لماذا لا تحمل حماس هموم المواطن اليومية في الضفة الغربية؟
ياسين عز الدين
نبهنا اضراب أصحاب المخابز في عدد من محافظات الضفة الغربية إلى وجود جملة من الهموم اليومية التي يعاني منها أهلنا في الضفة الغربية والتي تحتاج لمعالجة ومتابعة مستمرة، وهي ليست هموماً جديدة (وأغلبها هي هموم يعيشها أي مواطن بأي مكان في العالم)، وبعضها مرتبط بالاحتلال وسياسة التضييق المتواصل على الإنسان الفلسطيني من خلال مصادرة الأراضي وبناء الجدار واعتداءات المستوطنين وهدم المنازل.
ويحصل كل ذلك في ظل حكومة فياض التي تضع التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني على رأس أولوياتها والتي قادت مرحلة الانقسام في الضفة فكان المواطن العادي آخر همومها.
ما استجد على الساحة في الضفة الغربية هو تصاعد وتيرة الأزمات الاقتصادية وآخرها عجز حكومة فياض عن سداد الرواتب كاملة وإضراب أصحاب المخابز، وشهدنا قبلها مواجهات في مخيم العزة ببيت لحم بعد تظاهر أهالي المخيم احتجاجاً على الانقطاع المتواصل للمياه عنهم لأكثر من 25 يوماً، وهي جزء من مشكلة مزمنة في جنوب الضفة الغربية حيث يستمر انقطاع المياه كل صيف لفترات تصل في بعض الأحيان إلى أربعين يوماً.
ومنذ تأسيسها عملت حركة حماس على معايشة هموم الناس من خلال الجمعيات الخيرية ومن خلال الكتل الإسلامية في الجامعات والنقابات، مع ذلك كان الهم السياسي العام هو الطاغي على سياسة الحركة، وهو ما كنا نلمسه مثلاً في الدعاية الانتخابية بالجامعات من خلال صور الشهداء واللافتات التي تمجد العمليات الاستشهادية، فقد كانت دعاية انتخابية لحماس وخيارها المقاوم أكثر من كونها دعاية انتخابية لكتلة طلابية تريد تحقيق انجازات نقابية.
وبدلاً من زيادة تفاعل الحركة مع هموم الناس اليومية، تراجع هذا التفاعل في الضفة الغربية بعد عام 2007م بفعل إغلاق السلطة والاحتلال لأغلب الجمعيات التابعة للحركة أو الاستيلاء عليها، وبفعل التضييق على مؤيدي الحركة مما أدى لانكفائها عن المشاركة بالانتخابات النقابية والجامعية، فكانت النتيجة تغييباً كاملاً للحركة عن متابعة هموم الناس اليومية في الضفة الغربية.
وبينما كان يجب البحث عن بدائل لمتابعة هموم الناس ودعمهم اكتفى الخط العام في الحركة طوال الفترة الماضية بالبكاء على الأطلال والتذمر من قمع السلطة وهمجيتها وإجرامها، وبقيت الحركة مهتمة بالقضايا السياسية العامة الكبرى مثل الانقسام والاعتقال السياسي والتهدئة والتصعيد في غزة ومعبر رفح وتشكيل الحكومة، مما أوجد انطباعاً لدى عامة الناس في الضفة أن حماس لا تهتم إلا بمصالحها الذاتية ومصالح مؤيديها.
وهنا نتساءل عن سبب غياب حركة حماس والنواب الإسلاميين عن هذه الهموم اليومية؟ فقبل عدة شهور كان هنالك محاولة من حكومة فياض لفرض ضرائب إضافية على موظفي القطاعين الخاص والعام، ومنها ضريبة تفرض على مكافأة نهاية الخدمة ورواتب التقاعد، لم نسمع أي تصريح من قيادة حماس لا في الضفة ولا في غزة، ولم نر أي مشاركة من النواب الإسلاميين في الجهود لوقف هذه الضريبة، وبدلاً من ذلك كانت النقابات بقيادتها الفتحاوية وفصائل منظمة التحرير في مقدمة المعارضين بحيث تمكنوا من تجميد هذه الخطوة.
أدرك أن هنالك سياسة إقصاء متعمد للنواب الإسلاميين في الضفة الغربية لكن ما كان يمنعهم من إصدار بيان يرفض هذه الضريبة؟ ما كان يمنع الحكومة في غزة إصدار تصريح يعلن عدم قانونية هذه الخطوة؟ ما كان يضر المكتب الإعلامي لحماس اصدار بيان يوضح موقف الحركة من هذا القانون؟ مشكلة حماس أنها تحصر تفكيرها بالقضايا الكبرى وتستهتر بالقضايا اليومية (وهي مشكلة الإسلاميين عموماً وليس حماس فقط).
هنالك العديد من الخطوات التي يمكن لحماس أن تقوم بها لمعالجة قضايا الناس والتصدي لهمومهم اليومية، وليس ضرورياً أن يكون ذلك تحت لافتة حمساوية فاقعة كما تعودنا في مجالس الطلبة أو الجمعيات الخيرية، فليس من الضروري أن نرى لافتة عمالقة في الجامعة عليها صورة يحيى عياش أو عبد الناصر عيسى، نريد انخراطاً بالحياة اليومية.
ويوجد تجارب عملية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: مشاركة لعناصر من حماس بصفتهم الشخصية باللجان الشعبية لمقاومة الجدار في مناطق مثل نعلين وصافا وبيت أمر، ومشاركة مؤيدين للحركة ضمن تحالفات مع مستقلين في انتخابات نقابية، كما حصل في انتخابات نقابة المهندسين وانتخابات الغرفة التجارية في نابلس، والسؤال إذا كان الفوز بالانتخابات ممكناً في معقل السلطة المنيع بمدينة نابلس تحت مسمى المستقلين، لماذا لم تعمم التجربة في باقي المحافظات؟ ولماذا الإصرار على سياسة المقاطعة التي لم تثمر شيئاً سوى المزيد من الانعزال عن الشعب والمجتمع؟
حماس تشتكي من قلة تفاعل عامة الناس مع قضايا الاعتقال السياسي والفصل الوظيفي والاستدعاءات لكن هل سألت نفسها ما الذي قدمته للمواطن العادي الذي لا يهتم بالسياسة؟ هل أشعرت الشعب أنها جزء لا يتجزأ من همومه اليومية أم أنها تركت انطباعاً أنها الخصم اللدود لفتح، و"ليذهب الاثنان إلى الجحيم" (كما هو لسان حال مئات الآلاف من المواطنين غير المؤطرين).
خطاب المقاومة والعمليات الاستشهادية ينفع في الحشد عندما يتعلق الأمر بمواجهة الاحتلال، ولافتات يحيى عياش وعبد الله القواسمي وعبد الناصر عيسى تنفع عندما تريد تجنيد استشهاديين لتنفيذ عمليات وسط تل أبيب، لكن عندما تريد حشد الناس للوقوف في وجه القمع الممنهج، وعندما تريد إقناع الناس بالوقوف معك في وجه السلطة فيجب أن تقنعهم أنك جزء منهم.
لعل أهم الدروس التي يعلمها لنا القادة الميدانيون للثورات العربية (وخصوصاً التجربة المصرية) أن ما ساعدهم على جمع الناس حولهم هو مخاطبة المواطن العادي بلغته التي يفهمها: لغة المطالب اليومية والمعاشية، ونذكر هنا أن أحد أبرز الحركات المشاركة في الثورة المصرية (حركة 6 أبريل) تأسست بعد إضراب نقابي في مصانع الغزل والنسيج بدلتا النيل.
لكي تقود الناس في ثورة شعبية يجب أن تكون جزءاً من نضالهم اليومي، يجب أن تكون موجوداً في النقابات والجامعات ولو بشكل مستقل، يجب أن تكون حاضراً في التحركات ضد جدار الفصل وضد تعديات المستوطنين وضد مصادرة الأراضي ولو بشكل مستقل، فالناس ليسوا عمياناً ولست بحاجة للافتات فاقعة حتى يعلم الناس أنك كنت في الميدان، وبنفس الوقت الناس لن يعذروك إن استسلمت للواقع وقلت لهم لا أستطيع فعل شيء لكم لأني مكبل، سيجيبوك: كيف تريد منا أن نجعلك قائداً وأنت عاجز عن مساعدة نفسك؟
مطلوب من حماس أن تهتم أكثر بالقضايا النقابية والمعاشية لأهل الضفة الغربية، وأن تتوقف عن سياسة مقاطعة الانتخابات النقابية وأن تشارك بها ولو بشكل مستقل، ويجب أن توجه مؤيديها للمشاركة في العمل النقابي وفي المواجهات الشعبية مع الاحتلال بمختلف المواقع، هذا إذا كانت معنية بالتفاف الناس حولها ودعمها في مواقفها.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية