ماذا يحصل على حدود غزة الشرقية؟
د. عدنان أبو عامر
منذ أن وضعت الحرب أوزارها، حصل نوع من توزيع الأدوار بين أسلحة الجيش الإسرائيلي، فقد هدأ سلاح الطيران من طلعاته الجوية بصورة ملحوظة باستثناء غارات وهمية يقوم بها بين الحين والآخر في سماء غزة، سواء لعدم استفزاز حماس، أو لانشغاله بأجواء جوية أخرى في المنطقة، أو لاعتقاده أن القطاع ينعم بهدوء لا يتطلب منه التحليق الدائم والمكثف.
في المقابل، برز دور مركزي لسلاح المشاة والقوات البرية في الجيش الإسرائيلي، حيث لم تعرف المناطق البرية من الحدود الشرقية لقطاع غزة الهدوء إطلاقاً منذ أن وقفت العمليات العسكرية من إسرائيل ضد حماس يوم 22/11/2012، كون هذه المناطق الأقرب جغرافياً للعمق الإسرائيلي، ومنها تنطلق الصواريخ ضد أهداف حيوية في مستوطناتها ومدنها الجنوبية، خاصة "سديروت، أسدود، المجدل، بئر السبع".
وفي نفس الوقت، يغلب على هذه الحدود الشرقية لقطاع غزة الطابع الزراعي، كما أنها تقع ضمن مدى نيران المدفعية الإسرائيلية، التي تطلق قذائفها بصورة شبه يومية، وأشبه ما يكون بمنطقة محاصرة، يمكن إسقاطها عبر اقتحامها عسكرياً بين الحين والآخر.
ولذلك دأبت الدوريات العسكرية الإسرائيلية خلال الأسابيع القليلة الماضية على تنفيذ اجتياحات جزئية لهذه الحدود الشرقية، تحدث أغلبها في ساعات الليل المتأخرة وتمتد حتى ساعات الصباح الأولى، ثم تنسحب، ويحصل خلالها بعض أعمال التجريف للأشجار والحقول الزراعية، وإصابة بعض المزارعين الفلسطينيين.
فيما تعلن إسرائيل أن سبب هذه الاجتياحات ورود معلومات أمنية مفادها أن الفلسطينيين يحفرون أنفاقاً في هذه المناطق، تحضيراً لجولة مواجهة قادمة، كما حصل في منطقة "جبل الكاشف" شمال شرق مدينة غزة خلال حرب 2008-2009، حين قام أفراد من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس من التسلل خلف خطوط القوات الإسرائيلية المتوغلة شرق الجبل، ثم قامت بتدمير عدة آليات بعبوات ناسفة.
وترى الفصائل المسلحة أن إسرائيل تبرر توغلاتها المستمرة لحدود غزة الشرقية، رغم التهدئة المعلنة مع حماس، لتفجير الأنفاق التي يحفرها الفلسطينيون، حيث خاض الجنود الإسرائيليون خلالها ما أسموه بـ"حرب أشباح، لأنهم لم يروا مقاتلين بالعين المجردة، بل سرعان ما يندفعون صوبهم من باطن الأرض، ويخرجون لهم من أعماقها، فالجنود يتحركون على الأرض، ويشعرون أن أسفلَ منهم مدينة تحت أرضية"!
وجرت العادة في الأسابيع الأخيرة أن تستغرق عملية التوغل الإسرائيلية شرق غزة بضع ساعات لخروج الدبابات والآليات العسكرية من مواقعها المنتشرة على حدود قطاع غزة للوصول إلى النقطة التي تريدها، وتنفذ عمليتها العسكرية، ثم تعود للتمركز في أماكنها داخل حدود إسرائيل، وهو ما يسميه الجيش بمصطلح "القتال من الجانب الآخر"، وتعني تعزيز عمليات الاقتحام البري دون الرغبة بإطالة التموضع داخل أراضي قطاع غزة، وبهدف تحقيق غايات تكتيكية ردعية في الوقت ذاته.
ومنذ أن انتهت الحرب الإسرائيلية الأخيرة، سعى الجيش الإسرائيلي فعلياً لإقامة منطقة عازلة شرق غزة من خلال دخول القوات البرية لفترة زمنية، وقد تبين لكاتب هذه السطور من خلال جولة ميدانية قمت بها هناك، أن هذه التوغلات تقتصر على شريط زراعي غير مأهول، دون الذهاب بعيداً إلى احتلال المناطق المأهولة في مناطق "بيت حانون وبيت لاهيا شمالاً، والبريج والمغازي شرقاً"، وهي ساحات يسميها مقاتلو حماس "منطقة الحماية"، يفترض أن يتم فيها القتال أمام القوات المتقدمة من الجيش الإسرائيلي بواسطة العبوات، الكمائن وقذائف الهاون.
• الضبط الميداني
في الجانب الفلسطيني من الحدود، تسربت في الأسابيع الأخيرة، أحاديث مفادها أن الحكومة التي تقودها حركة حماس بدأت بنشر عشرات من عناصرها على الحدود الشرقية لمنع خرق التهدئة مع إسرائيل.
ورغم أن حماس لم تعلن ذلك رسمياً، لكن هناك تقارير صحفية ميدانية، قالت إن عناصر من الشرطة انتشروا في المناطق الحدودية لقطاع غزة، لأنها تسعى جاهدة لعدم تصعيد الموقف مع إسرائيل في القطاع، عبر كبح جماح بعض المجموعات المسلحة التي تقوم بين الحين والآخر بإطلاق صواريخ وقذائف الهاون، ولذلك تم تعزيز القوة الميدانية بعناصر إضافية جديدة ووسائل قتالية حديثة، حيث يقوم أفرادها بدوريات على المناطق الحدودية، وهم يرتدون الزي المدني والعسكري.
ورغم عدم توفر أرقام دقيقة حول الأعداد الحقيقية لعناصر هذه الوحدة الأمنية، لكن هدفها عمليات الرصد الأمني والمتابعة الميدانية، وقد صدر القرار الحمساوي عقب قيام مسلحين في الآونة الأخيرة بإطلاق صواريخ تجاه إسرائيل، هددت معها الأخيرة بالرد بيد من حديد على حماس، ولذلك جرى نشر العناصر الأمنية في مناطق متقدمة من الحدود الشرقية مع إسرائيل، وأقاموا حواجز ثابتة وأخرى طيارة، كما انتشرت في مناطق أخرى بعيدة عن الحدود كانت تستخدم لإطلاق صواريخ تجاه أهداف إسرائيلية.
علماً بأن وحدة الضبط الميداني تابعة من الناحية التنظيمية للإدارة العامة للشؤون العسكرية بوزارة الداخلية، وهي منتشرة على جميع الحدود الشرقية لقطاع غزة، وتضطلع بمهام عديدة من أبرزها ملاحقة العملاء المتخابرين مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، وكيفية إلقاء القبض عليهم حين توجههم إلى الجانب الإسرائيلي عبر الحدود.
وهو ما يمنح أهمية لدور قوى الضبط الميداني، لأن لها وظيفة كبيرة في اتجاهين: ضبط الحدود الشرقية من العملاء، ورصد الميدان، وعدم السماح لـ"الانفلات الأمني"، خصوصاً من بعض التنظيمات المسلحة التي تقوم بإطلاق الصواريخ على إسرائيل بصورة انفرادية.
أخيراً..فإن الوضع الميداني الذي تعيشه حدود غزة الشرقية يؤكد بأنها ستبقى تعيش أجواء أمنية هادئة حتى إشعار آخر، على اعتبار أن طرفي أي مواجهة قادمة بين حماس وإسرائيل يحاولان الإبقاء على هذا الهدوء أطول فترة زمنية ممكنة، لأن هذه المنطقة التي تمتد 40 كيلومترا من رفح جنوباً إلى بيت حانون شمالاً ستشهد اشتعال الصاعق الذي سيفجر الحرب الإسرائيلية القادمة ضد غزة!
د. عدنان أبو عامر
منذ أن وضعت الحرب أوزارها، حصل نوع من توزيع الأدوار بين أسلحة الجيش الإسرائيلي، فقد هدأ سلاح الطيران من طلعاته الجوية بصورة ملحوظة باستثناء غارات وهمية يقوم بها بين الحين والآخر في سماء غزة، سواء لعدم استفزاز حماس، أو لانشغاله بأجواء جوية أخرى في المنطقة، أو لاعتقاده أن القطاع ينعم بهدوء لا يتطلب منه التحليق الدائم والمكثف.
في المقابل، برز دور مركزي لسلاح المشاة والقوات البرية في الجيش الإسرائيلي، حيث لم تعرف المناطق البرية من الحدود الشرقية لقطاع غزة الهدوء إطلاقاً منذ أن وقفت العمليات العسكرية من إسرائيل ضد حماس يوم 22/11/2012، كون هذه المناطق الأقرب جغرافياً للعمق الإسرائيلي، ومنها تنطلق الصواريخ ضد أهداف حيوية في مستوطناتها ومدنها الجنوبية، خاصة "سديروت، أسدود، المجدل، بئر السبع".
وفي نفس الوقت، يغلب على هذه الحدود الشرقية لقطاع غزة الطابع الزراعي، كما أنها تقع ضمن مدى نيران المدفعية الإسرائيلية، التي تطلق قذائفها بصورة شبه يومية، وأشبه ما يكون بمنطقة محاصرة، يمكن إسقاطها عبر اقتحامها عسكرياً بين الحين والآخر.
ولذلك دأبت الدوريات العسكرية الإسرائيلية خلال الأسابيع القليلة الماضية على تنفيذ اجتياحات جزئية لهذه الحدود الشرقية، تحدث أغلبها في ساعات الليل المتأخرة وتمتد حتى ساعات الصباح الأولى، ثم تنسحب، ويحصل خلالها بعض أعمال التجريف للأشجار والحقول الزراعية، وإصابة بعض المزارعين الفلسطينيين.
فيما تعلن إسرائيل أن سبب هذه الاجتياحات ورود معلومات أمنية مفادها أن الفلسطينيين يحفرون أنفاقاً في هذه المناطق، تحضيراً لجولة مواجهة قادمة، كما حصل في منطقة "جبل الكاشف" شمال شرق مدينة غزة خلال حرب 2008-2009، حين قام أفراد من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس من التسلل خلف خطوط القوات الإسرائيلية المتوغلة شرق الجبل، ثم قامت بتدمير عدة آليات بعبوات ناسفة.
وترى الفصائل المسلحة أن إسرائيل تبرر توغلاتها المستمرة لحدود غزة الشرقية، رغم التهدئة المعلنة مع حماس، لتفجير الأنفاق التي يحفرها الفلسطينيون، حيث خاض الجنود الإسرائيليون خلالها ما أسموه بـ"حرب أشباح، لأنهم لم يروا مقاتلين بالعين المجردة، بل سرعان ما يندفعون صوبهم من باطن الأرض، ويخرجون لهم من أعماقها، فالجنود يتحركون على الأرض، ويشعرون أن أسفلَ منهم مدينة تحت أرضية"!
وجرت العادة في الأسابيع الأخيرة أن تستغرق عملية التوغل الإسرائيلية شرق غزة بضع ساعات لخروج الدبابات والآليات العسكرية من مواقعها المنتشرة على حدود قطاع غزة للوصول إلى النقطة التي تريدها، وتنفذ عمليتها العسكرية، ثم تعود للتمركز في أماكنها داخل حدود إسرائيل، وهو ما يسميه الجيش بمصطلح "القتال من الجانب الآخر"، وتعني تعزيز عمليات الاقتحام البري دون الرغبة بإطالة التموضع داخل أراضي قطاع غزة، وبهدف تحقيق غايات تكتيكية ردعية في الوقت ذاته.
ومنذ أن انتهت الحرب الإسرائيلية الأخيرة، سعى الجيش الإسرائيلي فعلياً لإقامة منطقة عازلة شرق غزة من خلال دخول القوات البرية لفترة زمنية، وقد تبين لكاتب هذه السطور من خلال جولة ميدانية قمت بها هناك، أن هذه التوغلات تقتصر على شريط زراعي غير مأهول، دون الذهاب بعيداً إلى احتلال المناطق المأهولة في مناطق "بيت حانون وبيت لاهيا شمالاً، والبريج والمغازي شرقاً"، وهي ساحات يسميها مقاتلو حماس "منطقة الحماية"، يفترض أن يتم فيها القتال أمام القوات المتقدمة من الجيش الإسرائيلي بواسطة العبوات، الكمائن وقذائف الهاون.
• الضبط الميداني
في الجانب الفلسطيني من الحدود، تسربت في الأسابيع الأخيرة، أحاديث مفادها أن الحكومة التي تقودها حركة حماس بدأت بنشر عشرات من عناصرها على الحدود الشرقية لمنع خرق التهدئة مع إسرائيل.
ورغم أن حماس لم تعلن ذلك رسمياً، لكن هناك تقارير صحفية ميدانية، قالت إن عناصر من الشرطة انتشروا في المناطق الحدودية لقطاع غزة، لأنها تسعى جاهدة لعدم تصعيد الموقف مع إسرائيل في القطاع، عبر كبح جماح بعض المجموعات المسلحة التي تقوم بين الحين والآخر بإطلاق صواريخ وقذائف الهاون، ولذلك تم تعزيز القوة الميدانية بعناصر إضافية جديدة ووسائل قتالية حديثة، حيث يقوم أفرادها بدوريات على المناطق الحدودية، وهم يرتدون الزي المدني والعسكري.
ورغم عدم توفر أرقام دقيقة حول الأعداد الحقيقية لعناصر هذه الوحدة الأمنية، لكن هدفها عمليات الرصد الأمني والمتابعة الميدانية، وقد صدر القرار الحمساوي عقب قيام مسلحين في الآونة الأخيرة بإطلاق صواريخ تجاه إسرائيل، هددت معها الأخيرة بالرد بيد من حديد على حماس، ولذلك جرى نشر العناصر الأمنية في مناطق متقدمة من الحدود الشرقية مع إسرائيل، وأقاموا حواجز ثابتة وأخرى طيارة، كما انتشرت في مناطق أخرى بعيدة عن الحدود كانت تستخدم لإطلاق صواريخ تجاه أهداف إسرائيلية.
علماً بأن وحدة الضبط الميداني تابعة من الناحية التنظيمية للإدارة العامة للشؤون العسكرية بوزارة الداخلية، وهي منتشرة على جميع الحدود الشرقية لقطاع غزة، وتضطلع بمهام عديدة من أبرزها ملاحقة العملاء المتخابرين مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، وكيفية إلقاء القبض عليهم حين توجههم إلى الجانب الإسرائيلي عبر الحدود.
وهو ما يمنح أهمية لدور قوى الضبط الميداني، لأن لها وظيفة كبيرة في اتجاهين: ضبط الحدود الشرقية من العملاء، ورصد الميدان، وعدم السماح لـ"الانفلات الأمني"، خصوصاً من بعض التنظيمات المسلحة التي تقوم بإطلاق الصواريخ على إسرائيل بصورة انفرادية.
أخيراً..فإن الوضع الميداني الذي تعيشه حدود غزة الشرقية يؤكد بأنها ستبقى تعيش أجواء أمنية هادئة حتى إشعار آخر، على اعتبار أن طرفي أي مواجهة قادمة بين حماس وإسرائيل يحاولان الإبقاء على هذا الهدوء أطول فترة زمنية ممكنة، لأن هذه المنطقة التي تمتد 40 كيلومترا من رفح جنوباً إلى بيت حانون شمالاً ستشهد اشتعال الصاعق الذي سيفجر الحرب الإسرائيلية القادمة ضد غزة!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية