قراءة في انتخابات جامعة بيرزيت
صلاح حميدة
صلاح حميدة
تعتبر القوى السياسية الفلسطينية جامعة بيرزيت قبان السياسة الفلسطينية، وينظر لها فلسطينيا على أنها الأكثر تمثيلا لتوجهات شرائح الشعب الفلسطيني السياسية والاجتماعية، ولذلك لا يعتبر مبالغة اعتبار نتيجة الانتخابات اليوم زلزالا انتخابيا، تتجاوز ارتداداته الجغرافيا الفلسطينية.
لا يمكن قراءة هذه النتيجة دون الإشارة إلى معركة المقاومة الفلسطينية مع الاحتلال على أرض قطاع غزة العام الماضي، فالشعب الفلسطيني يعيش هذه اﻻيام الكثير من التسريبات عن بطولات المقاومة في الميدان، بالإضافة إلى ترسيخ قناعة شعبية لدى قطاعات شعبية مهمة بأن مشروع المفاوضات وصل إلى نهايته، خاصة بعد تصريحات نتنياهو وفوزه في الانتخابات الإسرائيلية، وبالرغم من كون الواقع الفلسطيني مقلقا ويعاني من انسداد خطير إلا أن الواقع يفرض اتخاذ قرارات مهمة لم يتم اتخاذها.
رسخت نتيجة الانتخابات فكرة أن حركة " حماس " جزء أصيل من الشعب الفلسطيني ولا إمكانية لإقصائها أو تحييدها، وأن الجسم الفلسطيني لن يتمتع بعافيته بدون حالة تناوب صحية بين كبرى حركاته "فتح" و "حماس" وأن حالة الصراع العبثية لن تؤدي إلى أن يفيق الفتحاوي ولا يجد "حماس" ولا أن يفيق الحمساوي ولا يجد "فتح" ولذلك تشكل هذه النتيجة مدخلا صحيا لتصويب الحالة الداخلية الفلسطينية، إن تمت قراءتها بطريقة صحيحة.
أكدت الانتخابات أن مشروع الاسلام الحضاري يحظى بجماهيرية مهمة، بالرغم من مشاهد الدم والقتل على الهوية في العالم العربي، وأن كل محاولات تشويهه لم تفلح، بل مثلت تلك الحالة نموذجا لأفضل حالات التعايش مع الآخر المختلف في تركيا وتونس والمغرب ومصر ما قبل السيسي، هذا اﻻمر شكل نوعا من المقارنة مع مشاريع الدم والانتقام والإبادة والتعصب والاقتتال الأبدي.
ولذلك شكلت هذه الإشارة من جامعة الليبرالية الفلسطينية بأن مشروع الإسلام الحضاري له جاذبية لدى فئات واسعة أصبحت تعتبر أنه يمكن أن يستوعبها. ورسخت قناعة جماهيرية بأن المشروع السياسي للإسلام الحضاري لم يفشل وإنما تم افشاله.
كشفت الانتخابات عن أزمة ثنائية عميقة داخل حركة "فتح" وبينها وبين قطاع من الجمهور الفلسطيني، فبالرغم من توفر كل إمكانيات ووسائل تحقيق الفوز بيدها إلا أنها هزمت هزيمة انتخابية قاسية.
فهي بحاجة لتصويب سياساتها لأن بناء استراتيجية محاولة كسب الرضى الشعبي على البحث عن أخطاء متصورة أو حقيقية لحركة "حماس" أضر بحركة "فتح " وبصورتها كرافعة للمشروع الوطني الفلسطيني، وأظهرها كحركة عاجزة عن تجديد ذاتها وعن تصويب أخطائها، وهذا ما لفت النظر إليه عضو لجنتها المركزية عباس زكي قبل أيام.
كان للصورة التي تناقلتها بعض المواقع الإعلامية لحركة "فتح" للفتاة المسيحية التي سارت في مسيرة حركة "حماس" أثرا قاصما في توجهات قطاع مهم من الطلبة العلمانيين والمسيحيين لانتخاب حركة "حماس" فقد اقتنعوا بأن حاجاتهم النقابية دفعتهم ليكونوا في صفوف مؤيدي حركة "حماس"، كما قالت الفتاة من لينا هلسة في شريط الفيديو الذي نشرته على الشبكة العنكبوتية، والذي حاز على نسبة مشاهدة غير مسبوقة فلسطينيا وعربيا، هذه الحادثة دفعت تلك الجموع لاستكشاف حركة "حماس" بشكل سريع، وكان لكلمات الفتاة أثر كبير في دفعهم نحو كسر الحواجز النفسية واقتحام عالم الآخر المختلف بطريقة إيجابية، كما ذكر عدد كبير منهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
ربما شكلت هذه الانتخابات ونتيجتها فرصة لحركة "حماس" لتطوير فكرها وطرحها السياسي والاجتماعي وطريقة تعاطيها مع الجماهير ومع الآخر، ومن المهم أن لا تقرأ الفوز الانتخابي من زاوية كونه هزيمة لحركة "فتح" لأن صفة هذه الانتخابات هي أنها تنافس إيجابي أهلي بيني، أما الصراع فهو مع الاحتلال، كما وتشكل هذه النتيجة فرصة لتطوير آليات التعامل مع الآخر والتحول نحو حركة كل الجماهير، ودراسة التجارب التركية والتونسية والمغربية في هذا الصدد، لتكون هذه النتيجة فرصة لتعزيز العلاقات بين المكونات السياسية والاجتماعية الفلسطينية.
تعتبر نتيجة الانتخابات هجمة مرتدة من المشروع الحضاري الإسلامي ضد المشاريع المتقاتلة في المنطقة، وتقدم رسالة مفادها، أن التغيير في المنطقة يتم فقط عبر صناديق الاقتراع، أما محاولات فرض الأجندات وإبادة أو إقصاء الآخر المختلف فهي مشاريع عدمية لا أفق ولا مستقبل لها.
كما وتشكل هذه النتيجة إشارة مضيئة إلى ريادة الحالة الفلسطينية في النهوض الحضاري للعرب والمسلمين، وهي ملهمة للقوى الحية في الأمة لتصويب بوصلتها بعيدا عن تأبيد عبثية القتل المتبادل.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية