لصوص الآثار.. تجار الوطن
صلاح حميدة
تملأ المواقع الأثرية فلسطين و محيطها، فيما يعتبر الاهتمام بالآثار في مجتمعنا اهتماماً ثانوياً من ناحية الاهتمام الايجابي، فالاهتمام ينصب فقط وبشكل حصري على المواقع الدينية الأثرية الرئيسية، وعدد محدود من المواقع الأثرية التاريخية الاخرى، اما فيما عدى ذلك فالاهتمام يكون سلبياً، ليس فقط بالاهمال، ولكن ايضا بالمشاركة في نبش وسرقة هذه الآثار وبيعها لعصابات تهريب دولية وغالبا تكون يهودية أو صهيونية الطابع.
ينشط لصوص الآثار على امتداد الاراضي الفلسطينية، ومنذ طفولتنا ونحن نعرف ان فلان لص آثار، وتنسج روايات خيالية حول ثراء فلان من سرقة ونبش الآثار، ولذلك تجد أن الكثير من الطامحين والحالمين ينشطون في النبش والسرقة.
انتقلت مهنة نبش وسرقة الآثار الى ظاهرة بسبب حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي الذي تعيشه فلسطين، بالاضافة إلى الاوضاع الاقتصادية المأساوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، فالفقر والبطالة والرغبة بالثراء السريع دفعت جموعا هائلة من مختلف الفئات العمرية ليمتهنوا هذه المهنة، واصبح من النادر ان تجد موقعا اثرياً فلسطينياً غير منبوش، في غياب شبه كامل لسلطة القانون والمحاسبة لهؤلاء الاشخاص الذين يدمرون التاريخ والجغرافيا الفلسطينيةـ ويقتلعونها من جذورها.
من خلال متابعتي لهكذا ظاهرة لم أجد أنَّ من يمتهنونها قد اغتنوا، فاغلبهم تسمع منهم كلاماً خرافياً يخرج من افواههم حول وجود كنوز من الذهب ولكن الكنز تحت معسكر للجيش الاسرائيلي، أو أنَّ جِنِّيَّاً يحمي الكنز ويكون بابه أمامك ولا تراه؟!.
كما يلحظ المراقب لسلوكيات أغلب هؤلاء أنَّ امراضا نفسية وجسدية تصيبهم نتيجة للعمل المتواصل في اماكن مغلقة ومعتمة ليلاً وبظروف تهوية سيئة للغاية وفي مقابر أثرية، كما أنه يلحظ ان تصرفاتهم تشبه تصرفات المافيا نتيجة لخوفهم الكبير من الاعتقال أثناء قيامهم بسرقة الآثار وخوفهم وتوجسهم من الخيانة من زملائهم اثناء المتاجرة بالمسروقات الأثرية.
وتتاجر في الآثار غالباً مافيا دولية، وتجاوزت تلك المافيا حدود التجارة بالآثار إلى عمليات نصب منظمة على الباحثين عن الثراء السريع من تجار الذهب والصرافين وكبار التجار، عبر ادعاء المافيا أنهم وجدوا تماثيل ذهب أو عملات ذهبية بكميات ضخمة في مناطق معينة أو في دولة مجاورة، وأنّه يتوجب أن يحضر التاجر المال معه لعقد الصفقة وقبض المال، وانتهت الكثير من تلك الصفقات بمحاولات قتل وسرقة.
و لهؤلاء الأشخاص ارتباطات بتجار ومهربين محليين واسرائيليين ودوليين، يزودونهم بكتب عليها صور لآثار وتسعيرة كل قطعة أثرية بجانبها، وان الاغلى ثمنا هي قطعة الآثار اليهودية؟!، وهذا يدلل على الطبيعة الصهيونية المحركة والداعمة لهذة السرقة المنظمة للآثار الفلسطينية، وأنّ امتهان هذه المهنة يوازي بيع الوطن ببيع تاريخه وآثارة للاحتلال، مما يجعلها في مصاف الخيانة العظمى.
هناك استهداف آخر للآثار من خلال التساهل في هدمها والبناء عليها، فيوجد الكثير من الحالات التي هدمت فيها مواقع أثرية هامة وبنيت فوقها مؤسسات وأبنية خاصة مكانها، وهذه ظاهرة تتوسع وتتقلص وفقاً لثبات الوضع السياسي والاستقرار الأمني.
يقوم هؤلاء اللصوص بنبش عشوائي للمواقع الأثرية ويدمرون وهم لا يعلمون تلك المواقع والتي تعبر كل طبقة فيها عن فترة تاريخية وحضارية معينة، كما انهم يضيعون القيمة التاريخية والمعرفة الأثرية لهذه المواقع، ويحرمون الدارسين والباحثين والخبراء من مادة علمية مهمة لدراسة التاريخ الحضاري لفلسطين، إضافةً الى ان هذا التدمير والنهب والسرقة يتم بشكل كامل لصالح الاحتلال الاسرائيلي الذي يهمه تدمير الحاضر والماضي والمستقبل الفلسطيني.
تعتبر محاربة هذه الظاهرة من الامور الشاقة والصعبة، في ظل البطالة والفقر والحصار، اضافة الى قلة الوعي باهمية الحفاظ على هذه المواقع، كما ان أغلب هذه المواقع تقع في مناطق نائية وبعيدة عن المواقع الآهلة بالسكان الفلسطينيين، وبالتالي غيابها عن الاعين الرقابية، فضلا عن وقوعها في مناطق تخضع كليا للسيطرة الامنية الاسرائيلية.
لمحاربة هذه الظاهرة لا بد من زيادة التثقيف المجتمعي حول اهمية المحافظة على الآثار، اضافة الى تبيين المخاطر النفسية والجسدية على سارقي الآثار، والقيام بحملة دعائية يشارك فيها من كانوا يسرقون الآثار واصيبوا بامراض نفسية وتنفسية مختلفة، وبالمحصلة لم يحصلوا على المردود المادي الذي كانوا يطمحون اليه.
ولا بد من تأهيل هؤلاء ليقوموا بأعمال مفيدة ومنتجة تخدمهم وتخدم المجتمع على حد سواء، تمكنهم من العيش بكرامة هم وعائلاتهم، لانه كما اسلفنا ان من اهم اسباب هذه الظاهرة هو الفقر والبطالة.
ومن المهم أن تتم تنمية الوعي الفردي بواجب كل مواطن لحماية التراث والآثار من خطر السرقة والنهب وتبيان أهمية محاربة ذلك كواجب وطني لا يقل عن دور المقاتل في الميدان والمزارع في ارضه، اضافة الى التركيز على ان هذه السرقة تتم لصالح الاحتلال وتعتبر صنفا من صنوف الخيانة.
يضاف ذلك الى الملاحقة الأمنية المكثفة للصوص والتجار ومن يساعدهم ومن يحميهم على حد سواء وعدم التساهل قضائيا مع هؤلاء، وتشديد الاحكام بحقهم، واعتبار جريمتهم جريمة أمن قومي لخطورتها.
صلاح حميدة
تملأ المواقع الأثرية فلسطين و محيطها، فيما يعتبر الاهتمام بالآثار في مجتمعنا اهتماماً ثانوياً من ناحية الاهتمام الايجابي، فالاهتمام ينصب فقط وبشكل حصري على المواقع الدينية الأثرية الرئيسية، وعدد محدود من المواقع الأثرية التاريخية الاخرى، اما فيما عدى ذلك فالاهتمام يكون سلبياً، ليس فقط بالاهمال، ولكن ايضا بالمشاركة في نبش وسرقة هذه الآثار وبيعها لعصابات تهريب دولية وغالبا تكون يهودية أو صهيونية الطابع.
ينشط لصوص الآثار على امتداد الاراضي الفلسطينية، ومنذ طفولتنا ونحن نعرف ان فلان لص آثار، وتنسج روايات خيالية حول ثراء فلان من سرقة ونبش الآثار، ولذلك تجد أن الكثير من الطامحين والحالمين ينشطون في النبش والسرقة.
انتقلت مهنة نبش وسرقة الآثار الى ظاهرة بسبب حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي الذي تعيشه فلسطين، بالاضافة إلى الاوضاع الاقتصادية المأساوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، فالفقر والبطالة والرغبة بالثراء السريع دفعت جموعا هائلة من مختلف الفئات العمرية ليمتهنوا هذه المهنة، واصبح من النادر ان تجد موقعا اثرياً فلسطينياً غير منبوش، في غياب شبه كامل لسلطة القانون والمحاسبة لهؤلاء الاشخاص الذين يدمرون التاريخ والجغرافيا الفلسطينيةـ ويقتلعونها من جذورها.
من خلال متابعتي لهكذا ظاهرة لم أجد أنَّ من يمتهنونها قد اغتنوا، فاغلبهم تسمع منهم كلاماً خرافياً يخرج من افواههم حول وجود كنوز من الذهب ولكن الكنز تحت معسكر للجيش الاسرائيلي، أو أنَّ جِنِّيَّاً يحمي الكنز ويكون بابه أمامك ولا تراه؟!.
كما يلحظ المراقب لسلوكيات أغلب هؤلاء أنَّ امراضا نفسية وجسدية تصيبهم نتيجة للعمل المتواصل في اماكن مغلقة ومعتمة ليلاً وبظروف تهوية سيئة للغاية وفي مقابر أثرية، كما أنه يلحظ ان تصرفاتهم تشبه تصرفات المافيا نتيجة لخوفهم الكبير من الاعتقال أثناء قيامهم بسرقة الآثار وخوفهم وتوجسهم من الخيانة من زملائهم اثناء المتاجرة بالمسروقات الأثرية.
وتتاجر في الآثار غالباً مافيا دولية، وتجاوزت تلك المافيا حدود التجارة بالآثار إلى عمليات نصب منظمة على الباحثين عن الثراء السريع من تجار الذهب والصرافين وكبار التجار، عبر ادعاء المافيا أنهم وجدوا تماثيل ذهب أو عملات ذهبية بكميات ضخمة في مناطق معينة أو في دولة مجاورة، وأنّه يتوجب أن يحضر التاجر المال معه لعقد الصفقة وقبض المال، وانتهت الكثير من تلك الصفقات بمحاولات قتل وسرقة.
و لهؤلاء الأشخاص ارتباطات بتجار ومهربين محليين واسرائيليين ودوليين، يزودونهم بكتب عليها صور لآثار وتسعيرة كل قطعة أثرية بجانبها، وان الاغلى ثمنا هي قطعة الآثار اليهودية؟!، وهذا يدلل على الطبيعة الصهيونية المحركة والداعمة لهذة السرقة المنظمة للآثار الفلسطينية، وأنّ امتهان هذه المهنة يوازي بيع الوطن ببيع تاريخه وآثارة للاحتلال، مما يجعلها في مصاف الخيانة العظمى.
هناك استهداف آخر للآثار من خلال التساهل في هدمها والبناء عليها، فيوجد الكثير من الحالات التي هدمت فيها مواقع أثرية هامة وبنيت فوقها مؤسسات وأبنية خاصة مكانها، وهذه ظاهرة تتوسع وتتقلص وفقاً لثبات الوضع السياسي والاستقرار الأمني.
يقوم هؤلاء اللصوص بنبش عشوائي للمواقع الأثرية ويدمرون وهم لا يعلمون تلك المواقع والتي تعبر كل طبقة فيها عن فترة تاريخية وحضارية معينة، كما انهم يضيعون القيمة التاريخية والمعرفة الأثرية لهذه المواقع، ويحرمون الدارسين والباحثين والخبراء من مادة علمية مهمة لدراسة التاريخ الحضاري لفلسطين، إضافةً الى ان هذا التدمير والنهب والسرقة يتم بشكل كامل لصالح الاحتلال الاسرائيلي الذي يهمه تدمير الحاضر والماضي والمستقبل الفلسطيني.
تعتبر محاربة هذه الظاهرة من الامور الشاقة والصعبة، في ظل البطالة والفقر والحصار، اضافة الى قلة الوعي باهمية الحفاظ على هذه المواقع، كما ان أغلب هذه المواقع تقع في مناطق نائية وبعيدة عن المواقع الآهلة بالسكان الفلسطينيين، وبالتالي غيابها عن الاعين الرقابية، فضلا عن وقوعها في مناطق تخضع كليا للسيطرة الامنية الاسرائيلية.
لمحاربة هذه الظاهرة لا بد من زيادة التثقيف المجتمعي حول اهمية المحافظة على الآثار، اضافة الى تبيين المخاطر النفسية والجسدية على سارقي الآثار، والقيام بحملة دعائية يشارك فيها من كانوا يسرقون الآثار واصيبوا بامراض نفسية وتنفسية مختلفة، وبالمحصلة لم يحصلوا على المردود المادي الذي كانوا يطمحون اليه.
ولا بد من تأهيل هؤلاء ليقوموا بأعمال مفيدة ومنتجة تخدمهم وتخدم المجتمع على حد سواء، تمكنهم من العيش بكرامة هم وعائلاتهم، لانه كما اسلفنا ان من اهم اسباب هذه الظاهرة هو الفقر والبطالة.
ومن المهم أن تتم تنمية الوعي الفردي بواجب كل مواطن لحماية التراث والآثار من خطر السرقة والنهب وتبيان أهمية محاربة ذلك كواجب وطني لا يقل عن دور المقاتل في الميدان والمزارع في ارضه، اضافة الى التركيز على ان هذه السرقة تتم لصالح الاحتلال وتعتبر صنفا من صنوف الخيانة.
يضاف ذلك الى الملاحقة الأمنية المكثفة للصوص والتجار ومن يساعدهم ومن يحميهم على حد سواء وعدم التساهل قضائيا مع هؤلاء، وتشديد الاحكام بحقهم، واعتبار جريمتهم جريمة أمن قومي لخطورتها.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية