فلسطين وأوروبا.. وظاهرة ما بعد التضامن
حسام شاكر
شهد تأييد قضية فلسطين في البيئة الأوروبية، تحوّلات متعددة منذ مطلع القرن العشرين. فبعد اندلاع "انتفاضة الأقصى" التي استغرقت عدّة أعوام، وتخللتها سلسلة من الأحداث التي لفتت الأنظار، برزت سلسلة من التطوّرات والتفاعلات في مشهد تأييد الحقوق الفلسطينية.
لم تعد فكرة التعاطف، أو حتى التضامن التقليدية، دقيقة منذ ذلك الحين في تعبيرها عن مشهد تأييد القضية الفلسطينية في أوروبا، فقد تمّ عملياً تجاوز مفهوم التضامن مع قضية فلسطين إلى مفهوم تبنِّي قضية فلسطين وحملها مباشرة، وصولاً إلى تطوير آليّات عمل جديدة وفعّالة تعبيراً عن ذلك.
يتأسّس مفهوم التبنِّي على إدراك الانتهاك القيمي الجسيم المترتب على الاحتلال الإسرائيلي بما يجعل التصدِّي له مسؤولية إنسانية مشتركة، فالناس بهذا المعنى تقف مع أنفسها وليس مع فلسطين فقط. وهكذا نشأت بواعث المبادرة بالتحرّك والتشكّل والتكتّل حتى دون الارتباط بتحفيز فلسطيني مباشر أو غير مباشر إن تطلّب الأمر.
لقد برزت في هذا السياق ظاهرة التخصص في الأداء الجماهيري الأوروبي الداعم لقضية فلسطين، حتى نشأت جماعات القضية الفرعية الواحدة ضمن ملفات القضية الفلسطينية، وقد أعان ذلك على تجاوز الافتراق بين الأطياف الأيديولوجية الأوروبية إلى العمل التخصصي المشترك في ملف بعينه، كما انتقل الأداء من التركيز على إبراز التعاطف التقليدي إلى برامج العمل المبادِرة والضاغطة التي تسعى للانتقال إلى خطوط الميدان الأولى، ولو بشكل رمزي.
وقد تطوّرت في غضون ذلك أطر من التعاون والتنسيق والشراكة والتحالف في مجالات مساندة قضية فلسطين، وكان لذلك أن يتفاعل مع تنامي اتجاهات التشبيك في العالمين الواقعي والافتراضي، وتعاظم خبرات المجتمع المدني وقدراته وأدواره.
وتراكمت في هذا السياق تجارب الوفود التضامنية مع فلسطين، ومجموعات المساعدة في قطاف الزيتون، وقوافل إسناد غزة المُحاصَرة، بل أخذ هذا الجهد التضامني والإسنادي يركِّز ببراعة على صناعة الحدث من خلال مبادرات متجدِّدة مثل "أسطول الحرية" الذي أبحر صوب فلسطين، ووفود "أهلاً وسهلاً في فلسطين" التي هبطت من الأجواء، وغيرها.
لقد اتضح خلال صيف 2014 الذي تخلله عدوان حربي إسرائيلي على قطاع غزة، أنّ التفاعلات الشعبية والجماهيرية حول العالم مع القضية الفلسطينية قد جاءت أكثر تطوّراً من أي وقت مضى، وما أكسب هذه الجولة أهمية خاصة أنها مثّلت أطول عدوان حربي تقريباً في تاريخ القضية الفلسطينية وأشدّ الجولات ضراوة.
وتبيّن في غضون ذلك أنّ تحوّلات قد طرأت في العديد من المجتمعات، بعضها ظاهر فوق السطح، وقد يكون بعضها الآخر كامناً. وفي ثنايا هذه التطوّرات برزت أصوات وتشكيلات يهودية مناهضة للاحتلال وسياساته وانتهاكاته.
لا يمكن تنميط أوروبا والعالم في رقعة بعينها، فلكلّ بيئة خصائصها وسماتها في الإدراك ومسالكها في التفاعل، رغم بروز بعض السمات المشتركة العابرة للشعوب والمجتمعات والثقافات في زمن العولمة. لكنّ الملمح العام هو أنّ التفاعل الأوروبي والعالمي العابر للثقافات مع قضية فلسطين يشهد نموّاً واضحاً.
ولا ريب أنّ التفاعل مع فلسطين حول العالم يحوز خيارات متزايدة للمساهمة المباشرة وغير المباشرة في معادلة الصراع، وصناعة الأحداث المرتبطة به. يتصدّر ذلك الفعل الجماهيري والإعلامي، والضغط على مصالح الاحتلال الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والتعاقدية مع بلدان العالم والهيئات الإقليمية والدولية، وتصعيد الدعاوى والملاحقات القانونية لرموز الاحتلال الإسرائيلي ومنتسبيه وفق أنظمة الجزاء حول العالم.
لقد أظهرت الاستجابة الجماهيرية العارمة ضد عدوان 2014، تحوّلات متعدِّدة طرأت في أوساط المجتمعات الأوروبية في الموقف من الاحتلال الإسرائيلي وسياساته وانتهاكاته، بما يمنح الانطباع أنّ مناهضة الاحتلال وتأييد فلسطين قابل لأن يتحوّل إلى ثقافة عامّة. لقد تجلّى ذلك في حجم التفاعل الجماهيري واتساع نطاقه والتطوّر النسبي في أشكاله التعبيرية، وتنسيق التحرّكات ونسج التحالفات في المجتمع المدني والميدان الجماهيري. وقد اتسم هذا التفاعل، في العموم وليس على الإطلاق، بالتنوّع في مكوِّناته، وبانضمام فئات وشرائح متزايدة إليه في عدد من الدول الأوروبية والغربية.
ومع الإمكانات المتنامية التي يحوزها التفاعل الشعبي والمدني حول العالم مع القضايا والتطوّرات، تتضاءل وطأة الرواية الإسرائيلية الكلاسيكية بشأن فلسطين، وتتوفر مزيد من خيارات المعرفة والمواكبة والمعايشة لهذه القضية كما لم يحصل من قبل؛ وهو ما يحفِّز التفاعل معها بكل تأكيد.
يمضي هذا التفاعل إلى تجاوز المفهوم التقليدي للتعاطف، وصولاً إلى خيارات "ما بعد التضامن"، التي تنتمي إلى فلسطين قيمياً وتتبنّى قضيتها وتنخرط في مساراتها. وسيجد هذا التفاعل مزيداً من أدوات المبادرة والضغط تحت تصرّفه من واقع التطوّر المدني والتواصلي وخيارات التأثير والتشبيك المتنامية.
سيبقى التحوّل السياسي الأوروبي على الأرجح، بطيئاً في استجابته لهذه التطوّرات الجماهيرية والمدنية والنخبوية المتصاعدة، لانبثاقه عن تقديرات استراتيجية يغلب عليها الثبات، ومنها الالتزام المُعلن من قبل الدول الغربية بدعم الجانب الإسرائيلي وفق ما يُستدلّ عليه من مقولة "ضمان أمن إسرائيل" مثلاً.
لكنّ المبادرات السياسية تبقى قادرة على إحداث إزاحات إذا ما فرضت ذاتها بقوّة الضغوط المتعاظمة، أو من خلال تعديل التقديرات الاستراتيجية المعتمدة. وقد يأتي ذلك وثيق الصلة بأزمة مشروع الاحتلال وضعف الثقة بخياراته الاستراتيجية بخصوص حلّ الصراع، وتصاعد التطرّف السياسي والقومي والديني في مجتمع الاحتلال، وانسداد آفاق التسوية السياسية الجادّة مع تعذّر التوصّل إلى حلّ شامل ونهائي لقضية فلسطين.
إنّ القطاعات والفئات والتجمّعات التي كوّنت موقفاً متماسكاً في تأييد الحقوق الفلسطينية أو على الأقل في مناهضة الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه وانتهاكاته، ستواصل على الأرجح تفاعلها وجهودها في مجالات المجتمع المدني المتعددة حول العالم مع تطوير متزايد في أشكال العمل وأنماطه، وفي صميم هذه القطاعات تأتي التجمعات الفلسطينية في أوروبا أيضاً. لكنّ القطاعات الجماهيرية الأعرض تبقى في تفاعلها مرتبطة بالوتيرة الموجية للأحداث على الأرض، خاصة في التطوّرات الصادمة والاستثنائية.
وبهذا تتأكّد أهمية جعل القضية الفلسطينية حاضرة في صدارة الاهتمامات العامة سياسياً وإعلامياً، وهو ما يتيح فرص المواكبة والمعايشة والتفاعل. لكنّ صرف الأنظار بعيداً عن قضية فلسطين، بتأثير الشواغل المتعددة والتطوّرات الموضوعة في دائرة الضوء، يشكِّل تحدياً حقيقياً بالنسبة للتفاعل العريض مع قضية فلسطين وملفاتها وتطوّرات أحداثها.
يراهن الجانب الإسرائيلي على تعظيم المخاوف مما يسميه "الإرهاب الإسلامي" مستفيداً من تفاقم الأزمات والتوترات في العالم العربي والإسلامي، ويحاول وضع المقاومة الفلسطينية في سلّة واحدة مع جماعات متشددة تمارس "استراتيجية التوحّش"، فيدعو المسؤولون الإسرائيليون قادة أوروبا إلى النزول معهم في خندق الدفاع عن "أعداء الحضارة"، كما جرى في ظلال قضية "شارلي إيبدو". إنهم يسعون لتوظيف أجواء الحملة الواسعة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، بينما يسعون جاهدين لفرض نموذج "الدولة اليهودية" التي تُفاقِم الصفة العنصرية لنظام الاحتلال الذي يحتضن التطرّف المسلّح.
تنطوي تطوّرات العالم العربي والإسلامي على صعوبات متعددة، وربما مخاطر، في ما يتعلّق بآفاق التفاعل مع فلسطين حول العالم. وستواصل دعاية الاحتلال توظيف هذه التطوّرات في وضع صورة النضال الفلسطيني ضمن سياقات التطرّف والإرهاب، دون أن يعني ذلك قدرتها على الإقناع.
رغم وفرة التحديات؛ إلاّ أنّ قضية فلسطين تستشرف جملة من الفرص في الفضاء العالمي، منها إمكانية تحوّل نبذ الاحتلال الإسرائيلي إلى ثقافة سائدة على نحو مطوّر من التجربة التي جرت مع نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا.
حسام شاكر
شهد تأييد قضية فلسطين في البيئة الأوروبية، تحوّلات متعددة منذ مطلع القرن العشرين. فبعد اندلاع "انتفاضة الأقصى" التي استغرقت عدّة أعوام، وتخللتها سلسلة من الأحداث التي لفتت الأنظار، برزت سلسلة من التطوّرات والتفاعلات في مشهد تأييد الحقوق الفلسطينية.
لم تعد فكرة التعاطف، أو حتى التضامن التقليدية، دقيقة منذ ذلك الحين في تعبيرها عن مشهد تأييد القضية الفلسطينية في أوروبا، فقد تمّ عملياً تجاوز مفهوم التضامن مع قضية فلسطين إلى مفهوم تبنِّي قضية فلسطين وحملها مباشرة، وصولاً إلى تطوير آليّات عمل جديدة وفعّالة تعبيراً عن ذلك.
يتأسّس مفهوم التبنِّي على إدراك الانتهاك القيمي الجسيم المترتب على الاحتلال الإسرائيلي بما يجعل التصدِّي له مسؤولية إنسانية مشتركة، فالناس بهذا المعنى تقف مع أنفسها وليس مع فلسطين فقط. وهكذا نشأت بواعث المبادرة بالتحرّك والتشكّل والتكتّل حتى دون الارتباط بتحفيز فلسطيني مباشر أو غير مباشر إن تطلّب الأمر.
لقد برزت في هذا السياق ظاهرة التخصص في الأداء الجماهيري الأوروبي الداعم لقضية فلسطين، حتى نشأت جماعات القضية الفرعية الواحدة ضمن ملفات القضية الفلسطينية، وقد أعان ذلك على تجاوز الافتراق بين الأطياف الأيديولوجية الأوروبية إلى العمل التخصصي المشترك في ملف بعينه، كما انتقل الأداء من التركيز على إبراز التعاطف التقليدي إلى برامج العمل المبادِرة والضاغطة التي تسعى للانتقال إلى خطوط الميدان الأولى، ولو بشكل رمزي.
وقد تطوّرت في غضون ذلك أطر من التعاون والتنسيق والشراكة والتحالف في مجالات مساندة قضية فلسطين، وكان لذلك أن يتفاعل مع تنامي اتجاهات التشبيك في العالمين الواقعي والافتراضي، وتعاظم خبرات المجتمع المدني وقدراته وأدواره.
وتراكمت في هذا السياق تجارب الوفود التضامنية مع فلسطين، ومجموعات المساعدة في قطاف الزيتون، وقوافل إسناد غزة المُحاصَرة، بل أخذ هذا الجهد التضامني والإسنادي يركِّز ببراعة على صناعة الحدث من خلال مبادرات متجدِّدة مثل "أسطول الحرية" الذي أبحر صوب فلسطين، ووفود "أهلاً وسهلاً في فلسطين" التي هبطت من الأجواء، وغيرها.
لقد اتضح خلال صيف 2014 الذي تخلله عدوان حربي إسرائيلي على قطاع غزة، أنّ التفاعلات الشعبية والجماهيرية حول العالم مع القضية الفلسطينية قد جاءت أكثر تطوّراً من أي وقت مضى، وما أكسب هذه الجولة أهمية خاصة أنها مثّلت أطول عدوان حربي تقريباً في تاريخ القضية الفلسطينية وأشدّ الجولات ضراوة.
وتبيّن في غضون ذلك أنّ تحوّلات قد طرأت في العديد من المجتمعات، بعضها ظاهر فوق السطح، وقد يكون بعضها الآخر كامناً. وفي ثنايا هذه التطوّرات برزت أصوات وتشكيلات يهودية مناهضة للاحتلال وسياساته وانتهاكاته.
لا يمكن تنميط أوروبا والعالم في رقعة بعينها، فلكلّ بيئة خصائصها وسماتها في الإدراك ومسالكها في التفاعل، رغم بروز بعض السمات المشتركة العابرة للشعوب والمجتمعات والثقافات في زمن العولمة. لكنّ الملمح العام هو أنّ التفاعل الأوروبي والعالمي العابر للثقافات مع قضية فلسطين يشهد نموّاً واضحاً.
ولا ريب أنّ التفاعل مع فلسطين حول العالم يحوز خيارات متزايدة للمساهمة المباشرة وغير المباشرة في معادلة الصراع، وصناعة الأحداث المرتبطة به. يتصدّر ذلك الفعل الجماهيري والإعلامي، والضغط على مصالح الاحتلال الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والتعاقدية مع بلدان العالم والهيئات الإقليمية والدولية، وتصعيد الدعاوى والملاحقات القانونية لرموز الاحتلال الإسرائيلي ومنتسبيه وفق أنظمة الجزاء حول العالم.
لقد أظهرت الاستجابة الجماهيرية العارمة ضد عدوان 2014، تحوّلات متعدِّدة طرأت في أوساط المجتمعات الأوروبية في الموقف من الاحتلال الإسرائيلي وسياساته وانتهاكاته، بما يمنح الانطباع أنّ مناهضة الاحتلال وتأييد فلسطين قابل لأن يتحوّل إلى ثقافة عامّة. لقد تجلّى ذلك في حجم التفاعل الجماهيري واتساع نطاقه والتطوّر النسبي في أشكاله التعبيرية، وتنسيق التحرّكات ونسج التحالفات في المجتمع المدني والميدان الجماهيري. وقد اتسم هذا التفاعل، في العموم وليس على الإطلاق، بالتنوّع في مكوِّناته، وبانضمام فئات وشرائح متزايدة إليه في عدد من الدول الأوروبية والغربية.
ومع الإمكانات المتنامية التي يحوزها التفاعل الشعبي والمدني حول العالم مع القضايا والتطوّرات، تتضاءل وطأة الرواية الإسرائيلية الكلاسيكية بشأن فلسطين، وتتوفر مزيد من خيارات المعرفة والمواكبة والمعايشة لهذه القضية كما لم يحصل من قبل؛ وهو ما يحفِّز التفاعل معها بكل تأكيد.
يمضي هذا التفاعل إلى تجاوز المفهوم التقليدي للتعاطف، وصولاً إلى خيارات "ما بعد التضامن"، التي تنتمي إلى فلسطين قيمياً وتتبنّى قضيتها وتنخرط في مساراتها. وسيجد هذا التفاعل مزيداً من أدوات المبادرة والضغط تحت تصرّفه من واقع التطوّر المدني والتواصلي وخيارات التأثير والتشبيك المتنامية.
سيبقى التحوّل السياسي الأوروبي على الأرجح، بطيئاً في استجابته لهذه التطوّرات الجماهيرية والمدنية والنخبوية المتصاعدة، لانبثاقه عن تقديرات استراتيجية يغلب عليها الثبات، ومنها الالتزام المُعلن من قبل الدول الغربية بدعم الجانب الإسرائيلي وفق ما يُستدلّ عليه من مقولة "ضمان أمن إسرائيل" مثلاً.
لكنّ المبادرات السياسية تبقى قادرة على إحداث إزاحات إذا ما فرضت ذاتها بقوّة الضغوط المتعاظمة، أو من خلال تعديل التقديرات الاستراتيجية المعتمدة. وقد يأتي ذلك وثيق الصلة بأزمة مشروع الاحتلال وضعف الثقة بخياراته الاستراتيجية بخصوص حلّ الصراع، وتصاعد التطرّف السياسي والقومي والديني في مجتمع الاحتلال، وانسداد آفاق التسوية السياسية الجادّة مع تعذّر التوصّل إلى حلّ شامل ونهائي لقضية فلسطين.
إنّ القطاعات والفئات والتجمّعات التي كوّنت موقفاً متماسكاً في تأييد الحقوق الفلسطينية أو على الأقل في مناهضة الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه وانتهاكاته، ستواصل على الأرجح تفاعلها وجهودها في مجالات المجتمع المدني المتعددة حول العالم مع تطوير متزايد في أشكال العمل وأنماطه، وفي صميم هذه القطاعات تأتي التجمعات الفلسطينية في أوروبا أيضاً. لكنّ القطاعات الجماهيرية الأعرض تبقى في تفاعلها مرتبطة بالوتيرة الموجية للأحداث على الأرض، خاصة في التطوّرات الصادمة والاستثنائية.
وبهذا تتأكّد أهمية جعل القضية الفلسطينية حاضرة في صدارة الاهتمامات العامة سياسياً وإعلامياً، وهو ما يتيح فرص المواكبة والمعايشة والتفاعل. لكنّ صرف الأنظار بعيداً عن قضية فلسطين، بتأثير الشواغل المتعددة والتطوّرات الموضوعة في دائرة الضوء، يشكِّل تحدياً حقيقياً بالنسبة للتفاعل العريض مع قضية فلسطين وملفاتها وتطوّرات أحداثها.
يراهن الجانب الإسرائيلي على تعظيم المخاوف مما يسميه "الإرهاب الإسلامي" مستفيداً من تفاقم الأزمات والتوترات في العالم العربي والإسلامي، ويحاول وضع المقاومة الفلسطينية في سلّة واحدة مع جماعات متشددة تمارس "استراتيجية التوحّش"، فيدعو المسؤولون الإسرائيليون قادة أوروبا إلى النزول معهم في خندق الدفاع عن "أعداء الحضارة"، كما جرى في ظلال قضية "شارلي إيبدو". إنهم يسعون لتوظيف أجواء الحملة الواسعة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، بينما يسعون جاهدين لفرض نموذج "الدولة اليهودية" التي تُفاقِم الصفة العنصرية لنظام الاحتلال الذي يحتضن التطرّف المسلّح.
تنطوي تطوّرات العالم العربي والإسلامي على صعوبات متعددة، وربما مخاطر، في ما يتعلّق بآفاق التفاعل مع فلسطين حول العالم. وستواصل دعاية الاحتلال توظيف هذه التطوّرات في وضع صورة النضال الفلسطيني ضمن سياقات التطرّف والإرهاب، دون أن يعني ذلك قدرتها على الإقناع.
رغم وفرة التحديات؛ إلاّ أنّ قضية فلسطين تستشرف جملة من الفرص في الفضاء العالمي، منها إمكانية تحوّل نبذ الاحتلال الإسرائيلي إلى ثقافة سائدة على نحو مطوّر من التجربة التي جرت مع نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية