لا معالي ولا وزير.. فقد طف الصاع
عبد اللطيف وليد
"طفّ الصاع".. جملة تستخدم بمعنى "طفح الكيل".
المهم، ربما كتب البعض ناصحاً وواعظاً، ولربما كتب البعض الآخر مرشداً ومبياً، ولعل صنفٌ ثالثٌ كتب مهدداً ومتوعداً، ولست أدري إلى أي الأصناف أنتمي اليوم.
ولست أدري في واقع الأمر كيف هو طعم الظلم؛ غير أني متيقن أنه مرٌ أمر من العلقم، كما أنني متيقن أن أناسا كثرٌ ذاقوا ذاك الطعم ولربما ألفوه، ولكن هل يؤلف الظلم؟!.
ربما يصبر ويتصبر المرأ على الظلم، ولكني أشك في أن إنسانا أياً كان قادرٌ على أن يألف الظلم ويخاللـه، ولكن هل هناك ما هو أمرّ وأنكى من الظلم؟ في الحقية نعم؛ إنه الظلم أيضاً غير أنه ظلم ذوي القربى (ولو أني لا أرى فيمن باع وخان وفرط وضيع أي صلة قربى ولو كان من لحمي ودمي).
في الحقيقة أنا لا أقول الطلاسم، ولا أحكي ألغازاً، ولكنه الزمان الذي يصبح فيه الحليم حيراناً على ما يبدو، فكيف بمن هم في مثل حالي؟! عندها ستكون الحيرة أوقع وأشد.
حاولت طيلة ليلة أمس (للأمانة أني لم أتمكن من النوم إلاّ قليلاً لفرط ما فكرت في الأمر)، حاولت أن أفهم كيف يمنع خطيب المسجد الأقصى ورئيس رابطة علماء فلسطين من الخطابة؟! في الحقيقة أنها معادلة صعبة محيرة، غير أنّا على ما يبدو بتنا في بلاد هي أعجب من العجائب، وهل يتوقع غير ذلك من الرويبضة يوم أن يتولى؟!.
أعرف أناساً بعينهم يتمنى الواحد منهم لو يحظى بشرف الجلوس بين يدي الشيخ (حامد البيتاوي) –حفظه الله- يأخذ عنه ويتعلم، وينهل من معينه الفيّاض، ويا لله كم ارتجت المنابر من تحت الرجل، ويا لله كم من نفوس أُلهبت حماستها واتقدت عزيمتها لمجرد سماع موعظة أو خطبة منه، ولعلي لن أنسى أبداً كم مرة بكّرت فيها لصلاة الجمعة علّني أحظى بفرصة الصلاة داخل المسجد والاستماع للشيخ عن قرب، ولكني في كل مرة كنت أصلي على الرصيف!.
محمود الهبّاش (بالمناسبة: رجعت إلى أكثر من معجم للغة فوجدت أن للهباش معنى الجَمْع، جمع المال من الناس والتكسب منهم) ولعمري إنك ما جاوزت ذلك أيها (الهبّاش).
بطبيعة الحال، ظن الرجل أن شخصاً مثل الشيخ يمكن أن يُسكت صوته لو منع من المنابر، أولم يعلم الرجل أن الفكر لا ينطفئ نوره ولا تخبو ناره؟! عجيب أنت أيها (الهبّاش) أولم تقرأ التاريخ؟ ألا يمكنك أن تتنبأ كيف يمكن أن تكون نهايتك؟! لقد قرأت في أكثر من كتاب من كتب التاريخ؛ قرأت الكثير عمن هم أمثالك، وصدقني أني وجدتهم يجمعون على نهاية واحدة، نهاية لا يختارونها هم بأنفسهم وإنمّا تفرضها عليهم الأقدار وسنن الكون.
أظنك لو تدبرت قليلاً لرأيت نهايتك رأي العين، ولا يغرنك الدهر ولا الحال، فو الله لو مدحك المادحون، وتشدق لك المتشدقون، لما جاوزت أن تكون كـ (بلعان بن باعوراء)، بل إن الذن اعتدوا في السبت لأرفع منك درجة، (بالمناسبة: بلعان كان أحد أكبر عبّاد بني إسرائيل غير أنه غُرّ واغْتر وانتفش وافتخر وعلا وتجبّر فأذله المذل الذي لايقهر).
أولم تقرأ يا هذا قوله تعالى: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"؟ فو الله ما أرى ما تقوم به وتقدم عليه إلا من السعي في خرابها، فهنيئاً لك الخوف والخزي في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.
فلسطين أرضٌ طاهرةٌ نقية، تلفظ خبها.. وتقذف شررها.. وتلقى حممها.. وما أرى هذه الحمم إلا آتية لا محالة، رأيت فيما يرى النائم أن شوكاً قد تطاول وعلا واشرأب.. حتى سد الطريق.. وصار يؤذي كل من غدا وراح.. لا يفرق بين رجل وامرأة.. أو طفل وشيخ.. وظل على حاله.. حتى جاء رجل حكيم فألقى بعود من الثقاب أتى على الشوك كله.. ولم يبق منه سوى رماد ما لبث وأن ذرته الرياح.
و"السعيد من اتعظ بغيره".. و"اللبيب من الإشارة يفهم".. وما أظن أن فيكم لبيبا.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية