ماذا بعد فشل «غزوة نيويورك»؟!
ياسر الزعاترة
لم نكن أبداً من مؤيدي الغزوة المشار إليها لتحصيل دولة من خلال مجلس الأمن الدولي. وقد فعلنا ذلك رغم الحملة الشرسة التي شنها أنصارها طوال أسابيع، والتي شارفت على تخوين من يشككون فيها وفي جدواها، فضلاً عن رفضها واعتبارها شكلاً من أشكال الهروب من استحقاقات المرحلة.
اليوم يجد أنصار الغزوة أنفسهم في حالة حرج بعدما تبين أن تقدير الموقف الذي استندوا إليه لم يكن واقعياً، وأنهم لن يتمكنوا من إحراج أمريكا ودفعها لاستخدام "الفيتو". حدث ذلك تبعاً لعجزهم عن تحصيل الأصوات التسعة اللازمة من أجل عرضه على المجلس. ويبقى السؤال المثير هو: ماذا لو أحرجوها فعلاً واضطروها لاستخدام "الفيتو" كما استخدمته مراراً من قبل؟! هل ستنطبق السماء على الأرض، وهل ستتقدم القضية الفلسطينية خطوة حقيقية إلى الأمام؟!.
الآن سيذهب القوم حسبما قال بعضهم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستمنحهم بدورها دولة غير كاملة العضوية (بصفة مراقب) على غرار الفاتيكان، لكن النتيجة في الحالتين تتمثل في التنازل المجاني عن 78 في المئة من أرض فلسطين، مع ما ينطوي عليه ذلك من تشويه لواقع الصراع من صراع بين شعب احتلت أرضه وشرد أهله وبين عدوه الذي فعل به ذلك، إلى مجرد نزاع حدودي بين دولتين، ولا تسأل عن التنازل الضمني عن حق عودة اللاجئين للأراضي المحتلة عام 48 لأن الطبيعي أن يعود الفلسطينيون إلى دولتهم وليس إلى دولة أخرى. وللتذكير فقد تنازل القوم عن ذلك الحق مراراً كما أكدت وثائق التفاوض التي ثبتت صحتها (خسر صائب عريقات القضية التي رفعها على الجزيرة أمام المحاكم البريطانية بدعوى تشويه الوثائق). كما سبق للمبادرة العربية أن قدمت ذات التنازل (تحدثت عن حل متفق عليه) ليكون مبرراً لتنازل السلطة.
من الجدير بالذكر أيضاً أن القوم إنما افتعلوا هذه المعركة السياسية لكي يهربوا من سؤال الإستراتيجية البديلة لفشل مسار التفاوض، وهو سؤال يعرف الجميع أن لا جواب عليه غير إستراتيجية المقاومة التي يمكن التوافق على وسائلها بين فصائل الشعب وقواه الحية.
لقد حدد القوم مسارهم بشكل واضح، ووضعوا كل بيضهم في سلة التفاوض واستجداء المحتل، ومن يعقد مؤتمر حركته (فتح) تحت ولاية الاحتلال وببطاقات عبور وتصاريح منه لن يتمرد عليه بأي حال. ومن ينتظر بطاقات الفي آي بي من عدوه لن يقاومه على نحو يوجعه. ومن ينتظر أموال الجمارك من عدوه، والمنح ممن يخضعون لإرادته لن يكون نداً له في ساحات الحرب والسياسة والتفاوض.
حتى هذه اللحظة لم يتغير شيء في واقع السياسة الفلسطيني بقيادة الفريق إياه، فكل شيء يجري على نحو واضح. (سلطة/ دولة) يتابع شؤونها سلام فياض بالتعاون مع المانحين الدوليين وتعاون الجهات الإسرائيلية المعنية، وإشراف أمني أمريكي (الجنرال مايكل مولر خليفة دايتون) ينسق مع الاحتلال يتحرك تباعاً نحو تمدد السلطة حتى حدود 28 أيلول عام 2000، وصولاً إلى دولة الجدار "المؤقتة" التي ستكون في حالة نزاع حدودي مع جارتها كما أشير من قبل.
نملُّ من تكرار هذا الكلام، لكن التطورات تفرض نفسها، وها نحن اليوم وانطلاقاً من استحقاق فشل "غزوة نيويورك" نضطر لذلك من جديد، مع أن موقفنا لن يتغير لو استخدم "الفيتو"، بل حتى لو حصلوا على دولة كاملة العضوية، فيما نتمنى من دون تردد أن يكون هناك مسار جديد. لا نعني بالضرورة استعمال "القنبلة النووية" بحسب تعبير إحدى افتتاحيات صحيفة القدس العربي (تقصد حل السلطة)، بل نعني إيقاف التنسيق الأمني والتوافق مع حماس وقوى المقاومة على إستراتيجية للمقاومة، ولتكن مقاومة سلمية شاملة تشتبك مع الحواجز والجنود والمستوطنين، فيما يدخل على خطها من الخارج فلسطينيو الشتات بتدفقهم عبر الحدود، ومعهم أبناء الأمة الآخرين.
من أجل ذلك لا بد من وقف الحديث عن المصالحة بروحية الحفاظ على السلطة وإجراء انتخابات تكرس تمثيلها لكل الشعب الفلسطيني وتتجاهل الشتات (ستزيد الانقسام أيضاً)، لأن الانتخابات هي تكريس للمسار السياسي العبثي القائم (الحفاظ على السلطة المصممة لخدمة الاحتلال وشروطها واستحقاقاتها)، وجعل المصالحة عنواناً للتوافق على إستراتيجية شاملة للمقاومة، وإدارة قطاع غزة بالتوافق كمنطقة شبه محررة، وإطلاق انتفاضة في كل الأرض الفلسطينية.
من المؤكد أن حل السلطة هو المسار الأفضل، لأنه يعيد الصراع إلى طبيعته الأصلية، واليوم في ظل الربيع العربي ستضطر الأنظمة العربية إلى تقديم كل الدعم للفلسطينيين، بما في ذلك تأمين ما يحتاجونه من أموال ومعونات، فيما نعلم أن الاحتلال هو الذي سيكون مسؤولاً عن حياة الناس بحسب ميثاق جنيف، وكما كان عليه الحال قبل اتفاق أوسلو.
بكل بساطة، المشكلة اليوم تتعلق بحركة فتح، وإذا لم تتمرد الحركة على منطق قيادتها الحالي، فإن البديل هو انتظار الانفجار الشعبي الذي نؤمن بأنه قادم لا محالة، وإن لم يكن بوسعنا الجزم بموعده المحدد.
صحيفة الدستور الأردنية
اليوم يجد أنصار الغزوة أنفسهم في حالة حرج بعدما تبين أن تقدير الموقف الذي استندوا إليه لم يكن واقعياً، وأنهم لن يتمكنوا من إحراج أمريكا ودفعها لاستخدام "الفيتو". حدث ذلك تبعاً لعجزهم عن تحصيل الأصوات التسعة اللازمة من أجل عرضه على المجلس. ويبقى السؤال المثير هو: ماذا لو أحرجوها فعلاً واضطروها لاستخدام "الفيتو" كما استخدمته مراراً من قبل؟! هل ستنطبق السماء على الأرض، وهل ستتقدم القضية الفلسطينية خطوة حقيقية إلى الأمام؟!.
الآن سيذهب القوم حسبما قال بعضهم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستمنحهم بدورها دولة غير كاملة العضوية (بصفة مراقب) على غرار الفاتيكان، لكن النتيجة في الحالتين تتمثل في التنازل المجاني عن 78 في المئة من أرض فلسطين، مع ما ينطوي عليه ذلك من تشويه لواقع الصراع من صراع بين شعب احتلت أرضه وشرد أهله وبين عدوه الذي فعل به ذلك، إلى مجرد نزاع حدودي بين دولتين، ولا تسأل عن التنازل الضمني عن حق عودة اللاجئين للأراضي المحتلة عام 48 لأن الطبيعي أن يعود الفلسطينيون إلى دولتهم وليس إلى دولة أخرى. وللتذكير فقد تنازل القوم عن ذلك الحق مراراً كما أكدت وثائق التفاوض التي ثبتت صحتها (خسر صائب عريقات القضية التي رفعها على الجزيرة أمام المحاكم البريطانية بدعوى تشويه الوثائق). كما سبق للمبادرة العربية أن قدمت ذات التنازل (تحدثت عن حل متفق عليه) ليكون مبرراً لتنازل السلطة.
من الجدير بالذكر أيضاً أن القوم إنما افتعلوا هذه المعركة السياسية لكي يهربوا من سؤال الإستراتيجية البديلة لفشل مسار التفاوض، وهو سؤال يعرف الجميع أن لا جواب عليه غير إستراتيجية المقاومة التي يمكن التوافق على وسائلها بين فصائل الشعب وقواه الحية.
لقد حدد القوم مسارهم بشكل واضح، ووضعوا كل بيضهم في سلة التفاوض واستجداء المحتل، ومن يعقد مؤتمر حركته (فتح) تحت ولاية الاحتلال وببطاقات عبور وتصاريح منه لن يتمرد عليه بأي حال. ومن ينتظر بطاقات الفي آي بي من عدوه لن يقاومه على نحو يوجعه. ومن ينتظر أموال الجمارك من عدوه، والمنح ممن يخضعون لإرادته لن يكون نداً له في ساحات الحرب والسياسة والتفاوض.
حتى هذه اللحظة لم يتغير شيء في واقع السياسة الفلسطيني بقيادة الفريق إياه، فكل شيء يجري على نحو واضح. (سلطة/ دولة) يتابع شؤونها سلام فياض بالتعاون مع المانحين الدوليين وتعاون الجهات الإسرائيلية المعنية، وإشراف أمني أمريكي (الجنرال مايكل مولر خليفة دايتون) ينسق مع الاحتلال يتحرك تباعاً نحو تمدد السلطة حتى حدود 28 أيلول عام 2000، وصولاً إلى دولة الجدار "المؤقتة" التي ستكون في حالة نزاع حدودي مع جارتها كما أشير من قبل.
نملُّ من تكرار هذا الكلام، لكن التطورات تفرض نفسها، وها نحن اليوم وانطلاقاً من استحقاق فشل "غزوة نيويورك" نضطر لذلك من جديد، مع أن موقفنا لن يتغير لو استخدم "الفيتو"، بل حتى لو حصلوا على دولة كاملة العضوية، فيما نتمنى من دون تردد أن يكون هناك مسار جديد. لا نعني بالضرورة استعمال "القنبلة النووية" بحسب تعبير إحدى افتتاحيات صحيفة القدس العربي (تقصد حل السلطة)، بل نعني إيقاف التنسيق الأمني والتوافق مع حماس وقوى المقاومة على إستراتيجية للمقاومة، ولتكن مقاومة سلمية شاملة تشتبك مع الحواجز والجنود والمستوطنين، فيما يدخل على خطها من الخارج فلسطينيو الشتات بتدفقهم عبر الحدود، ومعهم أبناء الأمة الآخرين.
من أجل ذلك لا بد من وقف الحديث عن المصالحة بروحية الحفاظ على السلطة وإجراء انتخابات تكرس تمثيلها لكل الشعب الفلسطيني وتتجاهل الشتات (ستزيد الانقسام أيضاً)، لأن الانتخابات هي تكريس للمسار السياسي العبثي القائم (الحفاظ على السلطة المصممة لخدمة الاحتلال وشروطها واستحقاقاتها)، وجعل المصالحة عنواناً للتوافق على إستراتيجية شاملة للمقاومة، وإدارة قطاع غزة بالتوافق كمنطقة شبه محررة، وإطلاق انتفاضة في كل الأرض الفلسطينية.
من المؤكد أن حل السلطة هو المسار الأفضل، لأنه يعيد الصراع إلى طبيعته الأصلية، واليوم في ظل الربيع العربي ستضطر الأنظمة العربية إلى تقديم كل الدعم للفلسطينيين، بما في ذلك تأمين ما يحتاجونه من أموال ومعونات، فيما نعلم أن الاحتلال هو الذي سيكون مسؤولاً عن حياة الناس بحسب ميثاق جنيف، وكما كان عليه الحال قبل اتفاق أوسلو.
بكل بساطة، المشكلة اليوم تتعلق بحركة فتح، وإذا لم تتمرد الحركة على منطق قيادتها الحالي، فإن البديل هو انتظار الانفجار الشعبي الذي نؤمن بأنه قادم لا محالة، وإن لم يكن بوسعنا الجزم بموعده المحدد.
صحيفة الدستور الأردنية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية