منذ أن أخرجوا دولتهم إلى الوجود وحتى الآن، لا يتوقف الصهاينة عن ملاحقة وقتل كل من تورط في قتل إسرائيليين بشكل مباشر، بل حتى يهود في أي مكان من العالم، وقد لاحقوا المتورطين في الإبادة النازية واحداً واحداً، حتى قتلوهم جميعاً.
القتل ليس هو النهاية دائماً، إذ هناك الأسر لمن هم في الداخل، مع العلم أن ذات المعادلة قد تنطبق على الأسرى لاحقاً، والذين سيكون كبارهم برسم القتل فيما لو خرجوا بهذه الطريقة أو تلك.
ليست هذه النظرية مقدسة بالطبع، فليس في عرف الصهاينة مقدس قط، بما في ذلك النصوص الدينية التي تحمل عنوان المقدس، وما يعنيهم هو معادلة الأرباح والخسائر، وهذه المعادلة التي تقول بضرورة استمرار سياسة الردع لا تزال فاعلة إلى الآن، لا سيما أنها ضُربت غير مرة خلال العقدين الأخيرين، إذ تمكنت المقاومة، بخاصة الإسلامية من الإثخان في دولة المحتلين على نحو استثنائي، بل أشعرتهم بالتهديد الوجودي أكثر من مرة، فضلاً هما حققته من انتصارات صغيرة وكبيرة عليهم، أكان في لبنان، أم في فلسطين.
للصهاينة مع محمود المبحوح الذين اغتالوه في دبي ثأر وأي ثأر، فهو ابتداءً كان فاتحة الرصاص الحمساوي الذي نقل الانتفاضة الأولى من الحجارة إلى الرصاص، الأمر الذي تواصل لاحقاً بعد أن أدرك المخلصون أن الحجارة لم تعد عبئاً حقيقياً على الاحتلال، لكن الأهم أنه قاد عمليتين ضربتا معنويات الاحتلال الذي كان في حينه يعربد داخل القطاع والضفة الغربية، ولم يسبق منذ عقود أن تجرأ أحد في الداخل على اختطاف جنوده ومن ثم قتلهم والاحتفاظ بجثثهم لمبادلتها بأسرى على ذلك النحو.
عمليتا اختطاف الجنديين نسيم توليدانو وآفي سبورتاس وقتلهما (اختطف كل منهما على حدة 2، 5ـ)1988 كانتا في ذلك الزمن نقلة نوعية في أداء حماس التي لم يكن قد مضى على إعلان ولادتها كحركة مقاومة سوى بضعة شهور، لا سيما حين كشفتا بخطأ عابر من دون أن يُلقى القبض على ثلاثة من منفذيها (فروا إلى خارج القطاع بعد شهور من الملاحقة)، ومنذ ذلك الحين صار محمود المبحوح مطلوباً لسلطات الاحتلال، وكان بيته أول بيت يهدم في الانتفاضة.
اعتقل الرابع (البطل محمد شراتحة)، وكان أن اعترف تحت التعذيب على الشيخ أحمد ياسين الذي شكل المجموعة بإشرافه الشخصي، ولذلك حكم كل منهما بمؤبدين، أما الجثتان، فقد عثر الاحتلال على إحداهما بالصدفة أثناء البحث، فيما قامت أجهزة محمد دحلان بالعثور على الثانية وتسليمها في وقت لاحق.
أن يصلوا إلى محمود المبحوح في دبي بعد ملاحقة طويلة، فليس ذلك بالأمر الرهيب، ففي مثل هذه المدن التي تعج بسائر أنواع البشر، يمكن للأجهزة الأمنية أن تجند الكثيرين بأثمان بخسة، ولا ندري ما الذي كان يفعله المبحوح هناك، والأرجح أن مروره كان ذا صلة بدوره في عمليات تهريب السلاح كما قال الإسرائيليون، وهو الجانب الذي ربما دفعهم إلى التشدد في ملاحقته، إضافة إلى القضية القديمة.
هذه المحاولة لاغتيال المبحوح ليست الأولى، ولا يُعتقد أنه تساهل في إجراءاته الأمنية كما يقال، مع العلم أن مثل هذه الإجراءات ليست عاصمة تماماً بالضرورة، ولو كانت كذلك لما وصلوا إلى عماد مغنية الأكثر حرصاً على هذا الصعيد، والذي استمرت مطاردته ثلاثة عقود.
اللافت هنا هو صلف الصهاينة الذي لا يعبئون بأية دولة، حتى لو كانت من النوع الذي لا يدخل في معارك معهم، أو كانت من صنف المعتدلين، فضلاً عن المتشددين، فقد ضربوا في الحالتين وأصابوا الكثير من الأهداف.
يمضي محمود المبحوح إلى ربه شهيداً وهو في الخمسين من العمر، وتلك كرامة ولا أروع، فهو بدأ مجاهداً، ولم يتوقف عن العمل حتى لقي ربه.
هي جولة يفوز فيها القتلة بصيد ثمين، لكن الراية تعلو بدماء الشهداء، وهي لم تنكس بعد أحمد ياسين والرنتيسي وجمال منصور وعياش والآخرين، ولن تنكس أبداً ما دامت أرحام الأمهات ماضية في إنجاب الأبطال دون توقف.
سلام على محمود المبحوح وعلى سائر الشهداء، ومن سيمضون على دربهم إلى يوم الدين. سلام، سلام.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية