ما بعد مشوار مجلس الأمن
د. أيمن أبو ناهية
بدأ عام 2015م بقرار مجلس الأمن رفض قيام دولة فلسطينية بتخليه عن قرار رقم 181 الصادر في عام 1947م، والسبب في تعطيل هذا المشروع ليس الفيتو الأمريكي الغاضب على الفلسطينيين والمنحاز كالعادة كليا (لإسرائيل)، فقد اعتبرته في مقال سابق تحصيل حاصل، وإنما السبب الرئيس هو الاحتلال نفسه، حتى ولو تم تمرير مشروع القرار الفلسطيني. في هذا الصدد ينبغي علينا أن نتوقف أمام الإشارات المباشرة والواضحة في الموقف الإسرائيلي من الخطوة الفلسطينية.
فـ(إسرائيل) ترفض مشروع القرار العربي الفلسطيني الذي قدمه الأردن بالنيابة عن المجموعة العربية رسميا لمجلس الأمن الدولي وتعتبره خدعة، لأنها تنظر إلى الشروط التي تضمنها مشروع القرار على أنه ينسف كل خططها في إطالة زمن المفاوضات إلى ما لا نهاية –كما وعد شامير في مفاوضات مدريد- بكل ما يعنيه ذلك من تغيير طبيعة الأرض عبر مشروع التهويد والاستيطان، وما يترتب على ذلك أيضًا من تغيير الطبيعة الديمغرافية للسكان بالإخلال بالتركيبة السكانية بعد الضفة الغربية والقدس بمئات من المستوطنات والوحدات الاستيطانية.
كما أنها ترفض تماما فكرة العودة إلى حدود عام 67 حيث ينص مشروع القرار على ضرورة أن يستند أي حل يتم التوصل إليه من خلال التفاوض إلى عدة عوامل منها حدود 1967م والاتفاقات الأمنية.
كما ترى (إسرائيل) مشروع القرار يمس عصب كيانها, وهو التأكيد على أن تكون القدس عاصمة مشتركة للدولتين (فما بالك لو كان مشروع القرار ينص على تقسيم المدينة) ولأن القدس بالنسبة لها تعني تكريس الدولة الدينية وبدونها يتم نسف مشروع هذه الدولة اليهودية. ماذا قال وزير المالية الإسرائيلي المُقال ورئيس حزب (يوجد مستقبل) يائير لبيد؟, قال: (لن نوافق على تقسيم القدس، هذا لن يحدث أبدا، وإن كانت توافق على إمكانية الاتفاق بدون تقسيم القدس).
مشروع القرار بالنسبة (لإسرائيل) ينسف أيضًا الضلع الرئيس البارز الثاني في مشروعها بجانب القدس، وهو المستوطنات التي تعمل (إسرائيل) بكل قوة على الإبقاء على الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية وإمكانية تبادل أراض بالطبع تشمل هذه المستوطنات، ومن ثم فالمشروع الفلسطيني اصطدم بهذه العقبة؛ لأنه في جانب آخر دعا مشروع القرار إلى التوقف عن أي إجراءات أحادية وغير قانونية بما في ذلك الأنشطة الاستيطانية ــ لاحظ التوقف ــ وليس إزالة المستوطنات التي تعيق التواصل للدولة الفلسطينية وتشكل أكبر عقبة في طريقها، وهذا هو بيت القصيد في هذه النقطة والتي قد تقوض جدوى حل الدولتين.
وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان لخّص الموقف الإسرائيلي بوضوح بالتأكيد على (أنه لن يحدث أي تغيير في الأوضاع ما لم توافق (إسرائيل) على شكل هذا التغيير. وأن الأوضاع ستبقى على ما هي عليه (تجميد المفاوضات) ما لم يوافق الجانب الإسرائيلي على ما فيه -يقصد المشروع المقدم لمجلس الأمن-).
إذا كانت كل هذه الأسباب المجحفة بحقنا؛ أن القدس ليست عاصمة, وأن والاستيطان باقٍ كما هو, ولا عودة لحدود 67, وتجاهل حق العودة تماما, والرجوع إلى نقطة الصفر في المفاوضات، إذن على ماذا سنقيم الدولة وما هي مقوماتها وحدودها؟ الواقع أن فلسطينيي أوسلو استيقظوا متأخرًا على الحقيقة المرة بأنه لا أمل مطلقًا في هذه المفاوضات العبثية التي تجري منذ أكثر من عقد وتمهد لمفاوضات الحل النهائي التي تفضي بدورها إلى إعلان الدولة الفلسطينية، ولم تتحرك هذه المفاوضات قيد أنملة.
الأخطر في هذه المفاوضات التي ما إن تبدأ حتى تتوقف, حتى انتهى بها الأمر إلى التجميد, أنها شهدت منحنيات وتحولات في الشروط التي تفرضها (إسرائيل) خلال مراحل ومحطات مختلفة في هذه المفاوضات وصولا إلى الأهداف الحقيقية التي كشفت عنها بالفعل حتى انتهى بها المطاف إلى الإفصاح عنها دون مواربة، وهي الاعتراف بيهودية الدولة، وأن (إسرائيل) دولة دينية لا تسمح لغير اليهود بأن يكونوا جزءًا منها.. لذلك فلا مكان للفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 48 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية في هذه الدولة اليهودية..
وهذا ما قاله ابراهام (لسان حال المستوطنين) صراحة: (يجب على الفلسطينيين -أصحاب الأرض كابرا عن كابر- أن يرحلوا، لأنهم إن لم يرحلوا فسيموتون هنا… سيقتلون هنا… سوف تكون هناك حرب أخرى، لن يتمكنوا من الرحيل بعدها، لأنها ستكون حربا ضروسا وصعبة جدا( لأن الوقت بدأ ينفد بعد أن تآكلت الأرض وأصبحت المساحة التي يمكن أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية أقل من 13 بالمائة من المساحة الكلية لفلسطين التاريخية بعد أن ضمت (إسرائيل) إليها كل الأراضي التي استولت عليها بعد حرب 67 وكل الأراضي التي قضمتها بعد إقامة الجدار العازل وكل الأراضي التي تصادرها وفق قانون جيش الاحتلال الإسرائيلي لاعتبارات أمنية (وهي بالمناسبة قرارات لا تقبل الطعن عليها أمام المحكمة العسكرية الإسرائيلية).
أعتقد أن مشروع القرار أحبط داخليا قبل أن يحبط خارجيا، بمعنى أن هذا هو قرار مصيري ومستقبلي للقضية الفلسطينية وبالتالي يهم كل فلسطيني وكان لابد أن يحظى بإجماع وطني وموافقة قانونية من المجلس التشريعي ومنظمة التحرير الفلسطينية التي نطالب بإصلاحها وإجماع كل الأحزاب الوطنية والقوى الإسلامية وأيضا لابد من مشاركة المجتمع المدني وكل النقابات في مثل هذا القرار حتى يخرج إلى العالم بقوة وإسناد وتأييد جماهيري داخلي.
الآن السؤال الأهم بعد مشوار عباس في مجلس الأمن: ماذا نحن فاعلون؟ الانضمام إلى المنظمات الدولية خطوة إيجابية ولكن تحتاج إلى خطوات داخلية كثيرة كي لا نكرر الخطأ كما في السابق, ألا وهو الرجوع إلى الوحدة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام وتحقيق ما تم الاتفاق عليه في المصالحة وعدم الركض وراء سراب المفاوضات.
د. أيمن أبو ناهية
بدأ عام 2015م بقرار مجلس الأمن رفض قيام دولة فلسطينية بتخليه عن قرار رقم 181 الصادر في عام 1947م، والسبب في تعطيل هذا المشروع ليس الفيتو الأمريكي الغاضب على الفلسطينيين والمنحاز كالعادة كليا (لإسرائيل)، فقد اعتبرته في مقال سابق تحصيل حاصل، وإنما السبب الرئيس هو الاحتلال نفسه، حتى ولو تم تمرير مشروع القرار الفلسطيني. في هذا الصدد ينبغي علينا أن نتوقف أمام الإشارات المباشرة والواضحة في الموقف الإسرائيلي من الخطوة الفلسطينية.
فـ(إسرائيل) ترفض مشروع القرار العربي الفلسطيني الذي قدمه الأردن بالنيابة عن المجموعة العربية رسميا لمجلس الأمن الدولي وتعتبره خدعة، لأنها تنظر إلى الشروط التي تضمنها مشروع القرار على أنه ينسف كل خططها في إطالة زمن المفاوضات إلى ما لا نهاية –كما وعد شامير في مفاوضات مدريد- بكل ما يعنيه ذلك من تغيير طبيعة الأرض عبر مشروع التهويد والاستيطان، وما يترتب على ذلك أيضًا من تغيير الطبيعة الديمغرافية للسكان بالإخلال بالتركيبة السكانية بعد الضفة الغربية والقدس بمئات من المستوطنات والوحدات الاستيطانية.
كما أنها ترفض تماما فكرة العودة إلى حدود عام 67 حيث ينص مشروع القرار على ضرورة أن يستند أي حل يتم التوصل إليه من خلال التفاوض إلى عدة عوامل منها حدود 1967م والاتفاقات الأمنية.
كما ترى (إسرائيل) مشروع القرار يمس عصب كيانها, وهو التأكيد على أن تكون القدس عاصمة مشتركة للدولتين (فما بالك لو كان مشروع القرار ينص على تقسيم المدينة) ولأن القدس بالنسبة لها تعني تكريس الدولة الدينية وبدونها يتم نسف مشروع هذه الدولة اليهودية. ماذا قال وزير المالية الإسرائيلي المُقال ورئيس حزب (يوجد مستقبل) يائير لبيد؟, قال: (لن نوافق على تقسيم القدس، هذا لن يحدث أبدا، وإن كانت توافق على إمكانية الاتفاق بدون تقسيم القدس).
مشروع القرار بالنسبة (لإسرائيل) ينسف أيضًا الضلع الرئيس البارز الثاني في مشروعها بجانب القدس، وهو المستوطنات التي تعمل (إسرائيل) بكل قوة على الإبقاء على الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية وإمكانية تبادل أراض بالطبع تشمل هذه المستوطنات، ومن ثم فالمشروع الفلسطيني اصطدم بهذه العقبة؛ لأنه في جانب آخر دعا مشروع القرار إلى التوقف عن أي إجراءات أحادية وغير قانونية بما في ذلك الأنشطة الاستيطانية ــ لاحظ التوقف ــ وليس إزالة المستوطنات التي تعيق التواصل للدولة الفلسطينية وتشكل أكبر عقبة في طريقها، وهذا هو بيت القصيد في هذه النقطة والتي قد تقوض جدوى حل الدولتين.
وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان لخّص الموقف الإسرائيلي بوضوح بالتأكيد على (أنه لن يحدث أي تغيير في الأوضاع ما لم توافق (إسرائيل) على شكل هذا التغيير. وأن الأوضاع ستبقى على ما هي عليه (تجميد المفاوضات) ما لم يوافق الجانب الإسرائيلي على ما فيه -يقصد المشروع المقدم لمجلس الأمن-).
إذا كانت كل هذه الأسباب المجحفة بحقنا؛ أن القدس ليست عاصمة, وأن والاستيطان باقٍ كما هو, ولا عودة لحدود 67, وتجاهل حق العودة تماما, والرجوع إلى نقطة الصفر في المفاوضات، إذن على ماذا سنقيم الدولة وما هي مقوماتها وحدودها؟ الواقع أن فلسطينيي أوسلو استيقظوا متأخرًا على الحقيقة المرة بأنه لا أمل مطلقًا في هذه المفاوضات العبثية التي تجري منذ أكثر من عقد وتمهد لمفاوضات الحل النهائي التي تفضي بدورها إلى إعلان الدولة الفلسطينية، ولم تتحرك هذه المفاوضات قيد أنملة.
الأخطر في هذه المفاوضات التي ما إن تبدأ حتى تتوقف, حتى انتهى بها الأمر إلى التجميد, أنها شهدت منحنيات وتحولات في الشروط التي تفرضها (إسرائيل) خلال مراحل ومحطات مختلفة في هذه المفاوضات وصولا إلى الأهداف الحقيقية التي كشفت عنها بالفعل حتى انتهى بها المطاف إلى الإفصاح عنها دون مواربة، وهي الاعتراف بيهودية الدولة، وأن (إسرائيل) دولة دينية لا تسمح لغير اليهود بأن يكونوا جزءًا منها.. لذلك فلا مكان للفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 48 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية في هذه الدولة اليهودية..
وهذا ما قاله ابراهام (لسان حال المستوطنين) صراحة: (يجب على الفلسطينيين -أصحاب الأرض كابرا عن كابر- أن يرحلوا، لأنهم إن لم يرحلوا فسيموتون هنا… سيقتلون هنا… سوف تكون هناك حرب أخرى، لن يتمكنوا من الرحيل بعدها، لأنها ستكون حربا ضروسا وصعبة جدا( لأن الوقت بدأ ينفد بعد أن تآكلت الأرض وأصبحت المساحة التي يمكن أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية أقل من 13 بالمائة من المساحة الكلية لفلسطين التاريخية بعد أن ضمت (إسرائيل) إليها كل الأراضي التي استولت عليها بعد حرب 67 وكل الأراضي التي قضمتها بعد إقامة الجدار العازل وكل الأراضي التي تصادرها وفق قانون جيش الاحتلال الإسرائيلي لاعتبارات أمنية (وهي بالمناسبة قرارات لا تقبل الطعن عليها أمام المحكمة العسكرية الإسرائيلية).
أعتقد أن مشروع القرار أحبط داخليا قبل أن يحبط خارجيا، بمعنى أن هذا هو قرار مصيري ومستقبلي للقضية الفلسطينية وبالتالي يهم كل فلسطيني وكان لابد أن يحظى بإجماع وطني وموافقة قانونية من المجلس التشريعي ومنظمة التحرير الفلسطينية التي نطالب بإصلاحها وإجماع كل الأحزاب الوطنية والقوى الإسلامية وأيضا لابد من مشاركة المجتمع المدني وكل النقابات في مثل هذا القرار حتى يخرج إلى العالم بقوة وإسناد وتأييد جماهيري داخلي.
الآن السؤال الأهم بعد مشوار عباس في مجلس الأمن: ماذا نحن فاعلون؟ الانضمام إلى المنظمات الدولية خطوة إيجابية ولكن تحتاج إلى خطوات داخلية كثيرة كي لا نكرر الخطأ كما في السابق, ألا وهو الرجوع إلى الوحدة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام وتحقيق ما تم الاتفاق عليه في المصالحة وعدم الركض وراء سراب المفاوضات.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية