ماكينة البلبلة
فهمي هويدي
لا صوت يعلو فوق صوت التخريب والهدم والتحريض في الإعلام المصري هذه الأيام.
فثمة سعي حثيث لتفجير العلاقة بين النظام القائم والجيش.
إذ منذ عدة أسابيع والشائعات تتحدث عن تذمر وغضب في أوساط القوات المسلحة، وهناك دعوات صريحة في حوارات البرامج التلفزيونية إلى ضرورة تدخل الجيش لوقف التدهور الحاصل في البلد.
وقرأت تصريحا نشرته إحدى الصحف على رأس صفحتها الأولى قال فيه أحدهم صراحة إن هذا هو الوقت المناسب للقيام بانقلاب في البلد،
وخلال اليومين الماضيين تحدثت الشائعات عن إقالة وزير الدفاع وبعض قيادات القوات المسلحة، فتسابقت الصحف (المستقلة) في التنديد بالخطوة التي لم تحدث،
فمن قائل إن ذلك بمثابة انتحار للنظام،
وقائل بأن الوزير السيسي يمثل خطا أحمر يتعين عدم المساس به، ومحذرا من أن الإخوان يلعبون بالنار مع الجيش.
وذهبت إحدى الصحف إلى اختراع تصريح لمصدر عسكري مجهول نقلت على لسانه قوله إن الجيش لن يسمح بتكرار سيناريو طنطاوي وعنان
(المقصود المشير طنطاوي والفريق سامي عنان اللذان أحالهما الرئيس محمد مرسي إلى التقاعد).
ووسط هذه البلبلة قرأنا تصريحا للمتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة قال فيه إنهم لا يتعاملون مع الشائعات!
وإذ يفترض أن يحسم هذا التصريح المسألة، إلا أن ماكينة البلبلة لم تتوقف، والساعون إلى التحريض والتشويش لم يهدأوا،
آية ذلك مثلا أنه إلى جانب العبث بملف الجيش والسلطة،
فهناك لعب آخر يمارس بخبث شديد في مسألة العنف،
فمن ناحية، لا نكاد نجد إدانة لممارسة العنف الذي يوجه ضد المرافق العامة ومؤسسات المجتمع،
وإنما لا تخلو الصحف من حفاوة بمظاهره واعتبارها من تداعيات معارضة النظام، ومن قبيل ممارسة التظاهر المشروع الذي يكفله القانون، متجاهلين أن المشروع هو التظاهر السلمي الذي له نظامه وحدوده.
وأن رشق المؤسسات العامة ومحاولة إحراق مقار الحكم، وتعطيل شبكة المترو أوقف العمل بمجمع التحرير الذي تُقضى فيه معظم مصالح الخلق ذلك كله يخرج عن المشروعية، ويعد من الجرائم التي يعاقب عليها القانون في كل الديمقراطيات المحترمة.
في الوقت الذي تتم فيه رعاية ومباركة العنف الذي يمارس ضد مؤسسات الدولة والمجتمع، ثمة حفاوة مبالغ فيها من جانب أي طرف يتطرق للموضوع ناسبا نفسه إلى الساحة الإسلامية.
وفي إطار تلك الحفاوة تفرد صفحات الصحف لأي شخص ملتح يهدد بالقتل أو يتوعد المخالفين بالاغتيال.
وقد طالعنا قبل أيام حوارا مطولا مع مجهول يدعى أبوحبيبة، لا يعرف له شكل أو وزن، قال إن وراءه كتائب تحمل اسم (مسلمون) ويتحدث عن تصفيات ينتوونها وقوائم سوداء ضم أسماء (المتأسلمين والخونة من العلمانيين والليبراليين). وهؤلاء سيتم اغتيالهم إذا سقطت الدولة.
كما تحدث عن تجسس على (النصارى) وخططهم لتقسيم البلاد.
ووسط الحوار صورة مكبرة لأشخاص ملثمين يرتدون ثيابا سوداء ويحملون رشاشات، يفترض أنهم عناصر تلك الكتائب.
وإلى جوارها صورة للسيد أبوحبيبة وقد ظهر بدوره ملثما وأمامه مدفع عرف به نفسه.
وبدلا من أن يعد الكلام بلاغا للنائب العام للتحقيق في صحة الأقوال وهوية الأشخاص المسلحين والدعاوى التي يطلقونها، فإن الجريدة هللت للكلام واعتبرته (انفرادا).
ذلك واحد من عشرات النماذج الأخرى التي جرت فيها الحفاوة بدعوات العنف، وتقديم الذين يباشرونه بحسبانهم مناضلين ومخلِّصين.
وقد تابعنا قبل حين مظاهرة التهليل التي قوبلت بها فرقة الملثمين الذين انتحلوا اسم (بلاك بلوك)، وكيف أن بعض البرامج التلفزيونية استضافت عناصرهم، رغم ما نسب إليهم من مظاهر للعنف، الأمر الذي يفترض أن يسوقهم أمام العدالة، لا أن يحولهم إلى ضيوف ونجوم في التلفزيون.
الملف الثالث الذي يتجلى فيه خطاب التحريض والبلبلة يتمثل في الدعوة الملحة إلى العصيان المدني، التي قيل إنها لقيت استجابة في بورسعيد، أغلب الظن بسبب الحكم بإعدام 21 شخصا من أبناء المدينة الذين أدينوا في مذبحة استاد المدينة.
ورغم أن الدعوة فشلت في الإسكندرية إلا أن الصحف الصباحية مازالت تدعو إليها، وتلح وتؤكد على أن ثلاث محافظات أخرى على (خط العصيان) هي كفر الشيخ والغربية والدقهلية.
ماكينة البلبلة مستمرة ولا أعرف إن كانت تلك مجرد مصادفات أم أن فيها شيئا مرتبا، لكن الذي أعرفه وألمسه أن أحدا من الذين يحركون تلك الأحداث ليس مشغولا ببناء أي شيء في البلد، وأن ذلك كله يصب في وعاء الثورة المضادة، شاء هؤلاء أم أبوا
فهمي هويدي
لا صوت يعلو فوق صوت التخريب والهدم والتحريض في الإعلام المصري هذه الأيام.
فثمة سعي حثيث لتفجير العلاقة بين النظام القائم والجيش.
إذ منذ عدة أسابيع والشائعات تتحدث عن تذمر وغضب في أوساط القوات المسلحة، وهناك دعوات صريحة في حوارات البرامج التلفزيونية إلى ضرورة تدخل الجيش لوقف التدهور الحاصل في البلد.
وقرأت تصريحا نشرته إحدى الصحف على رأس صفحتها الأولى قال فيه أحدهم صراحة إن هذا هو الوقت المناسب للقيام بانقلاب في البلد،
وخلال اليومين الماضيين تحدثت الشائعات عن إقالة وزير الدفاع وبعض قيادات القوات المسلحة، فتسابقت الصحف (المستقلة) في التنديد بالخطوة التي لم تحدث،
فمن قائل إن ذلك بمثابة انتحار للنظام،
وقائل بأن الوزير السيسي يمثل خطا أحمر يتعين عدم المساس به، ومحذرا من أن الإخوان يلعبون بالنار مع الجيش.
وذهبت إحدى الصحف إلى اختراع تصريح لمصدر عسكري مجهول نقلت على لسانه قوله إن الجيش لن يسمح بتكرار سيناريو طنطاوي وعنان
(المقصود المشير طنطاوي والفريق سامي عنان اللذان أحالهما الرئيس محمد مرسي إلى التقاعد).
ووسط هذه البلبلة قرأنا تصريحا للمتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة قال فيه إنهم لا يتعاملون مع الشائعات!
وإذ يفترض أن يحسم هذا التصريح المسألة، إلا أن ماكينة البلبلة لم تتوقف، والساعون إلى التحريض والتشويش لم يهدأوا،
آية ذلك مثلا أنه إلى جانب العبث بملف الجيش والسلطة،
فهناك لعب آخر يمارس بخبث شديد في مسألة العنف،
فمن ناحية، لا نكاد نجد إدانة لممارسة العنف الذي يوجه ضد المرافق العامة ومؤسسات المجتمع،
وإنما لا تخلو الصحف من حفاوة بمظاهره واعتبارها من تداعيات معارضة النظام، ومن قبيل ممارسة التظاهر المشروع الذي يكفله القانون، متجاهلين أن المشروع هو التظاهر السلمي الذي له نظامه وحدوده.
وأن رشق المؤسسات العامة ومحاولة إحراق مقار الحكم، وتعطيل شبكة المترو أوقف العمل بمجمع التحرير الذي تُقضى فيه معظم مصالح الخلق ذلك كله يخرج عن المشروعية، ويعد من الجرائم التي يعاقب عليها القانون في كل الديمقراطيات المحترمة.
في الوقت الذي تتم فيه رعاية ومباركة العنف الذي يمارس ضد مؤسسات الدولة والمجتمع، ثمة حفاوة مبالغ فيها من جانب أي طرف يتطرق للموضوع ناسبا نفسه إلى الساحة الإسلامية.
وفي إطار تلك الحفاوة تفرد صفحات الصحف لأي شخص ملتح يهدد بالقتل أو يتوعد المخالفين بالاغتيال.
وقد طالعنا قبل أيام حوارا مطولا مع مجهول يدعى أبوحبيبة، لا يعرف له شكل أو وزن، قال إن وراءه كتائب تحمل اسم (مسلمون) ويتحدث عن تصفيات ينتوونها وقوائم سوداء ضم أسماء (المتأسلمين والخونة من العلمانيين والليبراليين). وهؤلاء سيتم اغتيالهم إذا سقطت الدولة.
كما تحدث عن تجسس على (النصارى) وخططهم لتقسيم البلاد.
ووسط الحوار صورة مكبرة لأشخاص ملثمين يرتدون ثيابا سوداء ويحملون رشاشات، يفترض أنهم عناصر تلك الكتائب.
وإلى جوارها صورة للسيد أبوحبيبة وقد ظهر بدوره ملثما وأمامه مدفع عرف به نفسه.
وبدلا من أن يعد الكلام بلاغا للنائب العام للتحقيق في صحة الأقوال وهوية الأشخاص المسلحين والدعاوى التي يطلقونها، فإن الجريدة هللت للكلام واعتبرته (انفرادا).
ذلك واحد من عشرات النماذج الأخرى التي جرت فيها الحفاوة بدعوات العنف، وتقديم الذين يباشرونه بحسبانهم مناضلين ومخلِّصين.
وقد تابعنا قبل حين مظاهرة التهليل التي قوبلت بها فرقة الملثمين الذين انتحلوا اسم (بلاك بلوك)، وكيف أن بعض البرامج التلفزيونية استضافت عناصرهم، رغم ما نسب إليهم من مظاهر للعنف، الأمر الذي يفترض أن يسوقهم أمام العدالة، لا أن يحولهم إلى ضيوف ونجوم في التلفزيون.
الملف الثالث الذي يتجلى فيه خطاب التحريض والبلبلة يتمثل في الدعوة الملحة إلى العصيان المدني، التي قيل إنها لقيت استجابة في بورسعيد، أغلب الظن بسبب الحكم بإعدام 21 شخصا من أبناء المدينة الذين أدينوا في مذبحة استاد المدينة.
ورغم أن الدعوة فشلت في الإسكندرية إلا أن الصحف الصباحية مازالت تدعو إليها، وتلح وتؤكد على أن ثلاث محافظات أخرى على (خط العصيان) هي كفر الشيخ والغربية والدقهلية.
ماكينة البلبلة مستمرة ولا أعرف إن كانت تلك مجرد مصادفات أم أن فيها شيئا مرتبا، لكن الذي أعرفه وألمسه أن أحدا من الذين يحركون تلك الأحداث ليس مشغولا ببناء أي شيء في البلد، وأن ذلك كله يصب في وعاء الثورة المضادة، شاء هؤلاء أم أبوا
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية