قضية خضر عدنان.. حتّى لا نفقد البوصلة! ...بقلم : صلاح حميدة

الثلاثاء 06 مارس 2012

قضية خضر عدنان.. حتّى لا نفقد البوصلة!

صلاح حميدة

لا تزال قضيّة الأسير الفلسطيني خضر عدنان تتفاعل في الشّارع الفلسطيني على مستويات متعدّدة، فعلى صعيد الأسرى بدأ بعض الأسرى يخطون خطوات مماثلة لتلك التي خطاها خضركالأسيرة هناء شلبي التي لا زالت مضربةً حتّى السّاعة، وعلى الصّعد الشّعبيّة والسّياسيّة والإعلاميّة لا يزال التّفاعل مستمرّاً، بل لا يمكن تجاهل أثر تلك المعركة على الحالة المعنويّة للشّارع الفلسطيني بشكل عام.

بعض الأطراف تحاول جاهدةً حرف الأنظار عن أهداف ومرامي المعركة التي خاضها خضر في معتقله، وتعمل على تجيير نضاله وتضحياته لخدمة أجندتها السّياسيّة والفكريّة، وخطف ما حققّه لخدمة انتهازيّتها وعدائها لجهات سياسيّة وأيديولوجيّة بعينها.

فبمتابعة بسيطة لحوارات ومقالات وبعض التّحليلات الإخباريّة يلحظ أنّ هناك من يقول أنّ خضر قام بمقاومة سلمية عبر إضرابه عن الطّعام، وأنّه حقّق ما أراد من تحديد موعد لحرّيّته، وأنّ المقاومة السّلميّة هي فقط الّتي تحقّق للشّعب الفلسطيني ما يريد، وذهب بعضهم إلى اتهام الشّعب الفلسطيني بأنّه أدار معركته مع الاحتلال بطريقة خاطئة، وأنّه السّبب في ضعف ( معسكر السّلام الإسرائيلي)؟! مع بعض اللوم لمن وصفهم باليسار الاسرائيلي ل " تردّدهم" في تحقيق السّلام، ولم ينس طبعاً إدانة العمل المقاوم الفلسطيني المسلح وانّه سبب عدم تحقّق الأهداف الفلسطينيّة بنيل الحرّيّة والاستقلال، مع أنّ المقاومة بكافّة أشكالها مسموحة شرعاً وقانوناً وعرفاً، وإضراب خضر عن الطّعام في السّجن عبارة عن مقاومة الأسير الّذي لا يملك أي شكل آخر من أشكال المقاومة، فهذا الشّكل من المقاومة هو إجبار لا خيار بالنّسبة له، بالإضافة إلى أنّ المقاومة السّلمية ليست بعيدة عن الحركات الاسلاميّة الفلسطينيّة، والعمل المسلح ليس إلا عملاً نخبويّاً، كما أنّ العمل المقاوم الفلسطيني – على اختلافه- ليس إلا ردّ فعل على احتلال فلسطين وطرد الفلسطينيين ومنعهم من العيش كبشر، وليس عدواناً منهم على أحد، وبالتّالي المطلوب إدانته هو المجرم وليس الضّحيّة، بالاضافة إلى أنّ الاسرائيليين – من يمينهم إلى يسارهم- يعتبرون يوم تهجير الفلسطينيين وسرقة أرضهم يوم استقلالهم، ويعتبر اليسار الاسرائيلي الأكثر ارتكاباً للمجازر بحق الفلسطينيين، أمّا أقصى اليسار الاسرائيلي، فهو نخبوي قليل العدد وليس له أيّ تأثير على المشهد السياسي داخل دولة الاحتلال، ولا يملك أي نفوذ لإعادة بعض الحقوق السّليبة من الفلسطينيين، وأثبتت الوقائع أنّ رهان بعض الفلسطينيين عليه لم يكن إلا طريقاً لتنازل بعض الفلسطينيين عن حقوقهم، وليس مصيدةً لإعادة تلك الحقوق لهم.

انتقل الهجوم من البعض للنّيل من الحركات الاسلامية الفلسطينيّة المقاومة نفسها – حماس والجهاد- وحتّى الحركة الاسلاميّة في الدّاخل الفلسطيني، واتهموها بالانغلاق على الآخرين وب " تديين" صراع سياسي، وأنّ شعار " الأقصى في خطر" هو شعار خاطىء؟! وكأنّ الأقصى لا يعاني خطراً داهماً؟! مع تعقيب من قبلهم بأنّ "التّحرير مقدّم على حرّيّة العبادة"، وكأنّ الحركات الاسلاميّة الفلسطينيّة تطالب بحرّيّة العبادة تحت الاحتلال، ولا تعمل ليل نهار لحماية وتحرير الأقصى وفلسطين كلها و" من البحر إلى النّهر" وأنّ هذه الخلفية التي تقاتل بناءً عليها تلك الحركات هي ما تجعلها محاصرة ومطاردة وعرضةً للقمع والملاحقة والاغتيال والحصار، ويعتبر هذا الطّرح محاولةً خبيثةً لاتهام الحركات الاسلاميّة الفلسطينية في اعتقادها ومنهج عملها وضرب أسس وجودها، فهي حركات تحرّر وطني تحمل الفكر الإسلامي، ولا يعني حملها لتلك الفكرة انغلاقها على الآخرين، ولا يعني أنّ بعض الأقطاب أو الحركات والمؤسسات الفلسطينية لها علاقات سابقة بمن يسمّون بأحرار العالم، بأنّ هؤلاء أصبحوا ماركة مسجّلة بإسمهم، فهم بالأساس مناصرون لقضيّة وليس لحركات وأشخاص، وبالتّالي فلتلك الأطراف علاقات مختلفة بقيادة الحركات الاسلاميّة الفلسطينيّة، وقد يكون اتهام الحركات الاسلاميّة بالانغلاق من قبل هؤلاء تعبيراً عن حسد لها لأنّها تبني علاقات متوازنة مع تلك الأطراف بدلاً من أن تصبح موظّفةً عندها كما فعل الآخرون.

أحد الأشخاص لم يفوّت الفرصة وقام بكتابة مقال يهاجم فيه رئيس المجلس التّشريعي المعتقل في سجون الاحتلال، وطالبه فيه بإعلان الاضراب مثل خضر عدنان، والغريب أنّ هذا الشّخص يهاجم عالما فلسطينيا في مجال الهندسة، وقائدا سياسيا أبعد إلى مرج الزّهور وسجن لسنوات طويلة في سجون الاحتلال، وقائدا فلسطينيا منتخبا من قبل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، و نسي هذا الشّخص بعض الأشخاص الّذين يتوافق معهم فكريّاً وسياسيّاً من النّقد، ولم يطالبهم بالاضراب، وهم قادة قضوا سنوات طويلة في الاعتقال الاداري؟!. طبعاً في هذا الموقف لا يمكن المزاودة على أي أسير في طريقة مقاومته لسياسة الاعتقال الإداري، وقد عاش كاتب هذه السطور هذه التّجربة لعدة شهور، وكان الأسرى الإداريون من كافّة الفصائل الفلسطينيّة يقومون بخطوات واسعة جدّاً من الاحتجاج والمقاومة لهذا الصّنف من الاعتقال، وكانت تتراوح تلك الخطوات بين الإضراب عن تلقّي وجبات الطّعام، والوقفات الاحتجاجيّة، والهتافات، والتّظاهر في ساحات السّجن، وهزّ الأسلاك الشّائكة المحيطة بالمعتقل وصولاً إلى التّظاهر العنيف ورشق السّجانين بكل ما تصل له أيدي المعتقلين الإداريين حتّى حرق خيام السّجن والنّوم في العراء، بالاضافة إلى خوض حرب قانونيّة دوليّة وإعلاميّة تظهر مظلوميّة المعتقل الاداري، وكان هناك دائماً نقاش جدّي حول الوسائل التي يراد استخدامها في معركة كسر الاعتقال الاداري، وبالطّبع كان هناك خلاف أحياناً حول بعض الوسائل، لأنّ هناك وسائل من الممكن تعميمها، وأخرى لا يمكن تعميمها، وبالنّسبة للأخ خضر والأخت هناء ومن قد يلحق بهم، فهذا خيار فردي وليس خياراً جماعيّاً، ولا يستطيع أحد أن يزاود على تضحيات ونضالات المعتقلين الفلسطينيين – إداريين ومحكومين- فهم كمجموعة وكأفراد يحدّدون أساليب نضالهم داخل المعتقلات، والمطلوب ممّن يزاود عليهم أن يعمل للإفراج عنهم بدلاً من انتهاج رؤية ضيّقة انتهازية رخيصة في التّعاطي مع قضيّتهم.

أمّا فيما يخصّ حملة التّضامن مع إضراب خضر عن الطّعام فقد عقّب بعض السّياسيين والاعلاميين الّذين كانوا من متابعي قضيّة خضر – وبعضهم من لون سياسي وأيديلوجي معيّن له موقف من الدّين والتّديّن- وعدّدوا كل من تضامن معه ومشى في مسيرات وألقى خطابات وصرّح تصريحات، ولم ينسوا أصغر التّنظيمات، وكذلك قاموا بتضخيم دور اليسار الإسرائيلي وبعض الصّحفيين الإسرائيليين وحتّى الممرّضة في المستشفى، ولكنّهم أغفلوا ذكر أنّ الحركات الاسلامية الفلسطينيّة- والتي ينتمي لها خضر عدنان- قامت بفعاليات كبيرة وحملة إعلاميّة هائلة نصرةً له.

إن محاولة تحويل الانجاز النّضالي لقيادي في حركة إسلاميّة فلسطينيّة إلى باقة سهام تقذف في صدر الحركات الاسلامية الفلسطينية ليس صدفة ولا عبارة عن تنفيس عن غيرة حزبيّة ضيّقة، وإنّما تأتي في سياق رغبة أكيدة لأطراف معيّنة بنفي تلك الحركات بشكل كامل من الواقع السّياسي الفلسطيني ومحو أي أثر لها في صياغة الواقع والمستقبل الفلسطيني، ولذلك يلحظ أنّ هؤلاء لا يعتبرون أنّ وجود ولا فعل تلك الحركات شرعي، و أنّ هذه الحركات مارقة على المستوى المحلّي والإقليمي، ممنوع عليها التّصريح ولا التّلميح ولا الاعتراض ولا المطالبة، وما عليها سوى الاستقالة من المشهد السّياسي الفلسطيني، أمّا إنجازاتها وأفرادها وقادتها فيتم إمّا تضخيمها وصولاً إلى تحطيمها أو خطف إنجازاتها ونسبها لمن لم يقم بها، أو تبجيل الفرد بهدف إهانة المجموعة التي ينتمي لها، وكلّه بهدف حرف البوصلة عن الانجاز و منع تعميمه على الحالة الفلسطينيّة.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية