فيلم هدم المسجد الأقصى وخرافة الهيكل
د. أيمن أبو ناهية
التاريخ يعيد نفسه بوتيرة قديمة/جديدة من مسلسل الاستفزازات الإسرائيلية تجاه المسجد الأقصى المبارك، حيث تكمن خطورة هذا التصعيد الإسرائيلي بانتهاك حرمة المقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك, قد يشعل شرارة جديدة من الصراع الديني لا يعلم أحد مدى تداعياتها وانعكاساتها على المنطقة خاصة وأن المسجد الأقصى يشكل خطا أحمر ليس فقط عند الشعب الفلسطيني بل وعند الأمتين العربية والإسلامية.
لقد بلغ الاستهتار الإسرائيلي بالمسجد الأقصى مبلغه ووصل إلى أبعد الحدود وتجاوز كل الخطوط الحمر، فكل مرة يقدم الاحتلال على فعلة وجريمة جديدة يستفز بها مشاعر العرب والمسلمين، فبالأمس استفز نتنياهو مشاعرنا بتدنيس حائط البراق، واليوم تفتعل وزارة خارجيته فيلما مشبوها يزيل المسجد الأقصى ويظهر بدلا منه خرافة "هيكل المعبد" المزعوم، على الرغم من استمرار الحفر والتنقيب عليه أسفل المسجد الأقصى ولم يوجد أثر له ولا لأي اسم أو ذكرى لليهود باعترافهم. لكن الهدف ليس البحث عن "هيكل المعبد" فهم متأكدون بأنها أكذوبة ويسوقونها لتبرير مخططاتهم بهدم المسجد الأقصى بإضعاف أساساته وقواعده لينهار بطريقة غير مباشرة.
وهذا يذكرنا بالجرح القديم منذ أربعين عاماً عندما أقدم المجرم المتطرف المدعو مايكل روهان في 21 أغسطس 1969م للتخلص من المسجد الأقصى على فعلته الإجرامية بحرقه بدم بارد على مرأى ومسمع العالم الذي وقف متفرجاً دون اتخاذ قرار عقابي ضد المجرم ومن يقف وراءه وإلزامهم بعدم الاعتداء على الأماكن المقدسة. وكما يعيد هذا المشهد إلى الأذهان مجددا ما حدث في الأقصى عام 2000م من مواجهات راح ضحيتها العشرات دفاعا عن الأقصى، عندما أقدم المجرم شارون ومعه عصابات سفك الدماء من الشرطة والجنود والمخابرات الصهيونية المدججة بالسلاح لاقتحام المسجد الأقصى تحت حجج وادعاءات وافتراءات كاذبة بزيارة "الهيكل المزعوم" الذي لا وجود له إطلاقا لا فوق ولا تحت الأرض.
وقد تسبب هذا التصعيد الإسرائيلي الخطير حينها في إشعال الأراضي الفلسطينية فيما عرف بـ"انتفاضة الأقصى" بعد أن منيت مفاوضات السلام في "كامب ديفيد" بالفشل وكان من أهم أسبابه طلب (إسرائيل) بالسيطرة الفعلية تحت المسجد الاقصى ولم تقتنع بعدم أحقيتها بذلك بل امتدت ممارساتها حتى وصل الحال إلى محاولة الاعتداء على حرمة المسجد الاقصى المبارك.
يبدو أن الإسرائيليين لم يستخلصوا الدروس والعبر من المواجهات السابقة وفي مقدمتها إصرار الشعب الفلسطيني على الدفاع عن مقدساته ودرء أي مخاطر تتهدد الأقصى الذي يفديه بالروح والدم وإيمانه بأن للبيت ربا يحميه. لكن هذا لا يكفي لوحده بل يحتاج منا أيضا جهدا سياسيا وقانونيا بوضع قضية الاقصى والأماكن المقدسة والقدس على رأس الأولويات لمقاضاة الاحتلال على جرائمه، وهو ما يتطلب موقفا فلسطينياً وعربياً وإسلاميا يتجاوز روتين إصدار بيانات الشجب والاستنكار كما تعودت عليه جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والصعود إلى موقف استراتيجي يُطرح في كافة المحافل والمحاكم الدولية وعلى كل من يتغزل بـ "سراب السلام" وتوجيه رسالة واضحة (لإسرائيل) والأطراف والدول الداعمة لها وللعالم أجمع بأن الأقصى والقدس بمثابة خط احمر للأمتين العربية والإسلامية لا يسمح بتجاوزه.
لقد حان الوقت كي تعبر الشعوب العربية والإسلامية عن مواقفها إزاء ما تتعرض له القدس والأقصى من انتهاكات وتهويد وحفريات ، فلا يعقل أن تتواصل مثل هذه الممارسات الإسرائيلية الاستفزازية في ظل حالة الصمت المريب والدعوة للرجوع إلى طاولة المفاوضات، التي تعطي الاحتلال مزيدا من الوقت والاستهتار ليواصل تنفيذ مخططاته الخفية والعلنية من اعتداءات واستفزازات وتهويد وتشريد وحفر وهدم واستيطان وقتل واعتقال يومي.
فرغم إدانة مجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة للاستيطان، وإصدار قرار مطالبا فيه الاحتلال بوقف وإخلاء كل المستوطنات لعدم شرعيتها القانونية والسياسية والجغرافية، معتبرا إياها جرائم حرب وإجراءات مخالفة للقانون الدولي وقانون حقوق الإنسان، عملا بالمادة 49 من المعاهدة الرابعة لاتفاقية جنيف، إلا أن الاحتلال رد على القرار بقرار جديد ببناء 364 وحدة استيطانية جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما يدلل على أن الكيان الإسرائيلي كيان مارق على القانون الدولي ومتمرد على قراراته، لذا يجب على المجتمع الدولي إلزامه باحترام قراراته وتنفيذها رغم أنفه.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية