غزوة أبومازن!
عبداللطيف مهنا
عاد أبومازن، رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال، إلى مقر سلطتة في رام الله المحتلة، وهذه المرة عودته عند البعض ليست من جنس سابقاتها، فهي قد تلت غزوته المظفرة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، التي لم يسبقها من شكك في نتائجها المتوقعة. لقد انتزع في ساح الوغى الدولية هناك هدفاً أثيراً لديه وهو الاعتراف الأممي له بدولة مؤجلة، أو غير عضو فيها. وإذ عاد الغازي وفي جيبه نصره المؤزر هذا، فلسوف يواصل المطبلون تطبيلهم، وإن إلى حينٍ لن يطول، لهذا المنجز رمزياً، أو هذه الدولة المحتلة، أوالافتراضية المشكَّلة وجوداً وحدوداً في الهواء الدولى الطلق، والتي قد لايختلف أحد، فيما خلا أولئك المطبِّلين، حول سرعة تلاشي معناها وجدواها قبل أن تطأ قدما العائد بها أرض المقاطعة … هنا سيحاججنا المحاججون معتبرين أن هذا، الذي يدعونه نصراً دبلوماسياً تحقق في ساحة مايدعونه “الشرعية الدولية”، هو بمثابة انتزاعٍ لاعترافٍ منها بما يدعى أوسلوياً “حل الدولتين”، وإن اقل ماسيترتب عليه هو أنه بات في الإمكان من بعده ملاحقة جرائم الاحتلال والتمكن من شكوى مذلَّته أمام المحاكم الدولية.
بعد أن نُذكِّر هؤلاء بأن الاعتراف الأممي بمنظمة التحرير الفلسطينية، قبل أوسلو، وقبل العبث بميثاقها، أوحين كانت للتحرير لا للتمرير، كعضوٍ مراقبٍ في الأمم المتحدة كان حاصلاً، وإن من كانوا يعترفون بالمنظمة من أعضائها هم أكثر من المعترفين بالكيان الصهيوني، كما أنها كانت قد رحبت ب”إعلان الإستقلال” في الجزائر العام 1988، ثم إن قرار التقسيم سيء الذكر الصادر عنها قبل خمسةٍ وستين عاما، والذي تتصادف ذكراه مع يوم هذا الاعتراف، قد اعترف ضمناً بهذه الدولة … بعد هذا نقول، نعم، كان لابأس بمثل هذه الخطوة الرمزية لو أنها جاءت على أساس إستراتيجية مقاومة لامساومة، أي منسجمة مع انتصار غزة ومكمِّل له … ولولا أن أخطر مافيها أنه قد سبقتها التأكيدات الأسلوية تلو التأكيدات بأنها إنما شطحة تفاوضية القصد وتأتي في سياق ذات النهج، “المفاوضات حياة”! بمعنى أنه، وفي السياق الأوسلوي المتهافت تنازلياً إياه، سرعان ماسيأخذ منجزها الذي يتم التطبيل له وجهته الكارثية تصفوياً، حيث أن كل تنازل تفاوضي قادم، سيكون تنازل دولةٍ لدولةٍ. ثم إن هذه “الدولة” الافتراضية، ومعها مقولة “حل الدولتين”، قد تنازلت سلفاً، شأن أوسلو قبلها، وعبر هذا الاعتراف بها، عن ثمانين بالمائة من فلسطين، وسيقودها تفاوضها لاحقاً للتنازل فيما يخص ماتبقى من شذرات لم تهوَّد بعد من العشرين في المائة المتبقية كمتنازعٍ عليها. أما فيما يتعلق بمسألة إمكانية الشكاوي أمام “العدالة الدولية”، فعقود الصراع، ومن النكبة حتى البارحة، قد أثبتت أن مثل هذه الشكاوى، ولذات الجهة التي شرَّعت جريمة اغتصاب فلسطين وقوننتها، ولم تنصر حقاً أوتنصف ضعيفاً، لا في فلسطين ولا دنيا العرب، هى غير ذي جدوى، وحصيلتها معروفة ولا من حاجة لذكرها.
إن هذا المنجز الخادع، على رمزيته التي بيَّناها، ماهو إلا إعلان فاقع لفشل نهجٍ تسوويٍ تصفويٍ وصل طريقه المسدود بعد عشرين حولاً بالتمام الحقت عبثيته أفدح الضرر بالقضية ومزَّق تفريطه عرى الوحدة الوطنية، بل خطوة ليست في جوهرها سوى هروب تسووي إلى الأمام لا عودةً مفترضة عن هذا النهج الكارثي تفترضها دروس تجربته المريرة، أو يقتضيها درس انتصار غزة المقاومة. غزة التي قال وزير الحرب الجنرال باراك غداة حربه الفاشلة عليها، إننا “لن نتوقف إلا بعد أن تركع وتتضرع من أجل وقف إطلاق النار”، لكنها لم تركع ولم تتضرع، بل عدوها هو من تضرع موسِّطاً لإيقاف حربه عليها، وكان أول من ذهبت به هذه الحرب، إلى جانب أسباب أخرى لامجال لتعدادها، هو باراك نفسه الذي أعلن عن إزماعه اعتزال الحياة السياسية!
… والآن، مالذي ستحصده تفاوضياً دولة أبو مازن التفاوضية هذه؟! لاسيما وأن التجمع الاستعماري الاستيطاني في الكيان الصهيوني يعيش الآن أعلى مناسيب تطرفه منذ اختلاقه، ولدرجةٍ يخسر فيه حتى من هو مثل نتنياهو كل المقربين منه في انتخابات حزبه لصالح أعتى فاشييه من أمثال فيغلين، وجلعاد أردان، وداني دانون، وتصبح واحدة من مثل شيلي يحيموفيتش زعيمةً لحزب العمل الموصوف يسارياً، ناهيك عن أن ليبرمان سيغدو نائبه بعد اندماج حزبيهما المزمع استعداداً للانتخابات المزمعة؟!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية