ماذا خسرت حماس في استنزافها في الضفة؟
إسراء لافي
حين بدأت الصحوة كان الحديث عن الدعوة أشبه بقطرة ماء على أرض قاحلة، ومع تراكم الغيث بدأ المجتمع يُزهر ويخضَرّ، ونشأ مجتمع الدعوة الخاص داخل المجتمع الأكبر، كان خاصًا في نسيجه وصبغته وتفاصيله، في علاقات أفراده وشعورهم بغُربة تجمعهم؛ وشعور بالمسؤولية يوحدهم ويوحد جهودهم للتأثير في المجتمع والنهوض به ليشتد عوده على الفهم الصحيح للإسلام وعيًا وتطبيقًا.
لخصوصية فلسطين تحديدًا فإن العاطفة الصادقة والتأثر بالشهداء وثبات الأسرى وتضحياتهم، وتضحيات أبناء الدعوة عمومًا فما منهم أحد إلا ابتُلي بماله أو أهله أو ولده أو بالسجن أو في جسده أو دراسته أو الإبعاد أو الاغتيال والشهادة؛ فإن طبيعة ما كان يشد أواصر أبناء الحركة أسمى من مجرد فوز في معركة انتخابية في جامعة أو بلدية أو تشريعي.
وإن أضفنا لهذه الأرواح التي بدأت صناعة وجه المجتمع تأثرها بما تتعرض له الحركة الأم في مصر عبر تاريخها، وما صنعته النماذج المختلفة في الجهاد ضد اليهود؛ يمكن أن ندرك أي زهد في الحياة رافق مسيرتهم.
ومع تنامي العمل الجهادي ونشاط الحركة الطلابية في الجامعات وغيرها وتنبه الاحتلال والسلطة له ارتفعت وتيرة الاعتقال وضرب الهياكل التنظيمية مما أضعف البناء التربوي وهو الركيزة الأساسية في النسيج الدعوي، والذي تسبب أيضًا في ظهور أجيال لم تأخذ حقها من التدرب والاحتكاك بالقدوات والفهم والنقاش وتبادل الخبرات لمواجهة ظروف الحياة وتقلبات المراحل؛ وهذا ضاعف المسؤولية الملقاة على عاتق كوادر الحركة المدركين لخطر غياب التربية.
إلا أن ما تعرضت له الحركة من حظر واستنزاف منذ صيف 2007 إلى اليوم لم يأتِ فقط على البنى التحتية العسكرية والسياسية والمالية كما قد يتوهم أي منا، فليست المشكلة غياب الظهور الحركي والميداني للحركة، وليست المشكلة غياب التربية والمربين وهي مشكلة متصلة، وليست المشكلة أيضًا انشغال معظم مناصري الحركة وأبنائها في همومهم الشخصية؛ بل المشكلة الأخطر من وجهة نظري:
تفسُّخ عُرى الأخوَّة في العلاقات بين أبنائها.
فالعلاقة بين أي اثنين من أبناء الحركة لم تقم لأجل النشاط الذي يخدم أهداف الحركة وحضورها الجماهيري، وما قامت به أجهزة فتح هو تمزيق هذا النسيج، مما يجعل نظرة الشك والريبة هي العين التي يرى بها الأخُ أخاه!
ولأن الواحد منهم يُسأل عمَن سلَّم عليه، ومَن هاتفه، وعن علاقته بفلان أو فلان وقد يتعرض للاعتقال ليكون محور الأسئلة علاقاته؛ فإن المعظم بات يتجنب حتى سؤال مَن يعرفه عن الحال والأحوال! بل بات ينكر علاقاته اتقاء!
غابت روح الأخوّة وحلت المادة والمصلحة، لك عندي شيء تسألني وإن لم يكن فلا أراك ولا تراني!
ليست مشكلتنا إلا الخوف والجبن الذي دفنَّا معه أواصر التواصل الصادق، لماذا لا نعترف بعلاقاتنا كجزء من حياتنا، ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا؟ لماذا لا نضع حدًا لتدخلات المتدخلين في علاقاتنا الاجتماعية؟ لماذا نحكم على الرابطة التي جمعتنا بالزوال لمجرد رغبة مستبِد جبان؟
لماذا كلهم يفخرون بعلاقاتهم علنية، وانتماءاتهم علنية إلا نحن؛ أنا وأنت وهي؟!
أنا لستُ شُبهة، ولا أنتِ، وأنتَ لستَ شُبهة، ومَن يتعامل معنا كذلك نواجهه؛ إن كنتَ تريد أن تدفن علاقتك معي فهذا شأنك أما أنا فإن نور الحق الذي أحيا به أزال رطوبة وعفونة الخوف من البشر!
في القديم كانت الحاجة تدعو لبناء مجتمع خاص داخل مجتمع أكبر؛ أما اليوم فإن المطلوب أن نقوي أواصر محبتنا لنواجه تردي مجتمعاتنا، وإلا كيف سنحقق التأثير والتغيير في المجتمع الكبير ما دُمنا نخاف توطيد علاقاتنا في المجتمع الدعوي الأصغر وهو نواة الجذب والطاقة؟!
مطلوب من كل واحد منا أن يصير صِبغة تذوب في المجتمع عطاءً فإنِ امتزجت صبغته في لبِنات محيطه أو مجتمعه فلا يمكن إزالة أثره، والله تعالى يقول: "صِبغة الله ومَن أحسنُ من الله صِبغة"، ولا يمكن لنا أن ننجح إن لم نكن متحدين يسعى كل منا في خدمة أخيه دون طلب أو أجر أو مصلحة، كما لا يمكن أن نتقدم إن لم نهمس في وُد ومحبة بالنصيحة لإخواننا سواء قبلوها أو ردوها، فالثبات يحتاج من يعين عليه.
الواجب الذي علينا القيام به أن نتحلى بالإيجابية لنرتفع، لتسمو الأرواح بعد أن عرَّتها مادية الحياة والخوف على النفس والرزق والأجل
إسراء لافي
حين بدأت الصحوة كان الحديث عن الدعوة أشبه بقطرة ماء على أرض قاحلة، ومع تراكم الغيث بدأ المجتمع يُزهر ويخضَرّ، ونشأ مجتمع الدعوة الخاص داخل المجتمع الأكبر، كان خاصًا في نسيجه وصبغته وتفاصيله، في علاقات أفراده وشعورهم بغُربة تجمعهم؛ وشعور بالمسؤولية يوحدهم ويوحد جهودهم للتأثير في المجتمع والنهوض به ليشتد عوده على الفهم الصحيح للإسلام وعيًا وتطبيقًا.
لخصوصية فلسطين تحديدًا فإن العاطفة الصادقة والتأثر بالشهداء وثبات الأسرى وتضحياتهم، وتضحيات أبناء الدعوة عمومًا فما منهم أحد إلا ابتُلي بماله أو أهله أو ولده أو بالسجن أو في جسده أو دراسته أو الإبعاد أو الاغتيال والشهادة؛ فإن طبيعة ما كان يشد أواصر أبناء الحركة أسمى من مجرد فوز في معركة انتخابية في جامعة أو بلدية أو تشريعي.
وإن أضفنا لهذه الأرواح التي بدأت صناعة وجه المجتمع تأثرها بما تتعرض له الحركة الأم في مصر عبر تاريخها، وما صنعته النماذج المختلفة في الجهاد ضد اليهود؛ يمكن أن ندرك أي زهد في الحياة رافق مسيرتهم.
ومع تنامي العمل الجهادي ونشاط الحركة الطلابية في الجامعات وغيرها وتنبه الاحتلال والسلطة له ارتفعت وتيرة الاعتقال وضرب الهياكل التنظيمية مما أضعف البناء التربوي وهو الركيزة الأساسية في النسيج الدعوي، والذي تسبب أيضًا في ظهور أجيال لم تأخذ حقها من التدرب والاحتكاك بالقدوات والفهم والنقاش وتبادل الخبرات لمواجهة ظروف الحياة وتقلبات المراحل؛ وهذا ضاعف المسؤولية الملقاة على عاتق كوادر الحركة المدركين لخطر غياب التربية.
إلا أن ما تعرضت له الحركة من حظر واستنزاف منذ صيف 2007 إلى اليوم لم يأتِ فقط على البنى التحتية العسكرية والسياسية والمالية كما قد يتوهم أي منا، فليست المشكلة غياب الظهور الحركي والميداني للحركة، وليست المشكلة غياب التربية والمربين وهي مشكلة متصلة، وليست المشكلة أيضًا انشغال معظم مناصري الحركة وأبنائها في همومهم الشخصية؛ بل المشكلة الأخطر من وجهة نظري:
تفسُّخ عُرى الأخوَّة في العلاقات بين أبنائها.
فالعلاقة بين أي اثنين من أبناء الحركة لم تقم لأجل النشاط الذي يخدم أهداف الحركة وحضورها الجماهيري، وما قامت به أجهزة فتح هو تمزيق هذا النسيج، مما يجعل نظرة الشك والريبة هي العين التي يرى بها الأخُ أخاه!
ولأن الواحد منهم يُسأل عمَن سلَّم عليه، ومَن هاتفه، وعن علاقته بفلان أو فلان وقد يتعرض للاعتقال ليكون محور الأسئلة علاقاته؛ فإن المعظم بات يتجنب حتى سؤال مَن يعرفه عن الحال والأحوال! بل بات ينكر علاقاته اتقاء!
غابت روح الأخوّة وحلت المادة والمصلحة، لك عندي شيء تسألني وإن لم يكن فلا أراك ولا تراني!
ليست مشكلتنا إلا الخوف والجبن الذي دفنَّا معه أواصر التواصل الصادق، لماذا لا نعترف بعلاقاتنا كجزء من حياتنا، ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا؟ لماذا لا نضع حدًا لتدخلات المتدخلين في علاقاتنا الاجتماعية؟ لماذا نحكم على الرابطة التي جمعتنا بالزوال لمجرد رغبة مستبِد جبان؟
لماذا كلهم يفخرون بعلاقاتهم علنية، وانتماءاتهم علنية إلا نحن؛ أنا وأنت وهي؟!
أنا لستُ شُبهة، ولا أنتِ، وأنتَ لستَ شُبهة، ومَن يتعامل معنا كذلك نواجهه؛ إن كنتَ تريد أن تدفن علاقتك معي فهذا شأنك أما أنا فإن نور الحق الذي أحيا به أزال رطوبة وعفونة الخوف من البشر!
في القديم كانت الحاجة تدعو لبناء مجتمع خاص داخل مجتمع أكبر؛ أما اليوم فإن المطلوب أن نقوي أواصر محبتنا لنواجه تردي مجتمعاتنا، وإلا كيف سنحقق التأثير والتغيير في المجتمع الكبير ما دُمنا نخاف توطيد علاقاتنا في المجتمع الدعوي الأصغر وهو نواة الجذب والطاقة؟!
مطلوب من كل واحد منا أن يصير صِبغة تذوب في المجتمع عطاءً فإنِ امتزجت صبغته في لبِنات محيطه أو مجتمعه فلا يمكن إزالة أثره، والله تعالى يقول: "صِبغة الله ومَن أحسنُ من الله صِبغة"، ولا يمكن لنا أن ننجح إن لم نكن متحدين يسعى كل منا في خدمة أخيه دون طلب أو أجر أو مصلحة، كما لا يمكن أن نتقدم إن لم نهمس في وُد ومحبة بالنصيحة لإخواننا سواء قبلوها أو ردوها، فالثبات يحتاج من يعين عليه.
الواجب الذي علينا القيام به أن نتحلى بالإيجابية لنرتفع، لتسمو الأرواح بعد أن عرَّتها مادية الحياة والخوف على النفس والرزق والأجل
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية