فرساننا ,,, أديب وأحمد وعلاء ... ذكراكم نور تضيء لنا الطريق
هكذا هم فرسان كتائب الناصر ، يتسابقون إلي الشهادة ، يتسابقون إلي الدرجات العلا ، فبعد مشوار جهادي حافل بالعطاء والتضحيات تكون الشهادة في سبيل الله هي أسمى أمنية لكل مجاهد لامست أنامله السلاح وجاهد في سبيل الله ..واليوم نقف جمعيا ً لنودع القادة المجاهدين " علاء نصري الراعي وأديب حرب واحمد الخطيب " الذين استشهدوا اثر قصف المواقع الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في رفح وغزة والوسطى يوم 27/12/2008م في اليوم الأول للحرب على غزة ومعركة الفرقان .
بشراكم يا علاء واحمد وأديب يا من سرتم في طريق المؤمنين المجاهدين طريق ذات الشوكة ، فغدوتم إلي العلا في جهادكم دون أن تلتفتوا للوراء لكل الخونة المارقين ومضيتم مجاهدين في سبيل الله لا تبالوا بإرهاب أعداء الله والأمة "الصهاينة وعملاءهم" ، فكنتم حقاً القادة وكنتم دوماً الأسود في كل ميدان ، فهنيئاً لكم الشهادة ، كنتم دوماً تستعدون لها فتنهل من معين الإسلام الصافي ، لتشرب أرواحكم الطاهرة الزكية معالم بارزة للشخصية الإسلامية .
ميــلاد وحيــاة قــادة
ولد شهيدنا البطل علاء الراعي في المحافظة الوسطى " النصيرات , مخيم 1 " بتاريخ 10/9/1978م لأسرة محافظة مجاهدة وتربي شهيدنا البطل على حب الجهاد منذ الصغر , تلقى شهيدنا تعليمه في مدارس وكالة الغوث الدولية بالنصيرات وكان مثال الطالب المجتهد المحبوب وكذلك كان في حارته ويشهد جميع من عرفوه على أخلاقه الطيبة وحبه للجهاد والاستشهاد .
وتزوج شهيدنا من الفتاه " سمر عيد " عام 1996م وأنجب منها أربعة أطفال وهم " نصري , محمد , إبراهيم , حنان " والتحق شهدينا بالقوة التنفيذية حين تأسيسها فكان المجاهد الصلب , المطيع لأمرائه , المدافع عن الحق , وعمل بها بحماس قوى وبكل تضحية ووفاء .
وتربي علاء على حب الجهاد وعشق الشهادة، وكان رحمة الله علية سمح الملامح، كريم الخلق، بسّام الوجه، بار بوالديه، محبوب من جميع إخوانه وأصدقائه.
وعاش حياته القصيرة مجاهداً وعاشقاً للجنة وحورها العين، متمنياً أن يلتحق بالأنبياء والصديقين، محافظاً على صلاته بجماعة وفي أوقاتها ولا تفوته صلاة بالمسجد باستثناء عندما يكون بمهمات جهادية ، محافظا على قراءة القران الكريم باستمرار ,دائماً مرابطاً على تغور الوطن لا يخاف في الله لومه لائم ، محقاً للحق .
شهيدنا أديب حرب .. ولد وترعرع تحت سماء المدينة المعذبة. تعلقت روحه ببحر غزة الهائج,ما جعله بركانا يثور على أعداءه الغاصبين، وفي بيتٍ التزم باكراً نهج المقاومة، شحذ أديب قراره مذ كان يلعب في أزقة البلدة مع الرفاق، ورمى غده بسهمٍ أصاب لبّ الهدف، فالمكان الحقيقي الذي يبحث عنه هناك حيث يكون على تماس مباشر مع العدو الصهيوني..
رمق أديب حلمه بعين التمني في أن يكون مع أولئك الذين يخاف الخوف منهم.. ولكم حفظت عيناه مشاهدات غذت فيه الحماسة للالتحاق باكراً بصفوفهم؛ فذخر روحه بأولى الرصاصات؛ الصلاة.. فهو ابن المسجد الذي درج على ارتياده منذ الطفولة، وثابر على أداء الصلاة فيه حتى فريضة الصبح، انه مسجد التوحيد بمعسكر الشاطئ غرب مدينة غزة,فكان مواظبا لعمله في الشرطة الفلسطينية المقدامة إلى جانب قيادته للواء الشاطئ, فكان دربه خير درب دأب السير عليه كبار المجاهدين والعباد والناسكين, فذاب قلبه شوقا وتحرقا لنيل جنة عرضها السموات والأرض,فكان يحيي ليلة القدر بين إخوانه ورفاق دربه, يصوم تطوعا لله تعالى, يتصدق بماله لرعاية المحتاجين والفقراء دون أن يدرى أحدا, حتى بات الأمر مخصوصا بينه وبين ربه، إلى مواكب تشييع الشهداء، لم يكن كل ذلك مجرد مشاركات بقدر ما كانت سلوكاً في طريق؛ وخصوصاً أنه ابن بيئة تشربت تعاليمها من مدرسة النبي الأعظم وسار على درب العظماء, فكانت أحاديثهم نبراس الهداية وسبيل الرشاد. كانت أمه قد قررت أن تسميه "أديب" ليكون أديبا في حياته ومماته ويرحل رحيل الصامتين وقد ترك أثرا كبير في نفوس إخوانه وأحبته.
عاش عمره يقرأ انتصارات المقاومة. وكانت سنة ولادته تلت سنوات الانتصار في العام 1973 ,حيث انهزم العدو الصهيوني وانكفأ وتخلي عن قبضته الحديدية عن مصر العروبة
وإذا كان أديب لم يوفق لأن يكون من تلك أوائل المجاهدين الذين رحلوا عن هذه الدنيا، لكنه حفظ منها ما ساعده في حربه.. أديب الطفل الهادئ والخجول جداً الذي لم يخفف وعيه المبكر من شدة حيائه وكتمه للسر والصمت خير من الكلام العبثي، أبت الحياة الصعبة إلا أن تعلمه دروسها باكراً، فاكتشفت فيه الصلابة والصبر، وكان مبادراً في حمل الهمّ والتفكير في كيفية تأمين راحة العائلة.
شهيدنا أحمد الخطيب ... إنه هو من عانق صديق العمر وأخذه بين ذراعيه، ليطلقه ملاكاً( الشهيد عمر خليل) في سماء تل السلطان –برفح الصمود.. بلى، إن في جبهته السمراء دار أحد عشر كوكباً، وقمر في السماء التي عشق الجلوس أسفلها يعد نجومها ويتفكر في ألاء الله, عند كل تلٍّ، عند ارتعاشه الفجر، والليالي المدلهمة، في حرّ الصيف، وقارس الثلج، وحدهما عيناه كانتا كجناحي النّسر المحلّق دوماً أعلى القمم يحرسُ أرضه..
كان ذكره وسط إخوانه حميدا , لطيب سيرته وعمق ذكرهٌ في القلوب، كما الرصاصة في بيت نار بندقية المجاهدين. احمد رسم بعقله وقلبه دربا لإخوانه حتى يمضوا عليه امتثالا لقدوتهم الرسول , حتى نال الاستشهاد مقبلا غير مدبر.
إذاً، هي الشهادة. كانت معشوقته وأمله في هذه الدنيا التي نما عظمه وهو يستعد لها، ورآها في عمر الطفولة، عندما رشق العدو بحجارته، وعزف لحن السلاح على أوتار أصابعه عندما شبّ..
وفي منزل مخصوص بالنضال باكرا, وبيت يعتمره ويملأه الثقافة والتدين, الذي صبغ روحه بالتدين وهو لا يزالُ فتىً غريراً، فارتاد المسجد باكراً لينهل من معين العلماء، واتخذ من زواياه نقطة انطلاقه في دروب الحياة..فكان مسجدا النور والصالحين برفح يشهدا انطلاقة هذا الفتي اليافع.
تنقل احمد بين مدارس تل السلطان ليخرج منها متفوقا, في القسم العلمي, ليحمل هم أسرته لحمل الشهادة الكبرى, حتى درس في تخصص العلاج الطبيعي.خدمة لدينه ووطنه وإخوانه, والتحق في صفوف الشرطة الفلسطينية الشرعية برتبة ملازم ,وعمل فيها إلى حين أن اختاره شهيدا.
فقد بدأ آنذاك بالانخراط الحقيقي في صفوف المجاهدين، وكان رفيقه في الجهاد الشهيد عمر خليل, الذي سبقه في نيل الشهادة وحزن عليه كثيرا, فكانا قلما ما يفترقا, حتى اصطلحا عليهما لقب" التوأمان الحبيبان", لمدى تعلقهما ببعضهما البعض. وعندما افترقا أعلنها صراحة, هجرة إلى الله.
صفاتهـم وأخلاقهـم
بالشجاعة والإقدام وحب الموت في سبيل الله, وصف أهل شهيدنا علاء ابنهم مشيرين إلى انه كان يحب العمل في برمجة الجوالات دائما وحبه بالسلاح فكان طيب القلب , متسامحا , ضحوكا , خدوما , ودودا .
وتقول والدته لمراسلنا : كانت معاملته معنا معاملة حسنة وطيبة تخلو من المشاحنات فكان رحمه الله معتمد عليي حتى في تربية أطفاله وللعلم هو الابن الأكبر لي ...
كان شهيدنا البطل علاء مثالا للشجاعة والإقدام ويشهد له أهل الحي بالالتزام الديني حيث كان من رواد المساجد وتقول والدته : قبل استشهاده بعام تقريبا واضب علاء على حفظ القران الكريم وأصر على حفظه فكان كثير الحديث عن الشهادة والجنة والجهاد والاستشهاد ...
شهيدنا " أديب حرب " لم تضق به السبل، فانهي دراسته في التوجيهي لينتقل إلى العمل في أجهزة الأمن الفلسطينية, و لطالما استيقظ باكراً؛ حمل هم دينه وأمته على كاهله ويصنع بيديه مجدا لأمتنا. وكما مع أهله، كذا مع أبناء بلدته، كان أسرع من يبادر إلى المساعدة، فلا يكاد يسمع عن أحد يبني منزلاً، أو يقوم بعمل حتى يكون أديب عنده، يساعد في نقل الأحجار ورصفها، ونقل المعدات، والبسمة الخجولة تشرق على وجهه الغض الفتي، ولعل رحيل أمه وأبيه عن الدنيا قد أثرا بشكل كبير في تشكيله بنيته وحياته, لم يكن يترك والداه ليرهقا أنفسهما فهو كان يحتار كيف يساعدهما ويعينهما، حتى أن ملابسه لم يكن يقبل بأن تغسلها له أمه لشفقته عليها، بل هو من يقوم بغسلها.. تشرق الشمس على وجهه الحيي، وهو يعبر في أزقة البلدة حانياً رأسه خجلاً، يلقي السلام على الناس من دون أن يرفع عينيه عن الأرض، ويمضي تتبعه دعوات الناس ليحرسه الله لوالديه.
يصل إلى المنزل يقف بالقرب من زوجته في المطبخ، يداعب طفليه الصغيرين ويقبلهما ويحضنهما, دائما قبل أن يترك المنزل ويذهب إلى العمل, وكأنها قبلة وأحضان مودع, أما نهار الجمعة، فهو يوم تفقد الأقارب والرفاق والأحبة, ليتسامر معهم ويواصل معهم درب الجهاد والمقاومة، وقد واظب على صلة رحمه حتى آخر أسبوع من حياته.
كان مع ثلة من الرفاق لا تفترق إلا نادراً، اتسمت جمعتهم بالإيمان والمحبة، يلتقون في كل يوم، يسهرون و يتسامرون، ويخبرون بعضهم أحلام الغد.. الغد الذي اختاروه طريقاً للمقاومة منذ نداوة العمر.. ولم تكن الجلسات جميلة من دون أديب، فهو صاحب النكتة الحاضرة والروح المرحة.. وكما تشاركوا في التنقل بين درس في المسجد، وبين دورة عسكرية، ومن ثم إلى مناطق الرباط، فقد كانوا يقومون معاً بالرحلات البرية والبحرية.
شهيدنا احمد الخطيب ... بين رفاقه وأصدقائه عرف بدماثة أخلاقه , وطيب سريرته وصدقه مع إخوانه, كان لهم الأخ الكبير الحنون, يزرع في أفئدتهم الحب والإخاء ويسطر معهم أسمى معاني البطولة والفداء.
فكان يمشى معهم على الأرض التي يحب أن يمشى على جنباتها, يزرع عصفوراً من نارٍ هنا، وصقراً من فولاذ هناك، ويأنس بأصوات الوجع المنبعثة من العدو الصهيوني..
كان احمد ومن منطلق قيادته لإخوانه ميدانيا في رفح اليد والعقل والعين والرصاصة في الكثير من المواقف. آخى أجيالاً من المجاهدين. لم يعرفه أغلبهم إلا بعد ارتقائه شهيداً، لم يشارك يوماً في عملٍ وأخبر أحداً أنه القائد. لقد رفض أن يظهر، وأبى وضع أي درع أو وسام في منزله، وعاش عمره يفترش بِساط الطيبة والتواضع، ولم يرَ أحد في أي يوم من الأيام لمحة "الأنا" في عينيه. وكيف يكون كذلك من رافق الشهيد عمر خليل وتعاهدا على الشهادة وأسماء من الشهداء والجرحى المجاهدين لو أردنا كتابتها لنفد الحبرُ منّا؟! تميز بعلاقاته الواسعة مع بقية إخوانه من مجاهدي الفصائل الفلسطينية, وبقى كذلك حتى استشهاده.
لقد عاش عمره يتنقل من مكانٍ إلى آخر، وحافظ على أدق التفاصيل الأمنية في حياته. وقلة هم من عرفوه، لم يكن يفرط في ليلة من ليالي الرباط في سبيل الله, لم يمهله القدر حتى يتزوج وعيناه كانت منصبتان على الزواج من الحور العين.
إنه رفيق المجاهدين وأنيسهم، يتقاسم معهم خبزه وماله، ويحفظ ماء وجوههم، ويخدمهم بصمت وسرية، لأن أعظم الأعمال عنده هي صدقة السر. ولا يملُّ من إخبار القصص وضرب الأمثلة ليعظ ولا يؤذي، وكيفما تلفتَ يذكّرهم: "كونوا دعاة صامتين". لقد علّم من حوله كتم السرّ وكظم الغيظ، والتوكل المطلق على الله عز وجل..
رحلـة جهـاد ومقاومـة
انضم شهيدنا علاء إلى المقاومة في عام 2005م حيث عمل شهيدنا في جميع الوحدات التابعة لكتائب الناصر بالمنطقة الوسطى ولقد شارك شهيدنا البطل في التصدي للاجتياحات الصهيونية شرق البريج والمغازى وكان يرافق أخوانه في المرابطة على الثغور وزراعة العبوات الناسفة لمواجهة القوات الصهيونية التي تتوغل باستمرار في تلك المناطق حيث ارتأت قيادة لواء الوسطي لترقية الشهيد علاء الراعي حتى أصبح قائد الوحدة الصاروخية في المحافظة الوسطي .
لن تخلو مهمة جهادية لقصف مغتصبات العدو إلا وعلاء متواجد فيها حتى انه كان يجوب قطاع غزة بأكمله لإطلاق صواريخ الناصر فشمال القطاع يشهد له بذلك ...
علاء : أول من أطلق صاروخ " ناصر 4 " المطور
التقينا برفيق دربه القيادي أبو العبد وحدثنا عن شهيدنا علاء قائلا : شهيدنا علاء الراعي كان له الشرف بأنه أول من أطلق صاروخ الناصر 4 المطور على مغتصبة سيديروت واستمر في ذلك حتى قبل استشهاده بساعات قليلة .
ففي مساء يوم 26/12/2008م وقبل استشهاده بحوالي 14 ساعة جاءتنا إشارة بمهمة جهادية بقصف مغتصبة سيديروت بصواريخ الناصر 4 وذهبنا من النصيرات لشمال القطاع ووصلنا المكان ونحن هناك جاءت إشارة أخرى بضرورة الانسحاب من المكان وإنهاء المهمة فأصر شهيدنا علاء على أن يقصف مغتصبات العدو إلا أن الإشارة بإخلاء المكان كانت ضرورية وهذه كانت آخر مهمة يخرج بها شهيدنا .
شهيدنا المجاهد أديب حرب كان ينتظر بفارغ الصبر أن يلتحق بركب الشهداء, وخلال عمله العسكري أي قبيل استشهاده حمل بداخله مسؤولية هذا الشرف العظيم، فكان يلتفت إلى أصغر الأمور في شؤونه الدينية، وفي تعاطيه مع أهله والناس من حوله.
ويقول رفيق دربه القيادي " أبو ضحى", إن الشهيد المقدام أديب حرب, تتلمذ على يدي الشهيد القائد المؤسس أبو يوسف القوقا, منذ أن تأسست المقاومة الشعبية , وكان له الفضل في تأسس نواة لواء الشاطئ , وجمع حوله لفيف كبير من الشباب المتعطش للجهاد والمقاومة.
وكان لأديب أن خرج في عمليات ضرب صواريخ على المغتصبات الصهيونية المحاذية لقطاع غزة, ومع كل صاروخ يخرج كان يكتب توقيعه الأخير, ليرسله موتا زئاما على بنى صهيون.
وقد عكس في ذلك نموذجاً حياً لرجال المقاومة الأفذاذ.. وقد شارك اديب في العديد من المهمات الجهادية، والدورات العسكرية.. تميز يوسف بحماسة غريبة، فقد كان لا يكاد يطيق أن يجلس للحظات، وكأن الدنيا لا تسعه، فلا تمر لحظة من دون أن يقوم بأي عمل، وإن لم يجد بحث عما يقوم به.. فكان يأمل دوما ان يذهب لأداء مناسك الحج والعمرة في بلاد الحرمين.
وقبل استشهاده بأشهر قليلة , كان اديب حرب, يخرج كتيبة جديدة من الشبان المجاهدين, من خلال عدد من الدورات التدريبية التي كان هو مدربهم بها.في حين تقاعس جيوش الأمة عن نصرة شعبنا المكلوم.
وصار يردد أمام رفاقه بأنه يشعر بأن رحيله عن هذه الدنيا قريب جداً، وخائف على أولاده وزوجته من بعده, فأي خوف وهم في معية الله وحفظه.
شهيدنا احمد الخطيب .. التحق بالعمل الشرطي,لكي لا يبتعد عن العمل الميداني, ورفض ان يترك المكان الذي يجعله أقرب إلى الشهادة.. وكم تلظى قلبه الرقيق بفقد الأحبّة، وقد شرب من كأس الغربة بعد رحيل رفيق الفؤاد عمر خليل! فكان دائماً يغني له بحنو وشجى معاتباً..:"يا راحلين عن الحياة وساكنين بأضلعي هل تسمعون توجعي وتوجع الدنيا معي", وكان احمد مشرفا على دورة الشهيد المجاهد عمر خليل في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
لم تنل سنوات الجهاد من عضده فكان في المواقع المتقدمة, يخطط للعمليات العسكرية ويشارك فيها أيضا, ويزرع الرعب في نفوس أعداءه من خلال عمليات ضرب الصواريخ المكثفة على معبر كرم أبو سالم والمغتصبات الصهيونية المحاذية لقطاع غزة. حتى بات له في كل عمل بصمة. وما أجملها لحظات وأحبها إلى قلبه، خلال مشاركته بعمل جهادي أو مساندة لإخوانه يرفع ستارة الاحتلال بيديه.
وعاد الأسد إلى عرينه..فحياة اليتم التي عاشها وتعلم منها كافة المعاني الجميلة , جعلت منه رجلا صعبا صنديدا مقداما, دأب على أداء الصلاة في المسجد. وأصر دوماً على قيامه بالزيارات الاجتماعية.
ولأنه النموذج المؤمن المخلص، الرجل المنسجم مع خياراته، الواضح وضوح الشمس، تأثر به إخوته، وتعلموا منه الكثير..
يـــوم الشهادة
في اليوم الأول للعدوان الصهيوني الغادر على غزة يوم 27/12/2008 وفي تمام الساعة الحادي عشر والنصف ظهرا كان شهيدنا علاء الراعي في مقره " موقع أبو مدين " بالمحافظة الوسطي وكان هذا الموقع من ضمن المواقع التي استهدفت حينها والتي أدت لاستشهاد العشرات من أفراد الشرطة الفلسطينية فارتقى شهيدنا القائد المجاهد علاء الراعي " أبا نصري " متوضئا مستعدا لصلاه الظهر هو وكوكبة من الشهداء العِظام ...
شهيدنا اديب حرب ,, يقول احد رفاقه في حديث عن استشهاده ,,, أنهم اجتمعوا ليلة استشهاده , فما كان من اديب إلا أن قال انه يريد أن يرشح احد الإخوة للدخول في عقد المجلس العسكري للواء الشاطئ, وكأنه "رحمه الله" يودع أحبابه ورفاقه ...فكان أديب ينتظر التهدئة على أحر من الجمر أن تنتهي, حتى يواصل دربه نحو الجنة.
إلا أن القدر لم يمهله ان يقارع العدو في كل مكان ومنطقة يجتاحها, وفي قصة استشهاد اديب, قال رفاقه , انه في اليوم الأول للعدوان الصهيوني الغادر على غزة, يوم 27-12-2008م, كان اديب قد ذهب إلى مقر عمله في جهاز الشرطة بمقر العباس, وخلال وجوده بالمكتب كان الطيران الصهيوني قد دخل الأجواء ويحلق بكثافة, فما كان من قائد الكتيبة إلا أن يطلب من الشبان الذين تواجدوا بالمقر أن يخلوه فورا منعا لحدوث اي طارئ, وخرج اديب ورفاقه سريعا من المقر وإثناء خروجه قصف المقر بثلاثة صواريخ على الأقل, فكان الشبان يتصلون به لإخباره أن هناك عدد من الشبان عالقين ولا يستطيعوا الخروج منه, فما كان من اديب إلا انه ذهب سريعا لإخراج العالقين, حتى باغتت طائرة صهيونية الجميع بإطلاق عدد من الصواريخ مرة أخرى تجاه المقر , مما أدى إلى استشهاد اديب على الفور.. هاجر اديب إلى حيثُ تستكين الروح. فهو منذ أن شقَّ فجرُ الشباب أولى خيوطه في عمره، سرعان ما مهره بنقطة الخاتمة الحمراء.
كانت الحياة بكل رحابتها ضيقة على اديب، وفوهة البندقية أوسع من المدى أمام عينيه.فكان الجنة مطلب قائد لواء الشاطئ في كتائب الناصر صلاح الدين.
شهيدنا احمد الخطيب ,,, عاشق الشهادة لم يختصرها بحبّات الدّم، فالشهادة عنده: "... هي الجهاد، هي صلاة الليل، هي صلاة الفجر، هي الصلاة في أوقاتها، الشهادة هي عدم الغيبة والنميمة، وعدم الكذب، الشهادة هي احترام الأهل والناس"..
وكانت عيناه ترقبان حرب الفرقان بمزيد من الصبر والاحتساب, كي ينال مبتغاة وما سعى إليه طوال حياته وهي الشهادة في سبيل الله, و احمد يقسم على الله إلا يفني حياته إلا شهيدا مقبلا غير مدبرا.
في رفح، كانت النهاية, في يوم عرس الشهادة. كان احمد على موعد مع الشهادة , حيث باغت العدو الصهيوني مقر شرطة رفح ما أدى إلى استشهاد العشرات من أبناء الشرطة الفلسطينية وكان بينهم الشهيد المغوار احمد الخطيب. ولكنها سنّة المعارك، لا يترجل الفارس عن جواده إلا مخضباً بالنجيع..
اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها
" اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها " بهذه الكلمات استقبلتنا زوجة الشهيد علاء الراعي " أم نصري " ووالدته ووالده وأشقائه ... فكانت كلماتهم كلها دعاء واستغفار وثبات واحتساب وصبر وإيمان ...
فتحدثت زوجته بتلك الكلمات القليلة " اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها , رحمه الله عليه , اللهم نسال له خير الدنيا وخير الآخرة , وان تبدل له دارا خيرا من داره وزوجا خير منى وأهلا خيرا من أهله " ..
وتضيف والدته : " إنا لله وإنا إليه راجعون , اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها , اللهم نحسبه شهيدا ولا نزكى على الله احد , ونسألك له الفردوس وان تلحقنا به " ...
كرامــات شهدائنا
الشهيد القائد علاء الراعي ... يقول والده ووالدته كان علاء طيب الرائحة حين وداعه وكانت على وجهه ابتسامة شاهدها كل من ودعه وكل من كان في جنازته ...
الشهيد القائد اديب حرب ... يتحدث شقيقه أبو المؤمن عن كرامات رآها عدد من إخوان ورفاق اديب, في المنام, مثل أن الرؤية التي كان يتلو فيها القرءان ويقبل القرءان فيها مرارا وتكرارا, وأخرى, كان اديب, يجلس بين عدد من الأطفال يداعبهم ويلاعبهم ويقرأ عليهم القرآن فقد كان رؤيا صالحة بحق.
الشهيد القائد احمد الخطيب ... عندما حمله إخوانه على أكتافهم ووضعوه قرب مثواه، لم يكن متبقي من جسده سوى قدميه, ما يعيد للأذهان حادثة استشهاد رفيق دربه عمر خليل, الذي كان ينتقص من جسده لحظة دفنه قدميه, ليكملا احمد وعمر بعضهما البعض, كما كانا في الدنيا رفاق, في الجنة مترافقين.
رحمكم الله شهدائنا الأبطال وأسكنكم الفردوس الأعلى ... فلها جاهدتم وقاتلتم واستشهدتم ..... فهنيئا لكم ...
هكذا هم فرسان كتائب الناصر ، يتسابقون إلي الشهادة ، يتسابقون إلي الدرجات العلا ، فبعد مشوار جهادي حافل بالعطاء والتضحيات تكون الشهادة في سبيل الله هي أسمى أمنية لكل مجاهد لامست أنامله السلاح وجاهد في سبيل الله ..واليوم نقف جمعيا ً لنودع القادة المجاهدين " علاء نصري الراعي وأديب حرب واحمد الخطيب " الذين استشهدوا اثر قصف المواقع الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في رفح وغزة والوسطى يوم 27/12/2008م في اليوم الأول للحرب على غزة ومعركة الفرقان .
بشراكم يا علاء واحمد وأديب يا من سرتم في طريق المؤمنين المجاهدين طريق ذات الشوكة ، فغدوتم إلي العلا في جهادكم دون أن تلتفتوا للوراء لكل الخونة المارقين ومضيتم مجاهدين في سبيل الله لا تبالوا بإرهاب أعداء الله والأمة "الصهاينة وعملاءهم" ، فكنتم حقاً القادة وكنتم دوماً الأسود في كل ميدان ، فهنيئاً لكم الشهادة ، كنتم دوماً تستعدون لها فتنهل من معين الإسلام الصافي ، لتشرب أرواحكم الطاهرة الزكية معالم بارزة للشخصية الإسلامية .
ميــلاد وحيــاة قــادة
ولد شهيدنا البطل علاء الراعي في المحافظة الوسطى " النصيرات , مخيم 1 " بتاريخ 10/9/1978م لأسرة محافظة مجاهدة وتربي شهيدنا البطل على حب الجهاد منذ الصغر , تلقى شهيدنا تعليمه في مدارس وكالة الغوث الدولية بالنصيرات وكان مثال الطالب المجتهد المحبوب وكذلك كان في حارته ويشهد جميع من عرفوه على أخلاقه الطيبة وحبه للجهاد والاستشهاد .
وتزوج شهيدنا من الفتاه " سمر عيد " عام 1996م وأنجب منها أربعة أطفال وهم " نصري , محمد , إبراهيم , حنان " والتحق شهدينا بالقوة التنفيذية حين تأسيسها فكان المجاهد الصلب , المطيع لأمرائه , المدافع عن الحق , وعمل بها بحماس قوى وبكل تضحية ووفاء .
وتربي علاء على حب الجهاد وعشق الشهادة، وكان رحمة الله علية سمح الملامح، كريم الخلق، بسّام الوجه، بار بوالديه، محبوب من جميع إخوانه وأصدقائه.
وعاش حياته القصيرة مجاهداً وعاشقاً للجنة وحورها العين، متمنياً أن يلتحق بالأنبياء والصديقين، محافظاً على صلاته بجماعة وفي أوقاتها ولا تفوته صلاة بالمسجد باستثناء عندما يكون بمهمات جهادية ، محافظا على قراءة القران الكريم باستمرار ,دائماً مرابطاً على تغور الوطن لا يخاف في الله لومه لائم ، محقاً للحق .
شهيدنا أديب حرب .. ولد وترعرع تحت سماء المدينة المعذبة. تعلقت روحه ببحر غزة الهائج,ما جعله بركانا يثور على أعداءه الغاصبين، وفي بيتٍ التزم باكراً نهج المقاومة، شحذ أديب قراره مذ كان يلعب في أزقة البلدة مع الرفاق، ورمى غده بسهمٍ أصاب لبّ الهدف، فالمكان الحقيقي الذي يبحث عنه هناك حيث يكون على تماس مباشر مع العدو الصهيوني..
رمق أديب حلمه بعين التمني في أن يكون مع أولئك الذين يخاف الخوف منهم.. ولكم حفظت عيناه مشاهدات غذت فيه الحماسة للالتحاق باكراً بصفوفهم؛ فذخر روحه بأولى الرصاصات؛ الصلاة.. فهو ابن المسجد الذي درج على ارتياده منذ الطفولة، وثابر على أداء الصلاة فيه حتى فريضة الصبح، انه مسجد التوحيد بمعسكر الشاطئ غرب مدينة غزة,فكان مواظبا لعمله في الشرطة الفلسطينية المقدامة إلى جانب قيادته للواء الشاطئ, فكان دربه خير درب دأب السير عليه كبار المجاهدين والعباد والناسكين, فذاب قلبه شوقا وتحرقا لنيل جنة عرضها السموات والأرض,فكان يحيي ليلة القدر بين إخوانه ورفاق دربه, يصوم تطوعا لله تعالى, يتصدق بماله لرعاية المحتاجين والفقراء دون أن يدرى أحدا, حتى بات الأمر مخصوصا بينه وبين ربه، إلى مواكب تشييع الشهداء، لم يكن كل ذلك مجرد مشاركات بقدر ما كانت سلوكاً في طريق؛ وخصوصاً أنه ابن بيئة تشربت تعاليمها من مدرسة النبي الأعظم وسار على درب العظماء, فكانت أحاديثهم نبراس الهداية وسبيل الرشاد. كانت أمه قد قررت أن تسميه "أديب" ليكون أديبا في حياته ومماته ويرحل رحيل الصامتين وقد ترك أثرا كبير في نفوس إخوانه وأحبته.
عاش عمره يقرأ انتصارات المقاومة. وكانت سنة ولادته تلت سنوات الانتصار في العام 1973 ,حيث انهزم العدو الصهيوني وانكفأ وتخلي عن قبضته الحديدية عن مصر العروبة
وإذا كان أديب لم يوفق لأن يكون من تلك أوائل المجاهدين الذين رحلوا عن هذه الدنيا، لكنه حفظ منها ما ساعده في حربه.. أديب الطفل الهادئ والخجول جداً الذي لم يخفف وعيه المبكر من شدة حيائه وكتمه للسر والصمت خير من الكلام العبثي، أبت الحياة الصعبة إلا أن تعلمه دروسها باكراً، فاكتشفت فيه الصلابة والصبر، وكان مبادراً في حمل الهمّ والتفكير في كيفية تأمين راحة العائلة.
شهيدنا أحمد الخطيب ... إنه هو من عانق صديق العمر وأخذه بين ذراعيه، ليطلقه ملاكاً( الشهيد عمر خليل) في سماء تل السلطان –برفح الصمود.. بلى، إن في جبهته السمراء دار أحد عشر كوكباً، وقمر في السماء التي عشق الجلوس أسفلها يعد نجومها ويتفكر في ألاء الله, عند كل تلٍّ، عند ارتعاشه الفجر، والليالي المدلهمة، في حرّ الصيف، وقارس الثلج، وحدهما عيناه كانتا كجناحي النّسر المحلّق دوماً أعلى القمم يحرسُ أرضه..
كان ذكره وسط إخوانه حميدا , لطيب سيرته وعمق ذكرهٌ في القلوب، كما الرصاصة في بيت نار بندقية المجاهدين. احمد رسم بعقله وقلبه دربا لإخوانه حتى يمضوا عليه امتثالا لقدوتهم الرسول , حتى نال الاستشهاد مقبلا غير مدبر.
إذاً، هي الشهادة. كانت معشوقته وأمله في هذه الدنيا التي نما عظمه وهو يستعد لها، ورآها في عمر الطفولة، عندما رشق العدو بحجارته، وعزف لحن السلاح على أوتار أصابعه عندما شبّ..
وفي منزل مخصوص بالنضال باكرا, وبيت يعتمره ويملأه الثقافة والتدين, الذي صبغ روحه بالتدين وهو لا يزالُ فتىً غريراً، فارتاد المسجد باكراً لينهل من معين العلماء، واتخذ من زواياه نقطة انطلاقه في دروب الحياة..فكان مسجدا النور والصالحين برفح يشهدا انطلاقة هذا الفتي اليافع.
تنقل احمد بين مدارس تل السلطان ليخرج منها متفوقا, في القسم العلمي, ليحمل هم أسرته لحمل الشهادة الكبرى, حتى درس في تخصص العلاج الطبيعي.خدمة لدينه ووطنه وإخوانه, والتحق في صفوف الشرطة الفلسطينية الشرعية برتبة ملازم ,وعمل فيها إلى حين أن اختاره شهيدا.
فقد بدأ آنذاك بالانخراط الحقيقي في صفوف المجاهدين، وكان رفيقه في الجهاد الشهيد عمر خليل, الذي سبقه في نيل الشهادة وحزن عليه كثيرا, فكانا قلما ما يفترقا, حتى اصطلحا عليهما لقب" التوأمان الحبيبان", لمدى تعلقهما ببعضهما البعض. وعندما افترقا أعلنها صراحة, هجرة إلى الله.
صفاتهـم وأخلاقهـم
بالشجاعة والإقدام وحب الموت في سبيل الله, وصف أهل شهيدنا علاء ابنهم مشيرين إلى انه كان يحب العمل في برمجة الجوالات دائما وحبه بالسلاح فكان طيب القلب , متسامحا , ضحوكا , خدوما , ودودا .
وتقول والدته لمراسلنا : كانت معاملته معنا معاملة حسنة وطيبة تخلو من المشاحنات فكان رحمه الله معتمد عليي حتى في تربية أطفاله وللعلم هو الابن الأكبر لي ...
كان شهيدنا البطل علاء مثالا للشجاعة والإقدام ويشهد له أهل الحي بالالتزام الديني حيث كان من رواد المساجد وتقول والدته : قبل استشهاده بعام تقريبا واضب علاء على حفظ القران الكريم وأصر على حفظه فكان كثير الحديث عن الشهادة والجنة والجهاد والاستشهاد ...
شهيدنا " أديب حرب " لم تضق به السبل، فانهي دراسته في التوجيهي لينتقل إلى العمل في أجهزة الأمن الفلسطينية, و لطالما استيقظ باكراً؛ حمل هم دينه وأمته على كاهله ويصنع بيديه مجدا لأمتنا. وكما مع أهله، كذا مع أبناء بلدته، كان أسرع من يبادر إلى المساعدة، فلا يكاد يسمع عن أحد يبني منزلاً، أو يقوم بعمل حتى يكون أديب عنده، يساعد في نقل الأحجار ورصفها، ونقل المعدات، والبسمة الخجولة تشرق على وجهه الغض الفتي، ولعل رحيل أمه وأبيه عن الدنيا قد أثرا بشكل كبير في تشكيله بنيته وحياته, لم يكن يترك والداه ليرهقا أنفسهما فهو كان يحتار كيف يساعدهما ويعينهما، حتى أن ملابسه لم يكن يقبل بأن تغسلها له أمه لشفقته عليها، بل هو من يقوم بغسلها.. تشرق الشمس على وجهه الحيي، وهو يعبر في أزقة البلدة حانياً رأسه خجلاً، يلقي السلام على الناس من دون أن يرفع عينيه عن الأرض، ويمضي تتبعه دعوات الناس ليحرسه الله لوالديه.
يصل إلى المنزل يقف بالقرب من زوجته في المطبخ، يداعب طفليه الصغيرين ويقبلهما ويحضنهما, دائما قبل أن يترك المنزل ويذهب إلى العمل, وكأنها قبلة وأحضان مودع, أما نهار الجمعة، فهو يوم تفقد الأقارب والرفاق والأحبة, ليتسامر معهم ويواصل معهم درب الجهاد والمقاومة، وقد واظب على صلة رحمه حتى آخر أسبوع من حياته.
كان مع ثلة من الرفاق لا تفترق إلا نادراً، اتسمت جمعتهم بالإيمان والمحبة، يلتقون في كل يوم، يسهرون و يتسامرون، ويخبرون بعضهم أحلام الغد.. الغد الذي اختاروه طريقاً للمقاومة منذ نداوة العمر.. ولم تكن الجلسات جميلة من دون أديب، فهو صاحب النكتة الحاضرة والروح المرحة.. وكما تشاركوا في التنقل بين درس في المسجد، وبين دورة عسكرية، ومن ثم إلى مناطق الرباط، فقد كانوا يقومون معاً بالرحلات البرية والبحرية.
شهيدنا احمد الخطيب ... بين رفاقه وأصدقائه عرف بدماثة أخلاقه , وطيب سريرته وصدقه مع إخوانه, كان لهم الأخ الكبير الحنون, يزرع في أفئدتهم الحب والإخاء ويسطر معهم أسمى معاني البطولة والفداء.
فكان يمشى معهم على الأرض التي يحب أن يمشى على جنباتها, يزرع عصفوراً من نارٍ هنا، وصقراً من فولاذ هناك، ويأنس بأصوات الوجع المنبعثة من العدو الصهيوني..
كان احمد ومن منطلق قيادته لإخوانه ميدانيا في رفح اليد والعقل والعين والرصاصة في الكثير من المواقف. آخى أجيالاً من المجاهدين. لم يعرفه أغلبهم إلا بعد ارتقائه شهيداً، لم يشارك يوماً في عملٍ وأخبر أحداً أنه القائد. لقد رفض أن يظهر، وأبى وضع أي درع أو وسام في منزله، وعاش عمره يفترش بِساط الطيبة والتواضع، ولم يرَ أحد في أي يوم من الأيام لمحة "الأنا" في عينيه. وكيف يكون كذلك من رافق الشهيد عمر خليل وتعاهدا على الشهادة وأسماء من الشهداء والجرحى المجاهدين لو أردنا كتابتها لنفد الحبرُ منّا؟! تميز بعلاقاته الواسعة مع بقية إخوانه من مجاهدي الفصائل الفلسطينية, وبقى كذلك حتى استشهاده.
لقد عاش عمره يتنقل من مكانٍ إلى آخر، وحافظ على أدق التفاصيل الأمنية في حياته. وقلة هم من عرفوه، لم يكن يفرط في ليلة من ليالي الرباط في سبيل الله, لم يمهله القدر حتى يتزوج وعيناه كانت منصبتان على الزواج من الحور العين.
إنه رفيق المجاهدين وأنيسهم، يتقاسم معهم خبزه وماله، ويحفظ ماء وجوههم، ويخدمهم بصمت وسرية، لأن أعظم الأعمال عنده هي صدقة السر. ولا يملُّ من إخبار القصص وضرب الأمثلة ليعظ ولا يؤذي، وكيفما تلفتَ يذكّرهم: "كونوا دعاة صامتين". لقد علّم من حوله كتم السرّ وكظم الغيظ، والتوكل المطلق على الله عز وجل..
رحلـة جهـاد ومقاومـة
انضم شهيدنا علاء إلى المقاومة في عام 2005م حيث عمل شهيدنا في جميع الوحدات التابعة لكتائب الناصر بالمنطقة الوسطى ولقد شارك شهيدنا البطل في التصدي للاجتياحات الصهيونية شرق البريج والمغازى وكان يرافق أخوانه في المرابطة على الثغور وزراعة العبوات الناسفة لمواجهة القوات الصهيونية التي تتوغل باستمرار في تلك المناطق حيث ارتأت قيادة لواء الوسطي لترقية الشهيد علاء الراعي حتى أصبح قائد الوحدة الصاروخية في المحافظة الوسطي .
لن تخلو مهمة جهادية لقصف مغتصبات العدو إلا وعلاء متواجد فيها حتى انه كان يجوب قطاع غزة بأكمله لإطلاق صواريخ الناصر فشمال القطاع يشهد له بذلك ...
علاء : أول من أطلق صاروخ " ناصر 4 " المطور
التقينا برفيق دربه القيادي أبو العبد وحدثنا عن شهيدنا علاء قائلا : شهيدنا علاء الراعي كان له الشرف بأنه أول من أطلق صاروخ الناصر 4 المطور على مغتصبة سيديروت واستمر في ذلك حتى قبل استشهاده بساعات قليلة .
ففي مساء يوم 26/12/2008م وقبل استشهاده بحوالي 14 ساعة جاءتنا إشارة بمهمة جهادية بقصف مغتصبة سيديروت بصواريخ الناصر 4 وذهبنا من النصيرات لشمال القطاع ووصلنا المكان ونحن هناك جاءت إشارة أخرى بضرورة الانسحاب من المكان وإنهاء المهمة فأصر شهيدنا علاء على أن يقصف مغتصبات العدو إلا أن الإشارة بإخلاء المكان كانت ضرورية وهذه كانت آخر مهمة يخرج بها شهيدنا .
شهيدنا المجاهد أديب حرب كان ينتظر بفارغ الصبر أن يلتحق بركب الشهداء, وخلال عمله العسكري أي قبيل استشهاده حمل بداخله مسؤولية هذا الشرف العظيم، فكان يلتفت إلى أصغر الأمور في شؤونه الدينية، وفي تعاطيه مع أهله والناس من حوله.
ويقول رفيق دربه القيادي " أبو ضحى", إن الشهيد المقدام أديب حرب, تتلمذ على يدي الشهيد القائد المؤسس أبو يوسف القوقا, منذ أن تأسست المقاومة الشعبية , وكان له الفضل في تأسس نواة لواء الشاطئ , وجمع حوله لفيف كبير من الشباب المتعطش للجهاد والمقاومة.
وكان لأديب أن خرج في عمليات ضرب صواريخ على المغتصبات الصهيونية المحاذية لقطاع غزة, ومع كل صاروخ يخرج كان يكتب توقيعه الأخير, ليرسله موتا زئاما على بنى صهيون.
وقد عكس في ذلك نموذجاً حياً لرجال المقاومة الأفذاذ.. وقد شارك اديب في العديد من المهمات الجهادية، والدورات العسكرية.. تميز يوسف بحماسة غريبة، فقد كان لا يكاد يطيق أن يجلس للحظات، وكأن الدنيا لا تسعه، فلا تمر لحظة من دون أن يقوم بأي عمل، وإن لم يجد بحث عما يقوم به.. فكان يأمل دوما ان يذهب لأداء مناسك الحج والعمرة في بلاد الحرمين.
وقبل استشهاده بأشهر قليلة , كان اديب حرب, يخرج كتيبة جديدة من الشبان المجاهدين, من خلال عدد من الدورات التدريبية التي كان هو مدربهم بها.في حين تقاعس جيوش الأمة عن نصرة شعبنا المكلوم.
وصار يردد أمام رفاقه بأنه يشعر بأن رحيله عن هذه الدنيا قريب جداً، وخائف على أولاده وزوجته من بعده, فأي خوف وهم في معية الله وحفظه.
شهيدنا احمد الخطيب .. التحق بالعمل الشرطي,لكي لا يبتعد عن العمل الميداني, ورفض ان يترك المكان الذي يجعله أقرب إلى الشهادة.. وكم تلظى قلبه الرقيق بفقد الأحبّة، وقد شرب من كأس الغربة بعد رحيل رفيق الفؤاد عمر خليل! فكان دائماً يغني له بحنو وشجى معاتباً..:"يا راحلين عن الحياة وساكنين بأضلعي هل تسمعون توجعي وتوجع الدنيا معي", وكان احمد مشرفا على دورة الشهيد المجاهد عمر خليل في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
لم تنل سنوات الجهاد من عضده فكان في المواقع المتقدمة, يخطط للعمليات العسكرية ويشارك فيها أيضا, ويزرع الرعب في نفوس أعداءه من خلال عمليات ضرب الصواريخ المكثفة على معبر كرم أبو سالم والمغتصبات الصهيونية المحاذية لقطاع غزة. حتى بات له في كل عمل بصمة. وما أجملها لحظات وأحبها إلى قلبه، خلال مشاركته بعمل جهادي أو مساندة لإخوانه يرفع ستارة الاحتلال بيديه.
وعاد الأسد إلى عرينه..فحياة اليتم التي عاشها وتعلم منها كافة المعاني الجميلة , جعلت منه رجلا صعبا صنديدا مقداما, دأب على أداء الصلاة في المسجد. وأصر دوماً على قيامه بالزيارات الاجتماعية.
ولأنه النموذج المؤمن المخلص، الرجل المنسجم مع خياراته، الواضح وضوح الشمس، تأثر به إخوته، وتعلموا منه الكثير..
يـــوم الشهادة
في اليوم الأول للعدوان الصهيوني الغادر على غزة يوم 27/12/2008 وفي تمام الساعة الحادي عشر والنصف ظهرا كان شهيدنا علاء الراعي في مقره " موقع أبو مدين " بالمحافظة الوسطي وكان هذا الموقع من ضمن المواقع التي استهدفت حينها والتي أدت لاستشهاد العشرات من أفراد الشرطة الفلسطينية فارتقى شهيدنا القائد المجاهد علاء الراعي " أبا نصري " متوضئا مستعدا لصلاه الظهر هو وكوكبة من الشهداء العِظام ...
شهيدنا اديب حرب ,, يقول احد رفاقه في حديث عن استشهاده ,,, أنهم اجتمعوا ليلة استشهاده , فما كان من اديب إلا أن قال انه يريد أن يرشح احد الإخوة للدخول في عقد المجلس العسكري للواء الشاطئ, وكأنه "رحمه الله" يودع أحبابه ورفاقه ...فكان أديب ينتظر التهدئة على أحر من الجمر أن تنتهي, حتى يواصل دربه نحو الجنة.
إلا أن القدر لم يمهله ان يقارع العدو في كل مكان ومنطقة يجتاحها, وفي قصة استشهاد اديب, قال رفاقه , انه في اليوم الأول للعدوان الصهيوني الغادر على غزة, يوم 27-12-2008م, كان اديب قد ذهب إلى مقر عمله في جهاز الشرطة بمقر العباس, وخلال وجوده بالمكتب كان الطيران الصهيوني قد دخل الأجواء ويحلق بكثافة, فما كان من قائد الكتيبة إلا أن يطلب من الشبان الذين تواجدوا بالمقر أن يخلوه فورا منعا لحدوث اي طارئ, وخرج اديب ورفاقه سريعا من المقر وإثناء خروجه قصف المقر بثلاثة صواريخ على الأقل, فكان الشبان يتصلون به لإخباره أن هناك عدد من الشبان عالقين ولا يستطيعوا الخروج منه, فما كان من اديب إلا انه ذهب سريعا لإخراج العالقين, حتى باغتت طائرة صهيونية الجميع بإطلاق عدد من الصواريخ مرة أخرى تجاه المقر , مما أدى إلى استشهاد اديب على الفور.. هاجر اديب إلى حيثُ تستكين الروح. فهو منذ أن شقَّ فجرُ الشباب أولى خيوطه في عمره، سرعان ما مهره بنقطة الخاتمة الحمراء.
كانت الحياة بكل رحابتها ضيقة على اديب، وفوهة البندقية أوسع من المدى أمام عينيه.فكان الجنة مطلب قائد لواء الشاطئ في كتائب الناصر صلاح الدين.
شهيدنا احمد الخطيب ,,, عاشق الشهادة لم يختصرها بحبّات الدّم، فالشهادة عنده: "... هي الجهاد، هي صلاة الليل، هي صلاة الفجر، هي الصلاة في أوقاتها، الشهادة هي عدم الغيبة والنميمة، وعدم الكذب، الشهادة هي احترام الأهل والناس"..
وكانت عيناه ترقبان حرب الفرقان بمزيد من الصبر والاحتساب, كي ينال مبتغاة وما سعى إليه طوال حياته وهي الشهادة في سبيل الله, و احمد يقسم على الله إلا يفني حياته إلا شهيدا مقبلا غير مدبرا.
في رفح، كانت النهاية, في يوم عرس الشهادة. كان احمد على موعد مع الشهادة , حيث باغت العدو الصهيوني مقر شرطة رفح ما أدى إلى استشهاد العشرات من أبناء الشرطة الفلسطينية وكان بينهم الشهيد المغوار احمد الخطيب. ولكنها سنّة المعارك، لا يترجل الفارس عن جواده إلا مخضباً بالنجيع..
اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها
" اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها " بهذه الكلمات استقبلتنا زوجة الشهيد علاء الراعي " أم نصري " ووالدته ووالده وأشقائه ... فكانت كلماتهم كلها دعاء واستغفار وثبات واحتساب وصبر وإيمان ...
فتحدثت زوجته بتلك الكلمات القليلة " اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها , رحمه الله عليه , اللهم نسال له خير الدنيا وخير الآخرة , وان تبدل له دارا خيرا من داره وزوجا خير منى وأهلا خيرا من أهله " ..
وتضيف والدته : " إنا لله وإنا إليه راجعون , اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها , اللهم نحسبه شهيدا ولا نزكى على الله احد , ونسألك له الفردوس وان تلحقنا به " ...
كرامــات شهدائنا
الشهيد القائد علاء الراعي ... يقول والده ووالدته كان علاء طيب الرائحة حين وداعه وكانت على وجهه ابتسامة شاهدها كل من ودعه وكل من كان في جنازته ...
الشهيد القائد اديب حرب ... يتحدث شقيقه أبو المؤمن عن كرامات رآها عدد من إخوان ورفاق اديب, في المنام, مثل أن الرؤية التي كان يتلو فيها القرءان ويقبل القرءان فيها مرارا وتكرارا, وأخرى, كان اديب, يجلس بين عدد من الأطفال يداعبهم ويلاعبهم ويقرأ عليهم القرآن فقد كان رؤيا صالحة بحق.
الشهيد القائد احمد الخطيب ... عندما حمله إخوانه على أكتافهم ووضعوه قرب مثواه، لم يكن متبقي من جسده سوى قدميه, ما يعيد للأذهان حادثة استشهاد رفيق دربه عمر خليل, الذي كان ينتقص من جسده لحظة دفنه قدميه, ليكملا احمد وعمر بعضهما البعض, كما كانا في الدنيا رفاق, في الجنة مترافقين.
رحمكم الله شهدائنا الأبطال وأسكنكم الفردوس الأعلى ... فلها جاهدتم وقاتلتم واستشهدتم ..... فهنيئا لكم ...
المكتب الإعلامي
حركة المقاومة الشعبية
حركة المقاومة الشعبية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية