لا تمنحوا السلام فرصة
د. عصام عدوان
لطالما قال البعض: "امنحوا السلام فرصة". فلمن نمنح السلام؟ وهل يستحق منا السلام مَن اغتصب أرضنا وقَتَل أبناءنا ونَهَب ثرواتنا وشرَّد أهلنا ولاحقنا بإرهابه في كل الميادين؟ أَوَليست المقاومة هي قانون المحتل؟ ألم تقاوِم كل شعوب الأرض التي خضعت لسيطرة المستعمِر، واستمرت في مقاومتها بكل القوة التي أوتيت حتى نالت استقلالها رغم أنف المحتل؟ أنحن بدعاً من الأمم، ألا يليق بنا أن نُخرِج المحتل من أرضنا رغم أنفه؟ لماذا يُطلب منا أن نمنح عدونا السلام؟ وأين نمنحه السلام؟ هل نمنحه سلاماً على أرضنا التي اغتصبها؟ هل نمنحه سلاماً ولازال لاجئونا مشردين في الأرض بعيداً عن ديارهم؟ ألا يرى دعاة السلام مع العدو، وهذه حاله، أننا حقيقة نستسلم له ونقبل به.
إن الخبرات البشرية المتراكمة في مجال مقاومة المحتل بكل الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح، أصبحت قواعد ونواميس لا حَيْدة عنها. ومن سار عكس هذا التيار ضلَّ الطريق وتاهت به السُبُل. إن أكثر من ثلاثة أرباع العالم وقع تحت الاستعمار لفترات متفاوتة. جميع هذه البلاد تحررت بالكفاح المسلح عبر فترات زمنية متفاوتة، ولم يمنح أيٌّ منها عدوه السلام على أرضه. أَتُرانا أقل من الناس شأناً؟ أَوَلسنا في أرض الله المباركة التي يسوق إليها خيرته من عباده كما أخبر بذلك رسول الله .
لقد جربت منظمة التحرير الفلسطينية الخوْض في المسار السلمي منذ عام 1974م، واعترفت بالعدو وبحقه في الأمن في عام 1988م، ووقّعت مع اتفاقاً بهذا الخصوص في أوسلو عام 1993م، وانتقلت من مفاوضات إلى مفاوضات حتى هذه اللحظة. فماذا جَلَبت منظمة التحرير لشعبها غير الذلة والمهانة، وتقديم الاعتراف بالعدو على طبق من ذهب، وحملت عنه أعباء إدارة الأراضي المحتلة، ونسَّقت معه أمنياً. فماذا ننتظر للحكم على مسيرة السلام؟ لقد صرَّح زعماء عرب وأمين الجامعة العربية، وبعض قيادات منظمة التحرير بخيبة أملهم في هذه المفاوضات. وتأكَّد للجميع مراوَغة العدو وسعيه لكسب الوقت. أليس الوقت مناسباً لإجراء مراجعة وطنية وعربية شاملة، تصوِّب المسار المنحرف، وتعيد الاعتبار للمقاومة المسلحة التي تُرهِق العدو وتستنزفه حتى يأتي اليوم الذي ننتصر فيه على هذا العدو؟!
إن الفلسطينيين ليسوا بحاجة إلى سلام مع عدوهم، بل هم بحاجة ماسة لحليف عربي يسندهم، ويُقدِّم لهم العوْن المادي والمعنوي، ويزوِّدهم بالسلام. وإن على الفلسطينيين، وعلى المقاومة الفلسطينية، العمل على تطوير الأوضاع الميدانية بما يفسح المجال أمام التغيرات في المنطقة العربية لصالح المفاصلة العسكرية على أرض فلسطين. ولنا موعد مع النصر، قرره ربُّ العالمين في سورة الإسراء. ونحن على ثقة ويقين بهذا النصر. قال تعالى: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) (سورة الحج: 15)
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية