كيف نمنع العمليات الفردية ونحمي حاخامات الاحتلال؟
ساري عرابي
بعد سلسلة العمليات الأخيرة التي نفذها أفراد فلسطينيون من القدس والضفة الغربية، ويستهدفون بها جنود ومستوطني العدو؛ عاد النقاش عن استهداف "مدنيين إسرائيليين"، ومرافق "مدنية" تعود للمجتمع الصهيوني الاستيطاني؛ للظهور من جديد، وخاصة بعد العملية التي جرت في الكنيس اليهودي يوم الثلاثاء الماضي 18/11/2014.
ورغم أن هذا النقاش قديم، وسابق على العمليات الاستشهادية التي اشتهرت مع الشهيد يحيى عياش، وتكثفت في الانتفاضة الثانية؛ فإنه لم يكن يخلو من الوجاهة (العملية) وهو يخاطب الفصائل التي تقود تلك العمليات، بما يعني أن ثمة جهة محددة يمكن مخاطبتها ويبقى توقع استجابتها وقدرتها على ضبط عملياتها أمرًا معقولاً، إلا أن هذه الوجاهة (العملية) لم تعد قائمة والعمليات المتصاعدة هذه الأيام فردية ولا تخضع للتوجهات التنظيمية وتنبثق من عمق المجتمع الذي حدد هوية عدوه ثم كان سلوك الأفراد انعكاسًا لهذا الموقف المجتمعي من (ماهية العدو)، وهو الأمر الذي يعني، وكما حاولنا بيانه في مقالة (أسئلة الحرب والانتفاضة: المقاومة والمجتمع)، أن المقاومة المسلحة، خيار مجتمعي، وليست خيارًا مفروضًا من فصائل المقاومة على المجتمع.
وهذا النقاش، يتولاه ساسة ومثقفون، لكن يفترض أن دوافع المثقف تختلف عن دوافع السياسي لاختلاف المواقع وطبيعة الإكراهات، ولذلك فإن هذه المقالة تتوجه للمثقفين بالدرجة الأولى، والذين بدورهم تختلف دوافعهم فيما بينهم بحسب اختلاف مواقعهم من المقاومة والقضية الفلسطينية، وبحسب ارتباطاتهم السياسية والنفعية، حتى وإن اتحدت مقولاتهم تجاه هذه الموضوعة.
ابتداء فإن هذه المقولات، ومهما كانت دوافعها، تستبطن تسوية بين الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، والمجتمع الصهيوني، وتستبطن تصورًا بانفصال المجتمع عن الدولة داخل الكيان الصهيوني، وبهذا، وبحسب هذا التصور، فإن مشكلة الشعب الفلسطيني مع الدولة الصهيونية بأدواتها العنفية فقط، وليست له أي مشكلة مع المجتمع الصهيوني (الاستيطاني، العنصري، العنفي)، وذلك امتدادًا لموقف سياسي يقر بشرعية "دولة إسرائيل"، سواء كان إقرارًا مبدئيًا، إو إقرارًا انهزاميًا يسلّم بهذا الواقع ويؤمن باستمراره.
والحاصل أن هذا الفصل، الذي يتبرع به بعض العرب والفلسطينيين، في حقيقته غير موجود، ويصادم بداهة الوجود الصهيوني، فقوام الكيان الصهيوني هو المجتمع الصهيوني، فدون هذا المجتمع لا وجود للدولة الصهيونية، لأن الاحتلال القائم في فلسطين لم ينشأ عن عدوان دولة موجودة أصلاً، بل إن هذه الدولة قامت بعد إنجاز صناعة المجتمع الصهيوني وإحلاله في فلسطين، فلا وجود لهذه الدولة إلا في فلسطين حيث المجتمع الصهيوني الذي لا وجود له إلا في فلسطين.
فمن الطبيعي إذن أن يحدد الفلسطيني عدوه في الكيان الصهيوني ببنيته الكاملة دولة ومجتمعًا دون تمييز، إلا إذا كان التمييز جاريًا في مجال الاعتبارات المصلحية لا الأخلاقية، وهو تمييز من الصعب فرضه في حال كانت العمليات فردية كما هو الواقع الآن.
من ناحية أخرى، فإن الحديث عن تمايزات داخل المجتمع الصهيوني بعضها مختلف مع السياسات العدوانية لدولة هذا الكيان بما يوجب على الفلسطيني مراعاتها؛ هو استغراق فظ في المازوشية، فلو سلمنا جدلاً بوجود يهود معارضين لسياسات الكيان نشأت معارضتهم لها مع طول الصراع وعن كونهم وجدوا أنفسهم بحكم التوالد رغمًا عنهم في هذه البلاد، فإن هؤلاء لم يتبلوروا في حالة تمكّن الفلسطيني من معرفتهم وتمييزهم، كما أن طول هذا الصراع لم تنبثق عنه حالة نضالية يهودية تتحالف مع الفلسطينيين ضد المشروع الصهيوني في فلسطين، فالنضال المشترك وحده هو الذي يصدّق مقولة التمايزات المفترضة ويجعل التعامل معها ممكنًا.
وحتمًا؛ فإنه لا بد من وجود أفراد داخل الكيان الصهيوني يعارضون سياسات دولتهم، بل وقد يختلفون مع المشروع الصهيوني نفسه، إلا أنه لا يمكن كبح النضال، أو إخضاع خيارات المجتمع الفلسطيني في نضاله للرفض، لأجل حالات غير متعينة في صورة معروفة للفلسطينيين، ولا يمكن تجنبها طالما أنها ليست متمايزة في صورة من الصور، بل ولا معنى للحديث عنها، إلا إذا تبلورت في حالة نضالية ضد المجتمع الصهيوني أو اشتركت مع الفلسطينيين في نضالهم، وهذا فضلاً عن ضرورات الحرب المؤسفة، والتي يتحمل المسؤولية عنها في صراعنا الكيان الصهيوني وحده.
ولما كان المجتمع الصهيوني المختلق هو أصل الكيان الصهيوني وسبب وجود الدولة الصهيونية في فلسطين، ثم كانت سياسات الدولة التي انبثقت عن هذا المجتمع تقوم على عسكرة المجتمع كله، وتحويله إلى جيش دائم لها، فإنها، أي الدولة الصهيونية، تحوّل كل مرفق "مدني" إلى موقع عسكري، بما يجعل الكيان الصهيوني معسكرًا كبيرًا، ويجعل كل مرافقه "المدنية" أشبه بالمرافق الخدمية (مخابز، مطاعم، عيادات..الخ) الملحقة بمعسكرات الجيش، وهي وحدها من يتحمل النتائج المترتبة على عسكرة المجتمع الصهيوني، والذي يتحمل المسؤوليات الكاملة عن كل ما ينجم عن الصراع بما في ذلك ما يقع في صفوف العدو من خسائر، حتى لو كانت الخسائر في أفراد يعارضون سياسة العدو. وتقرير هذه الحقيقة، والاشتغال على توضيحها أولى وأجدى من الاشتغال على تغيير قناعات المجتمع الفلسطيني في ماهية عدوه.
والأجدر أيضًا؛ البحث في الأسباب التي تجعل الفلسطيني، خاصة المقدسي، يعرّف العدو على النحو الذي دلّت عليه العمليات الفردية الأخيرة، والتي اعتبر فيها الصهاينة كلهم شيئًا واحدًا، وهدفًا لغضبه وانتقامه، خاصة وأنه انطلق بقناعات ذاتية، لا بد وأنها انبثقت عن تجربة ومشاهدات خاصة، لا عن تعبئة حزبية، وهنا لا بد وأن نلحظ أن المجتمع الصهيوني مسلّح بالكامل، فكل فرد يهودي يملك سلاحًا، وهو بهذا يملك أداة إرهاب وتخويف مستمرة، وعلامة عنفية دائمة لتعريف الذات العنصرية وتمييزها عن السكان الأصليين، هذا فضلاً عن أشكال التمييز العنصري الأخرى والتي يعاينها الفلسطيني مباشرة في المجتمع وأفراده، كالتمييز في السكن، وهو من أسوأ أشكال التمييز والاضطهاد، أي قهر الإنسان باستخدام المكان.
وأخيرًا؛ فإن هذه العمليات الفردية أكثر أصالة في التعبير عن الصراع لأنها خالية من أي مؤثرات خارجية، ونابعة من وعي الفرد الفلسطيني بالعدو وطبيعته، وتقديره الذاتي الصرف بمستوى التناقض وأطرافه، ومن إدراك هذا الفلسطيني وملاحظته الدقيقة لسياسات العدو ودلالاتها، وهي بذلك؛ فطرية وتلقائية وتجري في مجرى الصراع الطبيعي الذي لا يمكن أن يحسم إلا بتحرير فلسطين.
ساري عرابي
بعد سلسلة العمليات الأخيرة التي نفذها أفراد فلسطينيون من القدس والضفة الغربية، ويستهدفون بها جنود ومستوطني العدو؛ عاد النقاش عن استهداف "مدنيين إسرائيليين"، ومرافق "مدنية" تعود للمجتمع الصهيوني الاستيطاني؛ للظهور من جديد، وخاصة بعد العملية التي جرت في الكنيس اليهودي يوم الثلاثاء الماضي 18/11/2014.
ورغم أن هذا النقاش قديم، وسابق على العمليات الاستشهادية التي اشتهرت مع الشهيد يحيى عياش، وتكثفت في الانتفاضة الثانية؛ فإنه لم يكن يخلو من الوجاهة (العملية) وهو يخاطب الفصائل التي تقود تلك العمليات، بما يعني أن ثمة جهة محددة يمكن مخاطبتها ويبقى توقع استجابتها وقدرتها على ضبط عملياتها أمرًا معقولاً، إلا أن هذه الوجاهة (العملية) لم تعد قائمة والعمليات المتصاعدة هذه الأيام فردية ولا تخضع للتوجهات التنظيمية وتنبثق من عمق المجتمع الذي حدد هوية عدوه ثم كان سلوك الأفراد انعكاسًا لهذا الموقف المجتمعي من (ماهية العدو)، وهو الأمر الذي يعني، وكما حاولنا بيانه في مقالة (أسئلة الحرب والانتفاضة: المقاومة والمجتمع)، أن المقاومة المسلحة، خيار مجتمعي، وليست خيارًا مفروضًا من فصائل المقاومة على المجتمع.
وهذا النقاش، يتولاه ساسة ومثقفون، لكن يفترض أن دوافع المثقف تختلف عن دوافع السياسي لاختلاف المواقع وطبيعة الإكراهات، ولذلك فإن هذه المقالة تتوجه للمثقفين بالدرجة الأولى، والذين بدورهم تختلف دوافعهم فيما بينهم بحسب اختلاف مواقعهم من المقاومة والقضية الفلسطينية، وبحسب ارتباطاتهم السياسية والنفعية، حتى وإن اتحدت مقولاتهم تجاه هذه الموضوعة.
ابتداء فإن هذه المقولات، ومهما كانت دوافعها، تستبطن تسوية بين الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، والمجتمع الصهيوني، وتستبطن تصورًا بانفصال المجتمع عن الدولة داخل الكيان الصهيوني، وبهذا، وبحسب هذا التصور، فإن مشكلة الشعب الفلسطيني مع الدولة الصهيونية بأدواتها العنفية فقط، وليست له أي مشكلة مع المجتمع الصهيوني (الاستيطاني، العنصري، العنفي)، وذلك امتدادًا لموقف سياسي يقر بشرعية "دولة إسرائيل"، سواء كان إقرارًا مبدئيًا، إو إقرارًا انهزاميًا يسلّم بهذا الواقع ويؤمن باستمراره.
والحاصل أن هذا الفصل، الذي يتبرع به بعض العرب والفلسطينيين، في حقيقته غير موجود، ويصادم بداهة الوجود الصهيوني، فقوام الكيان الصهيوني هو المجتمع الصهيوني، فدون هذا المجتمع لا وجود للدولة الصهيونية، لأن الاحتلال القائم في فلسطين لم ينشأ عن عدوان دولة موجودة أصلاً، بل إن هذه الدولة قامت بعد إنجاز صناعة المجتمع الصهيوني وإحلاله في فلسطين، فلا وجود لهذه الدولة إلا في فلسطين حيث المجتمع الصهيوني الذي لا وجود له إلا في فلسطين.
فمن الطبيعي إذن أن يحدد الفلسطيني عدوه في الكيان الصهيوني ببنيته الكاملة دولة ومجتمعًا دون تمييز، إلا إذا كان التمييز جاريًا في مجال الاعتبارات المصلحية لا الأخلاقية، وهو تمييز من الصعب فرضه في حال كانت العمليات فردية كما هو الواقع الآن.
من ناحية أخرى، فإن الحديث عن تمايزات داخل المجتمع الصهيوني بعضها مختلف مع السياسات العدوانية لدولة هذا الكيان بما يوجب على الفلسطيني مراعاتها؛ هو استغراق فظ في المازوشية، فلو سلمنا جدلاً بوجود يهود معارضين لسياسات الكيان نشأت معارضتهم لها مع طول الصراع وعن كونهم وجدوا أنفسهم بحكم التوالد رغمًا عنهم في هذه البلاد، فإن هؤلاء لم يتبلوروا في حالة تمكّن الفلسطيني من معرفتهم وتمييزهم، كما أن طول هذا الصراع لم تنبثق عنه حالة نضالية يهودية تتحالف مع الفلسطينيين ضد المشروع الصهيوني في فلسطين، فالنضال المشترك وحده هو الذي يصدّق مقولة التمايزات المفترضة ويجعل التعامل معها ممكنًا.
وحتمًا؛ فإنه لا بد من وجود أفراد داخل الكيان الصهيوني يعارضون سياسات دولتهم، بل وقد يختلفون مع المشروع الصهيوني نفسه، إلا أنه لا يمكن كبح النضال، أو إخضاع خيارات المجتمع الفلسطيني في نضاله للرفض، لأجل حالات غير متعينة في صورة معروفة للفلسطينيين، ولا يمكن تجنبها طالما أنها ليست متمايزة في صورة من الصور، بل ولا معنى للحديث عنها، إلا إذا تبلورت في حالة نضالية ضد المجتمع الصهيوني أو اشتركت مع الفلسطينيين في نضالهم، وهذا فضلاً عن ضرورات الحرب المؤسفة، والتي يتحمل المسؤولية عنها في صراعنا الكيان الصهيوني وحده.
ولما كان المجتمع الصهيوني المختلق هو أصل الكيان الصهيوني وسبب وجود الدولة الصهيونية في فلسطين، ثم كانت سياسات الدولة التي انبثقت عن هذا المجتمع تقوم على عسكرة المجتمع كله، وتحويله إلى جيش دائم لها، فإنها، أي الدولة الصهيونية، تحوّل كل مرفق "مدني" إلى موقع عسكري، بما يجعل الكيان الصهيوني معسكرًا كبيرًا، ويجعل كل مرافقه "المدنية" أشبه بالمرافق الخدمية (مخابز، مطاعم، عيادات..الخ) الملحقة بمعسكرات الجيش، وهي وحدها من يتحمل النتائج المترتبة على عسكرة المجتمع الصهيوني، والذي يتحمل المسؤوليات الكاملة عن كل ما ينجم عن الصراع بما في ذلك ما يقع في صفوف العدو من خسائر، حتى لو كانت الخسائر في أفراد يعارضون سياسة العدو. وتقرير هذه الحقيقة، والاشتغال على توضيحها أولى وأجدى من الاشتغال على تغيير قناعات المجتمع الفلسطيني في ماهية عدوه.
والأجدر أيضًا؛ البحث في الأسباب التي تجعل الفلسطيني، خاصة المقدسي، يعرّف العدو على النحو الذي دلّت عليه العمليات الفردية الأخيرة، والتي اعتبر فيها الصهاينة كلهم شيئًا واحدًا، وهدفًا لغضبه وانتقامه، خاصة وأنه انطلق بقناعات ذاتية، لا بد وأنها انبثقت عن تجربة ومشاهدات خاصة، لا عن تعبئة حزبية، وهنا لا بد وأن نلحظ أن المجتمع الصهيوني مسلّح بالكامل، فكل فرد يهودي يملك سلاحًا، وهو بهذا يملك أداة إرهاب وتخويف مستمرة، وعلامة عنفية دائمة لتعريف الذات العنصرية وتمييزها عن السكان الأصليين، هذا فضلاً عن أشكال التمييز العنصري الأخرى والتي يعاينها الفلسطيني مباشرة في المجتمع وأفراده، كالتمييز في السكن، وهو من أسوأ أشكال التمييز والاضطهاد، أي قهر الإنسان باستخدام المكان.
وأخيرًا؛ فإن هذه العمليات الفردية أكثر أصالة في التعبير عن الصراع لأنها خالية من أي مؤثرات خارجية، ونابعة من وعي الفرد الفلسطيني بالعدو وطبيعته، وتقديره الذاتي الصرف بمستوى التناقض وأطرافه، ومن إدراك هذا الفلسطيني وملاحظته الدقيقة لسياسات العدو ودلالاتها، وهي بذلك؛ فطرية وتلقائية وتجري في مجرى الصراع الطبيعي الذي لا يمكن أن يحسم إلا بتحرير فلسطين.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية