قل لي بربك : علام تفاوض؟
بقلم/الدكتور عطا الله أبو السبح
لو نظم أصحاب التقليعات وصرعات الموضة مسابقة تحت اسم ملك التفاوض (الفاشل) لاستحقها عباس عن جدارة واستحقاق، فمنذ عشرين سنة وهو يتقافز من جولة إلى جولة .. ويبوء في كل مرة بفشل ذريع ؛ بدأها بشعر (مميش)، واليوم أمسى شعره كالقطن لمعاناً وبياضاً، ويشهد العالم أنه قد حقق فائدة على المستوى الشخصي ، فقد أصبح نجم (غلاف) لأكثر من مجلة، وضيف (شرف) لأكثر عواصم الدنيا.
وكلما نظرت إليه تذكرت لوحة سليمان منصور الشهيرة (جمل المحامل) التي تخيل فيها فنانناً بحاراً هزيلاً حافياً رث الثياب قد اقتلع القدس مع جبالها وحملها على ظهره ، بعد أن شدها عليه بالحبال ، مع فارق أن عباس يلبس لكل مجلس لبوسا فاخراً ، ويتحدث بكل لسان ... وحتى لا نذهب بعيداً أقول : إن الاستئناف الأخير للمفاوضات لم يحظ بأية موافقة من أي طرف فلسطيني خارج دائرة عباس ! فلأجل من يفاوض ؟ وما الهدف ؟ أما (فلأجل من ؟) فسيكون الجواب : لأجل كل فلسطيني ! وهنا، إن كان ممثلو فلسطينيي الشتات يرفضون، وإن كانت معظم غزة ترفض.
وإن كان ماهر المصري (من رام الله) يرفض وهو المحلل السياسي، فلأجل أي شعب يفاوض عباس ؟ ثم ما الهدف ؟ فإن كان أوباما قد ندم على أنه رفع سقف توقعاته (هكذا) ، وليس خطته وما سيعمل له ، وبالتالي تنصل من وعده الخلاب وبان عجزه ، وإن كان المحافظون الجدد ، أي (المسيحيون التوراتيون) ، هم الذين يديرون أمريكا (الراعية) ، وإن كانت هيلاري أشد صهيونية من نتنياهو ، وإن كانت المستوطنات قد أصبحت مدناً ولم ولن تتوقف ، وإن كان الأمن في يد (دايتون) الأمينة على مملكة يهودا ، وإن كانت (إسرائيل) ترفض (بعزة وشقاق) العودة إلى حدود 4/6/1967 ، وإن كانت يدها الطويلة تصل لأي فلسطيني لتأخذه ولو من حضن أمه ، وإن كانت – ولا تزال – ماضية في تهويد القدس والأقصى وبناء الهيكل في باحاته ، وإن كانت- ولا تزال- تستخف بالشرعية الدولية ! وقراراتها وإلى الأبد ، وإن كانت -ولا تزال- تنظر إلى المبادرة العربية باستهانة وإهمال ، بل ولم تعقب إلا بالموافقة على ما قالته تسيفي بشأنها (لا تساوي الحبر الذي كتبت به) ، وإن كانت ترى في عباس طائعاً مستكيناً لإملاءتها ورغباتها ودلالها ، فيتنازل ويتنازل ويتنازل بعد كل تمنع وحرد ، وإن كانت - ولا تزال- تكسب كل يوم موقعاً وموقفاً وعلى كل صعيد ، وإن كانت لا ترى عباس (عنترا) إلا على حماس ، شاهراً -في وجهها – سيفه ، مستعلياً على أن يحاورها ، ويأبى إلا حصارها ، وقطع أرزاق ذراريها ، ولا تراه إلا قيداً على معاصمها ، سجاناً لمجاهديها ، مطارداً لرافضي الذل والهوان بعد أن كسر بندقيتهم ... وإن كان وإن كان ...
فما الهدف الذي يرجو عباس تحقيقه من التفاوض ؟ إنني أنظر إلى الرجل فأرى وجهه وجهاً من (بلاستيك) وتتملكني الحيرة : أأشفق عليه ، أم أنصح له : اتركها ؟ ولعله يسأل : لمن ؟ لأقول : أطلق الحريات لشعبك ، فهم أكثر منك خبرة في مقارعة الاحتلال ، أطلق سراح المجاهدين يكفوك ما أنت فيه من ضيق وحرج (هذا إن كنت في ضيق وحرج) ، ارجع إلى المؤسسات الحقيقية .. إلى المجلس التشريعي، إلى حكومة تسيير الأعمال (المقالة) ! ارجع إلى الشتات، ارجع إلى المفكرين والصحافيين الذي لا يرتزقون من (دايتون)، ارجع إلى الاتحادات الحقيقية، لا المصنوعة أو المعلبة أو المستنسخة، ارجع إلى العلماء العدول لا إلى تنابلة السلاطين ، وارجع إلى الكتل الفلسطينية بعيداً عن الهتافين والراقصين وجماهير مايكل جاكسون وهيفاء وهبي، ارجع إلى المناضلين الذين ذابت لحومهم من حر الزنازين وبرودتها ، الذين برت القيود والقضبان معاصمهم ، وتقوست منها ظهورهم ، واسمع لكل هؤلاء والتزم بما يقولون ؛ لأنهم هم الشعب الفلسطيني الحقيقي ، لا أولئك الخصيان الذين أثروا بالمال الحرام وغرقوا في الفساد حتى النخاع ...
لا يزال في الوقت متسع ، ولكنه لا يتسع لركعة أخرى بين يدي نتنياهو ، اسأل نفسك : علام أفاوض ، ومع من ، ولأجل من ، وما الهدف ؟ فإن أعياك الجواب فأعد قراءة مقالتي هذهٍ مرة ومرة .
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية