لطفي: ثلاثة أخطار تحدق بالأقصى

السبت 01 أغسطس 2015


لطفي: ثلاثة أخطار تحدق بالأقصى

رأى مدير مركز الدراسات المعاصرة في مدينة أم الفحم المحتلة، صالح لطفي، أن الاقتحامات الأخيرة للمسجد الأقصى والانتهاكات المتكررة للمقدسات تتساوق وتطور الفكري الديني الحاريدي لدى المستوطنين من أتباع المدرسة الدينية لمدرسة الحاخام كوك.

وحسب لطفي؛ الذي تحدث في حوار مع "المركز الفلسطيني للإعلام"، فإن "الحاخام" كوك والذي جمع بين الدين والسياسة، جيّر الدين لصالح السياسة كما جَيّر السياسة لصالح الدين، فوفقاً للمنظور الديني القومي القادم من هذه المدرسة فهناك إباحة باقتحام المسجد الأقصى المبارك بكل أروقته وساحاته سوى قبة الصخرة ومحيطها باعتبارها صخرة قدس الأقداس.

وفيما يلي نص المقابلة:

* ما هي دلالات أسلوب الاقتحامات الجديد الذي يستخدمه الاحتلال والمستوطنون والتمادي في استخدام القوة؟

الخلفية العقدية الفكرية عاظمت في السنوات الأخيرة المطالب بضرورة تقسيم المسجد الأقصى على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل، ولو نظرنا من منظار تاريخي إلى طريقة عملهم واقتحاماتهم سنجد أنها ارتبطت بثلاثة عوامل داخلية تخصّ الصهيونية وعلاقاتها باليهودية:

1- تغلغل الفكرة -فكرة اقتحامات الأقصى- إلى العمق السياسي الإسرائيلي، وشكل اقتحام شارون للأقصى عام 2000 علامة فارقة في تاريخ العلاقة بين المؤسسة الإسرائيلية والمسجد الأقصى المبارك.

2- تغلغل الفكرة بين شباب التلال من جهة والمتدينين عموماً في الشارع الإسرائيلي.

3- حماية السلطة الإسرائيلية للمقتحمين.

والجديد في هذه الاقتحامات خمسة أشياء:

1- تعاظم الدور الرسمي وعلنيّته؛ بضرورة اقتحام المسجد الأقصى، بل والمشاركة فيه.

2- قوننة الاقتحامات، وحماية المقتحمين قانونياً.

3- استعمال الوحدات الخاصة والقناصة في اقتحاماتها  للمسجد الأقصى.

4- استهداف النساء والأطفال والضرب بيد من حديد وتعمد إهانتهن.

5- حملات الاعتقالات في صفوف المصلين طمعاً في منع الشباب والنساء من الدخول.

6- خلق حالة من الخوف بين الفلسطينيين المصلين، ومن ثم التراجع عن مواجهة هذه السياسات.

*هل نمرّ الآن بمرحلة ما قبل القيام بخطوات أكثر حساسية فيما يخص مستقبل الأقصى؟

 نحن نمر في مرحلة تصعيدية تراكمية بنتها قوى الاحتلال منذ عام 2000م.

ثمة ثلاث ملاحظات من الضرورة التنبّه لها ونحن بصدد الإجابة على هذا السؤال:


1- استعداد المستوطنين للاشتباك مع المصلين تحت حماية الشرطة لفظيًّا وكَيل السّباب والشتائم للمصلين وللنبي الأعز الأكرم محمد رسول الله، وللدين الاسلامي. في المقابل خلق هذا الأمر حالة تحدٍّ غير مسبوقة لدى المصلين وخاصة المرابطين وروّاد الأقصى من المقادسة.

2- ازدياد الدور الإعلامي الإسرائيلي "العلماني" في مسألتي المطالبة بصلاة اليهود في ساحات الأقصى وتقسيمه.

3- مطالبة شخصيات موجودة في مفاصل القرار السياسي الإسرائيلي وشريكة في الحكومة الراهنة بتقسيم المسجد رسمياً، وفصل المسلمين عن اليهود وبناء الهيكل المزعوم.

بناءً على ما سبق، ستكون هناك خطوة تصعيدية إضافية يقوم بها الاحتلال من أجل فرض مزيد من الهيمنة والسيطرة على المسجد الأقصى، ومن ثم فرض سيادته مستفيداً من حالة الهوان التي تمر بها الأمة وحالة الفوضى التي تعيشها منطقتنا وذنبيّة بعض الأنظمة والسلطات والهيئات والأحزاب.

*كيف يمكن أن نستفيد من حالة الرباط في المسجد الأقصى لمواجهة تهديدات الاحتلال؟

باعتقادي أننا أمام خمس عمليات تدفعنا لتحقيق حالة الرباط الدائم في المسجد الأقصى على اعتبار أن قاعدة العدد والأكثرية العددية لها دور حاسم في الحيلولة دون توحّش الاحتلال وزبانيته في المسجد الأقصى.

تبدأ عمليات الدفع بسكان البلدة القديمة من المسلمين، ويتطلب الأمر القيام بعملية إحياء ديني ودعوي وتعبوي في صفوفهم للتواجد المستمر في الأقصى باعتبارهم الحلقة الأكثر قرباً منه.. وتكون الدائرة الثانية بسكان مدينة القدس ممن يستطيعون الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك وشد الرحال إليه، ومن ثم الداخل الفلسطيني واستمرار سنة شد الرحال إليه بزخم دائم. هذا في السياق البشري.

في السياق السياسي يتطلب الأمر تفعيل دور مصاطب العلم وإحياء الدور الشرعي للمسجد الأقصى عبر نقل تأسيس كلية شرعية تدرس الشريعة في المسجد الأقصى المبارك وتستقطب إليها أبناء الشعب الفلسطيني؛ بحيث يتم تسهيل هذه العملية من خلال الضغط السياسي لأطراف عربية وفلسطينية وإسلامية.

أما الحلقة الثالثة لتعزيز معالم الرباط فيه؛ فهي عبر قيام مدارسنا في القدس والداخل الفلسطيني بشد الرحال إليه تعبداً وترفيها، وإن نعتب فإننا نعتب على الآلاف من الفلسطينيين ممن ولوا قبلتهم في العيد الأخير إلى الجولان وطبريا وشواطئ "العري" في مدننا الساحلية المنتهكة بدلا من أن يعززوا رباطهم في الأقصى بالزيارة والعبادة والترفيه، وخلق حالة دفع اقتصادي للأسواق المقدسية بدلاً من صرف الملايين في أسواق "تل أبيب" وطبريا وحيفا ومنتجعات الجولان.

 وأخيراً لا بدَّ للعلماء والدعاة والمفكرين أن ينطلقوا بمشروع دعوي تربوي تثقيفي فيه الهمة والعمل، يبدأ بخطبة الجمعة ،وينتهي بزيارة البيوت، فيه الدعوة لشد الرحال إلى الأقصى، ويتخلل هذا المشروع موائد ثقافية تربط أبناءنا ومجتمعنا بالأقصى ديناً وسياسة.

* ما هي آليات مواجهة سياسة الإبعاد التي يتخذها الاحتلال بحق المرابطين والمرابطات؟

من يملك هذه الآليات هم السلطة والأردن برسم علاقتهم المباشرة مع الاحتلال وموقع كل واحد منهما في العلاقة مع الاحتلال، فإسرائيل أشد حرصاً اليوم على تمتين العلاقات مع هذه الأجسام وغيرها من الدول والكيانات العربية ولو قام هؤلاء بالضغط على الاحتلال في سياق المقايضات لحدثت أمور كثيرة لصالح القدس والأقصى، ولكنها لا تعمى الأبصار بل تعمى القلوب التي في الصدور.

على مستوانا المخصوص نحن أبناء القدس والداخل لا نملك من أمرنا إلا النضال الرافض لهذه السياسة، ولذلك فالآليات التي بين أيدينا ليست كثيرة وتتراوح بين استثمار البعد القانوني الآخذ بالتضييق في ظل القوانين المفروضة في هذه الحكومة والتوجه إلى المؤسسات الدولية الزاعمة أنها تحمي حرية التعبد وحرية الإنسان. هذا كله إلى جانب الرفض النفسي والعملي لهذه السياسات والعمل على نقيضها تماما.

*هل استطاع الاحتلال أن يغيّر من ثقافة الإنسان الفلسطيني، وكذلك العربي في نظرته لاقتحامات الأقصى، من خلال الترويج لأنها أمورٌ بات مسلّمًا بها ومن البدهيّات؟

 قطعا لا.. لكن على العكس تماماً، إذ كلما تغول الاحتلال في الأقصى ازداد ارتباط الناس به، والقناعة بأن هذا الاحتلال اعتاد السرقة وبناء المجد على هذه المسروقات، ولذلك نجد أن الاحتلال عندما يدخل سوائبه إلى الأقصى يرافقهم المئات من الشرطة والقوات الخاصة والقناصة، وما ذلك إلا لقناعتهم أنهم مرفوضون ومنبوذون، وأنهم بنظر أهل الأقصى مجموعة من اللصوص الذين وفدوا على هذه الأرض في خلسة من التاريخ برسم أنهم أدوات استعمارية تخدم المستعمر القابع خلف البحار. وسياسته هذه وإن كانت مدعومة منه ويباركها فإنها في نظر الفلسطيني ليست إلا حلقة من حلقات وجوده الاستعماري على هذه الأرض.

*كيف يمكن أن نعزز من حالة المواجهة والغضب الشعبي للتصدي لمخططات الاحتلال في تهويد مدينة القدس والمسجد الأقصى؟

نعزز ذلك من خلال التعبئة المعنوية والأخلاقية والسياسية المؤسسة لحالة تراكمية تنتقل من طور الانفعال العاطفي إلى طور إعمال العقل والتخطيط المنظم المفضي إلى عمل منظم يحقق إنجازات على الأرض بعيدا عن البهرجة الإعلامية والخطاب الديماغوغي "الكاذب" الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. ومن خلال وحدة الموقف بين مختلف قطاعات شعبنا الفلسطيني؛ بحيث يكون الأقصى هو البوصلة الموحدة للقطاعات تتوحد فيها الإعلام والسياسة والفعل على أرض الواقع.

هناك جانب آخر من الضروري الاهتمام به على مستوى الإنسان المقدسي ودعمه مادياً ومالياً؛ بدعم الأسر على البقاء في أماكن تواجدها خاصة البلدة القديمة ومحيطها في ظل سياسات الإقصاء والتهجير المستعملة ودعم المحال التجارية وتعزيزها ما أمكن في ظل سياسات الإجرام الضرائبية التي يستعملها الاحتلال مع التجار المقادِسة، وهذا يتطلب موقفا فلسطينيا عربيا إسلاميا؛ إذ لا يعقل أن يدعم الاحتلال المدارس الدينية في القدس والبلدة القديمة ويدعم التواجد السكاني بالمال والعتاد والدعم المعنوي واللوجيستي ونحن نقف مكتوفي الأيدي تجاه الأهل في البلدة القديمة والقدس وهم الخط الأمام الأول المدافع عن المسجد الأقصى.

*البعض يرى أن الاحتلال يحاول استخدام أساليب القوة والعنف بهدف خلق حالة من الخوف في أي مرات مقبلة.. هل تعتقد أن الاحتلال سينجح في ذلك؟

الاحتلال في أصله قائم على القوة والبطش والعدوان، ومن أدواته القتل واغتصاب الحقوق ومصادرة الأرزاق والأملاك، واستعمال جيش من جنده ومن العملاء لتحقيق بقاء وجوده على هذه الأرض، وبالتالي فهذه السياسة ليست بجديدة علينا بمقدار أنها تتجدد من حيث "التفنن والإبداع" في وسائل القهر والعنف؛ لخلق حالة من الخوف، وهو ما فشلت به المؤسسة الإسرائيلية فشلا ذريعا.

الاحتلال فاشل في ممارساته، وإن كانت مبنية على مخططات تستهدف العقل والجسد والوجدان، بيد أنَّ قوة الإرادة عند الانسان الفلسطيني ورغبته في حياة كريمة وعادلة أقوى من هذا المحتل مهما بلغ من القوة والجبروت، ولذلك سياساته في القدس عموماً وفي البلدة القديمة تحديداً وفي المسجد الأقصى بالذات هي سياسة فاشلة؛ لأنها تواجه قناعات وإرادات قوية، وإن كانت موازين القوة المادية مختلفة كليًّا.

الاحتلال اليوم يراهن على استلاب عقل الشباب المقدسي وإغراقهم في عالم الفساد حتى يبعدهم عن طريقه سواء في القدس أو في الأقصى، وهو ما تنبه له العقلاء  والقادة في القدس فضلا عن الأسر وآحاد الناس.. لذلك الحرب في القدس تأخذ أبعاداً كلية يستعمل فيها الاحتلال كل أدواته أمام أناس عزّل لا يملكون إلا إرادة حديدية.

*هل تعتقد أن هناك حالة من التقصير في نقل واقع ما يتعرض له المسجد الأقصى ومدينة القدس للعالم؟

نعم؛ هناك تقصير قاتل في نقل واقع ما تتعرض له المدينة المقدسة، وما يتعرض له المسجد الأقصى المبارك.
هذا التقصير تلمسه في جوانب عديدة من الأبعاد الإعلامية سواء المكتوبة أو المسموعة أو المرئية؛ بل ولا تجد ذاك الأثر في عالم التواصل والسايبر.

نحن اليوم بحاجة ماسة إلى تأسيس مكون إعلامي فلسطيني يعمل على نقل ما يدور في المسجد الأقصى ويخلق حالة من التعاضد مع هذه القضية المقدسة، ليس من باب رفع العتب، بل من باب العمل الاستراتيجي الذي يخلق حالة تماهٍ أممية إسلامية مع هذه القضية.

هناك حاجة ماسة لوضع خطة إعلامية عالمية وبعدة لغات تخاطب الإنسان المسلم غير العربي، وأخرى تخاطب الإنسان الغربي الأوروبي وكل إنسان في العالم، فمهمة رفع قضية القدس والأقصى مهمة مقدسة وعالمية.

*من خلال تقييمك.. ما المطلوب بشكل عملي لنصرة الأقصى؟

المطلوب أولا قناعة يقينية فلسطينية وعربية بعدالة قضيتنا في القدس، إذ فاقد الشيء لا يعطيه، وقضيتنا في القدس والأقصى ليست مجرد قضية سياسية أو إعلامية، إنها قضية تختصر المسألة الفلسطينية والعربية والإسلامية، ووقوعها تحت الاحتلال عارٌ يجلبِب الفلسطيني والعربي والمسلم يجب التخلص منه. 
والمطلوب كذلك الوعي بهذه القضية، وقد ألمحت في ثنايا أجوبتي إلى بعض منها، والمطلوب فعل سياسي فلسطيني يتجاوز الحالة وراهنيتها الدولية، ويتجاوز العجز العربي والصمت الدولي وحتى الإسلامي، والمطلوب وضع منظمة التعاون الإسلامية وجامعة الدول العربية تحت المسؤولية الكاملة، والأهم من كل ذلك مطلوبٌ مشروع تحرير.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية