قراءة (إسرائيل) لصعود الإسلاميين في المنطقة العربية ... بقلم : د. عدنان أبو عامر

الأحد 09 يونيو 2013

قراءة (إسرائيل) لصعود الإسلاميين في المنطقة العربية

د. عدنان أبو عامر

هي زيارتي الأولى إلى تونس، والرابعة إلى قطر، وقد لاحظت مجموعة من السمات والخصائص التي تميز بلد الثورات الأول، وعايشت عن قرب حالة الاستقطاب السياسي على أشده بين المتنافسين والخصوم، وهو على كل الأحوال حالة صحية، ولو تطرفت بعض الشيء لدى بعض القوى التونسية.

لكن ما سأورده في السطور القادمة يرتبط بصورة وثيقة بالتقييم الإسرائيلي لحالة الصعود الإسلامي في المنطقة العربية، ومنها تونس ومصر بشكل خاص، لاسيما وأن هذا الصعود قد يهدد الاستقرار في بعض الدول العربية الأخرى، التي تعيش فيها الأنظمة السياسية والاقتصادية حالة من الضغط الداخلي بسبب قيام جهات لا يستهان بها من المواطنين بتحدي النخبة الحاكمة.

لكن زيارتي الأخرى إلى قطر، أظهرت لي أنها والسعودية، البحرين، الكويت، وسلطنة عُمان، مرت في تجارب من هذا القبيل، عندما قامت جهات معارضة بالاحتجاج، لكن أغلب هذه التحركات لم تتمكن من استقطاب المؤيدين، وبقيت تُمثل جهات ضيقة من المواطنين، حيث نجحت هذه الأنظمة الحاكمة في هذه الدول، وعبر انتهاج إستراتيجيات بقاء: داخلية وخارجية، في المحافظة على هذا الاستقرار.

وتزعم الأوساط الإسرائيلية أنّ تأثير العامل الديني في المنطقة العربية ليس جديداً، لكن تصرفات "المشيخات" والإمارات والمملكات في الآونة الأخيرة تقطع الشك باليقين بأنها تخشى جداً من التهديدات القادمة مما تعتبره اتجاه الإسلام السياسي، الذي بات يُشكل خطراً كبيراً على حكمهم، وهي تشير هنا إلى سلسلة المحاكمات التي تجري في بعض دول الخليج ضد ما تصفها خلايا "الإخوان المسلمين"، وقاموا بتدريب عناصر محلية لقلب نظام الحكم.

وهنا بالذات، يمكن إجراء مقارنة بين ما حدث في الدول العربية، ومنها تونس ومصر، التي عمت فيها الاحتجاجات، وتم قلب نظام الحكم فيها، وبين الوضع في دول الخليج يعمل لصالح الحكام الخليجيين، الذين يقدرون على إقناع مواطنيهم بأنْ يُواصلوا الحفاظ على الاتفاق غير المكتوب بينهما.

ولذلك فإن متابعتي لسير الأوضاع في دولة مثل قطر، أشارت لي إلى أن الأنظمة الحاكمة في دول الخليج تقوم بدعم جميع الخدمات، ومقابل ذلك يمتنع المواطنون عن المشاركة في أي عملية سياسية، لكن يبقى أمر محظور في الحسابات السياسية تتعلق بأنه إذا نجح نظام الحكم الجديد في مصر وتونس في المستقبل القريب، فإن ذلك سيعود سلباً على أنظمة الحكم في الخليج، التي ستُتهم بأنها تُعارض الديمقراطية.

كما أنّ هذه الدول وعدت بإجراء الكثير من الإصلاحات، لكنها لم تُنفذ إلا النزر اليسير، ما يعني أن الدلائل في المرة القادمة قد لا تشير إلى أنّ التعهدات لن تكون كافية، وعندها يتحتم على نظم الحكم وضع خريطة طريق لتحقيق الإصلاحات السياسية، وليس الاكتفاء بذر الرماد في عيون المواطنين.

إسرائيل من جهتها، تعتبر أن الخطر الأكبر الذي يُشكله الإسلاميون على ما تبقى من أنظمة الحكم العربية كامن في أنه يقترح طريقة أخرى وبديلة لمبنى الأنظمة الحاكمة الحالية، وبموجبها تمنح حرية سياسية إلى جانب شرعنة الدين، أي أن العلاقة الوطيدة التي يقترحها عن طريق التوازن بين الإسلام والدولة، يجعله منافساً قويا للأنظمة الحاكمة.

وبما أن حركات إسلامية كثيرة نجحت في الوصول لسدة الحكم عن طريق انتخابات ديمقراطية شاركت فيها، كما جرى في تونس ومصر، فإنه عملياً يُشكل بديلاً جماهيرياً مقبولاً على المواطنين، ورغم أن الحكام الذين وصلوا السلطة عبر الحركات الإسلامية انتهجوا حتى الآن سياسة براغماتية، فإنه من المحتمل جدا أنْ تواصل الدول الخليجية انتهاج نفس السياسة التي انتهجتها منذ بداية الربيع العربي في محاولة لكبح جماح الاحتجاجات، ومنع الجهات المعارضة من رفع رأسها، لتثبيت الأمن والاستقرار، وبموازاة ذلك، مواصلة التعاون والتنسيق والدعم للحركات الإسلامية في الدول العربية الأخرى.

وبغض النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا مع هذا التقييم الإسرائيلي، لكن من المهم القول إن معظم دول الخليج غير مرتاحة من نجاح الإخوان المسلمين، فالسعودية تُريد إسقاط الرئيس السوري الأسد بهدف إضعاف إيران، لكنها من الناحية الأخرى، تخشى من ارتفاع شعبية الإخوان في سورية، مما قد يؤدي لسيطرتهم على عدة دول عربية، وهو مما ترفضه السعودية، نظرا للخلاف الجوهري مع الوهابيين فيها.

ولذلك قامت الدول الخليجية بخطوات استباقية لمنع الإسلاميين من التغلغل أكثر في الدول عن طريق الاعتقالات، والتدخل في الجهاز القضائي، ومنع مؤسسات المجتمع المدني من العمل، لكن هذه الخطوات لن تُسعف الأنظمة الحاكمة فيها، لأن موجة الاحتجاجات التي عمت المنطقة العربية لم تعط فقط لسكان هذه الدول أملاً بإحداث التغييرات السياسية، بل إنها جعلت من مهمة النخبة الحاكمة تصوير المعارضة بأنها عدو الشعب، وحتى لو تمكنت الدول الخليجية من تشكيل جبهة موحدة ضد الإخوان المسلمين، فإنه لا يمنحها حصانة، ولن تتمكن من منع ازدياد شعبيتهم فيها.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية