس لا يمكنها مجاراة الجيش الإسرائيلي، لكنها تستغل الوقت الحالي بفطنة وذكاء لتجاوز نقاط ضعفها، عبر الصواريخ بعيدة المدى، وعشرات الأنفاق الهجوميّة التي تمكنها من القيام بعمليات الخطف، إضافة لقيامها بتطوير الطائرات الصغيرة بدون طيار.

وبالتالي تكمن الصعوبة الحقيقية أمام إسرائيل في أنّ حماس تستغل الهدوء لتعجيل استعدادها للجولة التالية، فهي تحفر أنفاق هجوم، وتصنع وسائل طيران غير مشغلة بشريّا، وتُطيل مدى قذائفها الصاروخية، وكل تحرش عسكري منها يمنح الجيش الإسرائيلي فرصة للمس بهذه القدرات، ولذلك ليس من مصلحتها أن تمنحه فرصة لهدم البنيّة التحتيّة العسكريّة التي تبنيها، وكل ذلك قد يفضي لأن تخف جولة إطلاق النار الحاليّة رويدا رويدا.

استعداد الميدان

تصاعدت التهديدات الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة ضد قطاع غزة، ليس لتوجيه ضربة عسكرية خاطفة كما حصل في حرب نوفمبر/تشرين الثاني 2012، بل القيام باحتلاله بصورة كاملة، على لسان أكثر من مسؤول عسكري وسياسي إسرائيلي.
وقد تزايدت المخاوف في غزة عموما، وحماس خصوصا، بصورة متلاحقة بعد إعلان إسرائيل عن تدريبات عسكرية غير مسبوقة في مدينة عسقلان، تحاكي احتلال غزة، وقد تكثفت التهديدات الإعلامية والتحركات العسكرية ضد غزة بعد الكشف عن النفق الذي أعدته حماس قبل عدة أشهر.

حماس هذه المرة تأخذ تهديدات إسرائيل على محمل الجد، لاسيما وأن التصريحات الإعلامية الصادرة من تل أبيب تزامنت مع حراك عسكري متلاحق، سواء على الحدود مع غزة أو في المناورات الداخلية للجيش، وهو ما ترجم في تحذيرات لقادة كبار في الحركة من مغبة قيام إسرائيل بـ"مغامرة"، مهددة إياها بأنها ستندم لأنها ستجد مواجهة مختلفة عن سابقاتها عامي 2008، 2012، وهما الحربان اللتان شنتهما إسرائيل على غزة.

كما باتت القيادة السياسية لحماس تخشى هجوما إسرائيليا كبيرا قد يصل حد القضاء على حكمها في غزة، مرتبطا بدعم إقليمي ودولي، بالتزامن مع الإطاحة بالإخوان المسلمين في مصر، مما دفعها لاستنفار آلتها الإعلامية وأدواتها الدعائية للتحذير من أي هجوم إسرائيلي وشيك.

ولذلك بدأت حماس بإعداد خطة إعلامية دعائية ضد أي هجوم إسرائيلي محتمل على غزة تقوم على إدانة هذا التهديد، وتحميل إسرائيل مسؤولية تداعياته، وتكثيف الخطاب التعبوي لمواجهته، ورفع الروح المعنوية للفلسطينيين، والدعوة للوحدة الوطنية، والالتفاف حول خيار المقاومة المسلحة.

وعلى الصعيد الإداري، أعلنت الحكومة في غزة خطة ميدانية كاملة للتعامل مع أي حرب إسرائيلية، بعد استفادتها الجيدة من الحربين الأخيرتين، في الإبقاء على الحد الأدنى من أدائها الميداني مع المواطنين، كاشفة أنها جهزت خطتي طوارئ مدنية وأمنية للتعامل مع هجوم محتمل، وتم تشكيل "خلايا أزمة" لاستدراك الأمور، وعدم انهيار القطاعات الأساسية في حال بدأ الهجوم الإسرائيلي.

وتقوم الخطة على استمرارية عمل الحكومة ودورها، خاصة في منع الاحتكار ومتابعة الأمن الغذائي والصحي، وملاحقة أي توجه لبث الفوضى الداخلية من قبل عملاء إسرائيل، لإحداث قلاقل أمنية.

كما ترتكز خطة الطوارئ في غزة على مراعاة كل مراحل الهجوم الإسرائيلي المحتمل، وترتكز على تقوية الجبهة الداخلية، وتحصينها، وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وبعض الإجراءات الأمنية كتخفيف العناصر الشُرطية حول المراكز الأمنية خشية استهدافها من قبل الطيران، وتسريح بعض العناصر المنخرطين في دورات تدريبية حماية لهم.

فيما استعرضت كتائب القسام (جناح حماس العسكري) رأس الحربة أمام الجيش الإسرائيلي، أنواعا مختلفة من أسلحتها القتالية، بمشاركة أكثر من ثلاثين ألف مقاتل خرجوا لإحياء الذكرى السنوية الأولى للحرب الأخيرة.

فرضيات الهجوم

ترجيح خيار الاجتياح الإسرائيلي لغزة، يلزم بالضرورة الإشارة إلى افتقار قطاع غزة للعمق الإستراتيجي، لوقوعه ضمن مدى نيران المدفعية الإسرائيلية، وأشبه ما يكون بمدينة محاصرة، ويمكن إسقاطه عبر اقتحامه عسكريا، واحتلال مدنه، وتدمير القوى المدافعة عنه، أو الحصار وقطع مقومات الحياة لصمود المجتمع الفلسطيني، كالغذاء والدواء والطاقة، وأخيرا عبر الضغط العسكري والاستنزاف الميداني المتواصل.

ولذلك فإن التقدير السائد لدى حماس أن الحرب الإسرائيلية القادمة ستسعى لتحقيق عدد من الأهداف أهمها: القضاء على قيادتها السياسية، وتدمير قواعد إطلاق الصواريخ، ومخازن السلاح والذخيرة، والقضاء على ما يمكن من البنية العسكرية للحركة، وصولا لاحتلال المناطق الخالية من السكان خارج مدن قطاع غزة، لتدمير مراكز المقاومة، والضغط عسكريا على هذه التجمعات السكانية، مع التهديد بدخولها.

ولمواجهة الاجتياح الإسرائيلي المفترض، تجري كتائب القسام تدريبات يومية، لصد أي هجوم محتمل، لاسيما في المناطق المسماة "المحررات" وهي المستوطنات التي انسحبت منها إٍسرائيل عام 2005، خاصة جنوب ووسط وشمال قطاع غزة، في ضوء قناعات سائدة في غزة تفيد بأن أي اقتحام إسرائيلي محتمل سيركز على إمكانية تقسيم القطاع لثلاثة محاور: جنوبي ووسط وشمالي، وما يستلزمه ذلك من أساليب "حروب العصابات" من: قناصة، مقاتلين استشهاديين، صواريخ مضادة للدبابات، بيوت مفخخة، عبوات على الطرق، وجميعها تهدف لجباية ثمن باهظ من الإصابات داخل الجيش الإسرائيلي.

الخطورة في التصريحات الإسرائيلية والسلوك العسكري الأخير ضد حماس في غزة، ما تعتبره التحدي الحالي الذي يواجهه الجيش الكامن في كيفية تغيير أسلوب التفكير والعمل، فالقوات العسكرية موجهة للنظر دائما للأمام، وأنفاق حماس تفاجئهم من خلفهم، مما ستوجب كسر العادة بعدم القيام بنشاطات اعتيادية طوال الوقت تُمكِّن الطرف الآخر من رسم خططه على هذا الأساس، وهذا الأسلوب أثبت نجاعته أثناء عملية عامود السحاب.

وهنا تركز المواقف الإسرائيلية حول ما قالت إنها خطط لحماس للمس بقواتها الموجودة بالقرب من السياج الأمني، وخطف الجنود الإسرائيليين عبر الأنفاق، ولذلك فالقوات دائما على أهبة الاستعداد، ما يعني أن التهويل الإسرائيلي وصل ذروته في الآونة الأخيرة وهو يشير إلى أنّ حماس ستدخل المواجهة القادمة عندما تشعر بالجاهزية فقط، وليس قبل ذلك.

أخيرا.. فإن الهدوء الحالي في قطاع غزة من شأنه أن ينتهي في أية لحظة، لأنّ المعركة الأخيرة علمت حماس وإسرائيل أنهما لا تعلمان متى ستضطران للدخول في المعركة، ولذلك تم الإعلان بصورة مفاجئة أن فرقة غزة في قيادة المنطقة الجنوبية التابعة للجيش أجرت لأول مرة في تاريخها تدريبا شاملا بمشاركة سبعة ألوية، وعلى جدول أعمالها محاكاة حرب شوارع في غزة.

وإذا كانت إسرائيل تعتقد أن حماس في غزة مُنشغلة بالعِبر والدروس من الحرب الأخيرة، كي تفهم ما الذي أضر بخططها في المرة الماضية، وما الذي بإمكانها فعله لتجنب ذلك في المرة القادمة، فإنّها تجري تدريباتها، وتُطور وسائلها، وتستعد لساعة الصفر، لأنّ هذه لعبة عقول، وفيها يتعلم كل طرف ما الذي يدور في عقل الطرف الآخر، بما في ذلك من أخطاء، في ضوء تعهدها في الآونة الأخيرة بأنّها ستفاجئ العدو في المرة القادمة.

وإن سأل القارئ في نهاية المقال عن توقعات كاتب السطور المستقبلية للتطورات على جبهة غزة، فإن الجواب ببساطة "هنا غزة.. حيث الرمال المتحركة"!
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية