يتصرف محافظ نابلس جبريل البكري (من مدينة الخليل) وكأن محافظة نابلس مزرعة له، وأكاديمية أمنية لعناصر الأجهزة هناك، ويبدو أن سكرة المصالحة التي أخذت المستوى الأمني هناك سرعان ما ذهبت ليجيء محلّها القمع والترهيب وتكميم الأفواه الذي اعتادت عليه عناصر الأجهزة منذ أربع سنوات، وسبقتها (بروفات) إرهابية لحفنة الزعران الذين كانوا يعيثون في شوارع الضفة انفلاتاً أمنياً بشعا!
ولم يجد محافظ نابلس غير أهالي المعتقلين السياسيين (زوجاتهم وأبنائهم تحديدا) لكي يستقوي عليهم ويعرض عضلات الأجهزة الأمنية أمامهم، وآخر صرعة لكفاءة شرطتها النسائية التي تفننت في شتم النائب منى منصور وأهالي المعتقلين، وضرب ابنتها قبل نحو أسبوعين، حين تم فضّ اعتصام الأهالي بالقوة، وبالبلطجة الشوارعية إياها، ثم باتباع شكل آخر لها يتمثل في تهديد الأهالي الذين كانوا ينوون تنظيم اعتصام أمس في نابلس احتجاجاً على استمرار اعتقال أبنائهم.
نجد من الضروري هنا أن ننعش ذاكرة سعادة أو سيادة أو عطوفة المحافظ الذي ترتعد أركان منظومته الأمنية من تبعات اعتصام سلمي صامت لبضعة أفراد بأنه وأجهزته قبلوا وما زالوا يقبلون رغماً عن أنوفهم التنسيق مع الاحتلال لتأمين وصول عشرات المستوطنين إلى ما يسمى بمقام يوسف في المدينة، بل وتوفير الحماية لهم حتى تنقضي الزيارة، فتحتَ أي بند من السيادة يا ترى يندرج هذا الأمر؟! وهل تراه يجرؤ على إطلاق تصريحات في الإعلام يقول فيها إنه لن يسمح بتنظيم زيارة المستوطنين إلا بعد الحصول على ترخيص من المحافظة؟! الجواب عنده وعندنا بكل تأكيد، فنحن وهو نعرف الفرق بين (فرض التنسيق) و(طلب الترخيص)، فالتنسيق إملاء من المحتل غير قابل للنقاش، أما طلب الترخيص فيُفرض فقط على المستضعفين من أبناء شعبنا الذين عزّ نصيرهم، وتقطعت بهم سبل الخلاص.
وحكاية طلب الترخيص هذه للموافقة على الفعاليات الميدانية الصغيرة والمحدودة هي نكتة سمجة بحدّ ذاتها، فأي عقل هذا الذي يستوعب أن يطلب المظلوم من ظالمه أن يتكرم بالسماح له بالاحتجاج عليه؟! وما قيمة الفعالية أصلاً وجدواها إن كانت مشروطة بموافقة المحافظ عليها وإقرارها؟! ثم ما وجه الاعتراض على فعالية كهذه لكي يصل الأمر إلى التهديد بقمعها بالقوة في حال أنجزت دون الحصول على إذن؟!
أما أهالي المعتقلين في نابلس فنقول لهم: ما هذا يكون الاحتجاج ولا هذه أصوله، فمن يريد أن يسمع العالم مظلمة أبنائه عليه أن يصدح بصوته دونما تردد أو انتظار، ودون خضوع لتهديدات القمع الجوفاء، وإن كان القمع ما زال مستوعباً في عرف أجهزة نابلس حتى في ظل المصالحة (أدام الله ظلها القصير) فيجب أن يشهد الجميع على هذه الحقيقة، وبدون هذا لن يفهم أحد مغزى استمرار الاعتقال السياسي رغم توقيع اتفاق المصالحة!
هل كان واهماً من ظن أن عهد ما بعد المصالحة يختلف عمّا قبلها؟ وهل هذه تجليات دولة القانون التي أفرزتها حكومة فياض وما زالت فتح متحمسة لها وله؟! فلتنتظر حماس إذن أن تُعطّل غداً كل نشاطاتها الميدانية والدعوية والطلابية بدعوى الحاجة لتصريح لممارستها، وليبق حراكها مفصلاً على مزاج قادة الأجهزة الأمنية ليقرروا لها المسموح والممنوع، وستجد أنها لن تكون قادرة على التقاط أنفاسها ولا الاستعداد لجولة الانتخابات القادمة، وربما تطور الأمر إلى حاجة أبنائها لتراخيص من أجل الصلاة في المساجد، فمن يهُن يسهل الهوان عليه، ومن يألف العيش الذليل لا يطيق مغادرة حدوده!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية