لا حوار ولا مصالحة
عبد المجيد زيدان
مررنا خلال الأربعة أعوام الماضية بجولات عديدة واستنفارات عديدة لملف المصالحة الداخلية، ومن خلال هذه الجولات فادحة الفشل بات محسوما بأن حركة فتح وسلطتها ليسوا اصحاب اهتمام او غرام بتلك الجولات المترهلة، واظهرت هذه الجولات محاولة لجر حركة حماس الى مستنقع الشذوذ عن المبادئ بعد ان فشلوا في تحقيق ذلك من خلال السماح لحماس بالمشاركة في انتخابات المجلس التشريعي الاخيرة، كل جولات الحوار تلك اثبتت المكر الفتحاوي في التعاطي مع ملف المصالحة، فاعتقد انه بات واضحا بأن حركة فتح تستخدم هذا الملف للخروج من الزاوية واحدا بعد الاخر، فحين فضحتهم جريمة تقرير غولدستون رأينا الهمة الفتحاوية تطير فورا الى ملف المصالحة وتحرك موضوعها لفترة ومن ثم يؤدي تعنتها ـ المقصود ـ الى افشال كل الجهود المبذولة، وحين فضحتهم وثائق الجزيرة واحسوا بلهيب التغيير العربي الذي يدب كالنار في الهشيم طاروا الى ملف المصالحة، وقبل ذلك حين فضحهم عرابهم الحسيني ايضا قفزوا الى المصالحة، فما كانت تدب الحياة في ملف المصالحة الا لخدمة مصالح فتح وسلطتها ولإخراجها من الورطات التي توقع نفسها فيها.
هذا الاستخدام المشوه لملف المصالحة جدير بأن يقود تفكير حركة حماس الى وضع حد لهذه التصرفات، هي قدمت خطوة عملية ولكنها غير مشبعة حين اتخذت قرارا بعدم تحقيق المصالحة في ظل وجود التنسيق الأمني والاعتقال السياسي ومحاربة المقاومة، ولكنها كانت تقبل بجولات حوار في ظل هذا الوضع الراهن من السوءات، مستندة الى ان المشاركة في جولات حوار لا يعني تحقيق المصالحة فمن دعاني الى الحوار يجب ان اجيبه، لنعتبر ان حماس برئت الى الله ورفعت عنها الحرج امام شعبها بمثل هذا القرار فلم تدع مجالا للتشكيك في نيتها الصادقة تجاه ملف المصالحة، ومع كل ذلك لا زالت تواجه بنفس النفس الفتحاوي وبنفس طريقة ادارة هذا الملف بحيث لا يزال يستغل لصالح فريق اوسلو ونهجه، وهنا والآن وجب على حركة حماس ان تعيد التفكير في هذا القرار فتتوجه الى الانسحاب من كافة جولات الحوار حتى تحقيق مطالبها الشرعية كإنهاء ملف الاعتقال السياسي والافراج عن كافة المعتقلين السياسيين، هذا كخطوة اولى تعبر عن حسن نية حقيقية تجاه الحركة، ومن ثم التوجه الى مصيبة التنسيق الامني والتي تعتبر افرازا من افرازات اتفاق الذل المعروف باتفاق اوسلو المقيت والذي من المفروض ان تنتهي بانتهائه عمليات ملاحقة المقاومة وبالتالي انتهاء ملاحقة حركة حماس بشكل نهائي، كل ذلك يجب ان ينتهي ليصل الى درجة الصفر بل الصفر المطلق، هذه هي المصالحة وهذه هي فلسفة أي اصلاح بين أي مختلفين.
حين تنهي حركة فتح ملف الاعتقال السياسي وملف التنسيق الامني، حينها وحينها فقط نقول لحماس تقدمي الى المصالحة ومدي يدك وصافحي فتح بكل رحابة صدر، اما ان يقف المجرم على ظهري ويدوس رقبتي ويقول اخي اين انت الا تريد مصالحة؟ هنا أي مصالحة هذه التي ارجوها منه وهو ارعن يتسلق ويعلو الى مكانة ليست له حين يدعي حب المصالحة، وحين يدعي حماية المشروع الوطني، أي مشروع هذا الذي تحميه وما انت الا حلقة من حلقات محتلي هذا الوطن، هذه هي الفلسفة التي يجب ان تقمع وتجتث من اصلها، فلسفة المجانين، يضربونك بيد ويمدون الاخرى للسلام والمصافحة.
الآن حماس مطالبة بوضع حد لهذا الاستخفاف الفتحاوي، وخاصة بعد ان برئت الى الله ومن ثم الى شعبها وقدمت كل ما تقدر عليه، بل وأكثر من ذلك، حين تنازلت عن بعض حقوقها وحقوق انصارها ومشاعرهم وحياتهم ووظائفهم وارزاقهم وقدمت تسهيلات كثيرة مقابل وأد هذا الشرخ الذي اصاب العمل الوطني، حماس الآن قادرة على انفاذ قرار جري بإيقاف هذا اللهو الفتحاوي بملف المصالحة، وابراز موقف لا تراجع عنه بأن لا مصالحة ولا حوار اصلا قبل ايصال الحقوق الى اصحابها، وحماس هنا صاحبة حق بإنهاء معاناة الآلاف من انصارها وكوادرها في الضفة.
قد يقول قائل قد تغيرت الظروف وتبدلت جراء موجة التغييرات على الساحة العربية وخاصة المصرية، وهنا لا شك بأن هذه التغييرات ستصب في صالح القضية الفلسطينية بشكل عام وفي صالح ملف المصالحة بشكل خاص، ولكن سلطة تستمد دعمها ووقود سيرها من امريكا واسرائيل وتتعامل معهما في ادق الملفات واكثرها حساسية كملف الامن، سلطة كهذه لا تملك من امرها شيئا وان ملكت فحياتها مرهونة باستمرارها في نهجها الحالي لا نستطيع ان نتفاءل معها ونتوقع منها الكثير، لذلك ان لم تتعامل معها حماس بصرامة اكثر لن تتقدم شبرا في موضوع المصالحة، ويدلل على ذلك ما وصلت اليه جولات الحوار الماضية حين تقدمت اكثر من كل مرة وقاربت على الانتهاء وتم التوافق على الملفات العالقة، حتى وصلوا الى ملف الأمن، توقفوا عنده وقالوا هذا ملف لا يمكن فتحه ولا مجال للنقاش فيه، كيف لا يمكن فتحه وهو القصة من الفها الى يائها، كيف لا يمكن نقاشه وهو المضغة التي ان صلحت صلح الجسد الفلسطيني كله وان فسدت فسد الجسد بأكمله ولا خير في صالح غيره ما دام هذا فاسدا.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية