لنا قصص مع هذه الأرض يا مقاطيع ... بقلم : د.ديمة طارق طهبوب

السبت 12 يناير 2013

لنا قصص مع هذه الأرض يا مقاطيع

د.ديمة طارق طهبوب

تعلمنا أن لغة العواطف أقل صوتا ووزنا من لغة العقل و أنها على الأخص ليست مناسبة للتعاطي مع ظروف السياسة و الحرب و الاحتلال و الشهادة و الدماء و القتل و التشريد و نسينا أن الصمود لهذه المآسي لا يكون الا بحالة مستغرقة من الحب تملأ على المجاهد قلبه فلا يرى فرحة سوى بالتضحية بروحه لمحبوبته الأرض، و ماذا يؤنس الأسير في ظلمة زنزانته سوى ذلك الحب و التلاحم مع الوطن الذي يشعل قناديل روحه و بصيرته؟ ماذا يصبر الأم الثكلى و الزوجة الأرملة و الأبناء اليتامى سوى حب الوطن؟

نعم هو الحب الذي يحرك العظمة في نفوسنا و يدفعنا لبلوغ المعالي، هو الحب الذي يثبت انسانيتنا بالرغم من الوحشية المفروضة علينا، هذا الحب استخدمه الفلسطينييون كسلاح من نوع جديد لاحياء الذاكرة و اعادة تثبيت الجذور المقتلعة في الأرض و العقول و القلوب

باب الشمس الرواية الأدبية لإلياس خوري حلقة عن مسلسل التشريد الفلسطيني تتحول من صفحات الورق الى حقيقة واقعة على أرض فلسطين، بقرية يقيمها الفلسطينييون في المنطقة التي تربط الضفة الغربية بالقدس و جنوبها و التي صادرها الاحتلال لبناء مستوطنات جديدة عليها، و هذا يدلل على أهمية الأدب و الإعلام في صناعة و ترسيخ الذاكرة و أثره الفعال عندما يكون ملتزما بقضايا الأمة أو أثره المدمر لو تواطأ عليها حتى ينسى الناس و يكتمل مسلسل الضياع.

عادت الذاكرة الواقعية و الأدبية لتشعل الصمود في الحاضر فجزء من علاقتنا بأرضنا هي تلك الذكريات و القصص التي ورثناها عن أبائنا حتى أصبحت جزءا من كياننا و ميراثنا، و القصة من المصادر التي تثبت أن لك مع أرضك تاريخا و ماضيا و حاضرا و مستقبلا و كأنها تقوم مقام صكوك الملكية و لذا قال أحد النقاد "إذا كانت هذه أرضك فأين قصصك؟if this is your land, where are your stories? " و هذا ما حاول العدو الصهيوني أن يفعله بكتابة التاريخ و إعادة البحث و التنقيب للبحث عن أثر يربطه بهذه الأرض و لو في صغر حجر! و لم يجد ليظل عابرا غير مستقرعلى أرض لا تقر له بالمكوث و المقام

باب الشمس في الرواية مغارة ضيقة و لكنها توسعت بالحب حتى أصبحت الوطن كله الذي أخرج زوجا و زوجة، حبيبا و حبيبة، أبا و أما، مجاهدا و ثائرة و كانت صورة شعب بأكمله جُر الى الضيق جرا ففتح في قلب الضيق بابا لتدخل منه الشمس و الضياء

يونس أو ابو سالم بطل القصة هو ايضا المجاهد الذي يحاول أن يعيش حياة طبيعية و هو في ذلك رمز لكل الشعب الفلسطيني أما زوجته نهيلة فتنتقل من صفة المرأة لتمثل الأرض و الوطن و يقول يونس في وصفها "إنها كالمواسم، و في كل موسم تأتي كهفك برائحة جديدة ...المرأة يا بني جديدة دائما...المرأة رائحة العالم و أنا معها تعلمت أن أملأ رئتي برائحة الأرض"

إن التعاطي برؤية إيجابية مشرقة مستشرفة يزيد في إذكاء وقود الصمود فالذي يقاوم مسنودا بالأمل ليس كالذي حكم على نفسه بالخذلان قبل المعركة الحقيقية، و هزيمة الإرادات أنكى من الهزيمة على الأرض، و اسقاط الانسان في غياهب النسيان يضمن احتلالا دائما

الخطوة على رمزيتها ترسل رسائل كثيرة للداخل و الخارج بأن الشعب الفلسطيني محكوم بالأمل و برغبة الحياة و هو أمل يقيني في أن شمس نصرهم لن يغطيها الغربال الصهيوني، قد يحجبها قليلا بالجدران و العوازل لكن الشمس تعرف كيف تنفذ دائما و لو من أصغر الشقوق، الخيام القليلة التي أقامها النشطاء الفلسطينييون العزل لرفض الاستيطان و فصل القدس تسلط شمسا حارقة و كاشفة تعري سوءات المسؤولين و الرخويات الثورية المتواطئة و تثبت أن فلسطين لن يحميها الا شعبها و رجالها

باب الشمس كُتبت قصة و صارت قرية و ستبقى أرضا خالدة طاهرة مباركة تعرف أهلها كما يعرفونها

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية