مخاوف من استهداف مخيم عين الحلوة
أحمد الحاج
إذا تصاعدت حظوظ اتفاق تسوية في المنطقة، فإن مخيم عين الحلوة، جنوب لبنان، يصبح في عين الخطر، لأن من خلال استهدافه تنطلق عملية تصفية حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. إذا توترت الأوضاع الأمنية في لبنان، فإن عين الحلوة صندوق البريد بين الأطراف المختلفة، ومقصد المتجهين لتنفيس الاحتقانات الأهلية اللبنانية.
إذا جرى التوافق على إبعاد مجموعة لبنانية لأسباب أمنية، فإن عين الحلوة هو المنفى المفترض. كل حدث أمني في لبنان يُراد أن يكون صداه في مخيم عين الحلوة؛ المخيم الجريح الذي يُخشى أن يكون الضحية، بعد أن تصاعدت الاتهامات بإيواء المخيم لعدد من المطلوبين للسلطات اللبنانية.
مخيم عين الحلوة، أو عاصمة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بسبب عدد سكانه الكبير نسبياً (45 ألفاً حسب إحصائيات الأونروا، و70 ألفاً وفق أرقام اللجنة الشعبية)، أكسبته جغرافيته أهمية إضافية، فعلى حدوده تقع تجمعات سنية وشيعية ومسيحية، هو بوّابة الجنوب، وتمرّ بجانبه قوافل اليونيفيل، وفيه قوى إسلامية ووطنية متعددة الاتجاهات والولاءات. توازن القوى يدفع إلى فرض السلم أحياناً، لكنه يمنع اتخاذ قرارات كبرى بحاجة إلى حزم وموقف موحّد.
حملات قادتها وسائل إعلام معروفة باستفزازها للفلسطينيين في لبنان، وعلى رأسها صحيفة "الأخبار" اللبنانية، ومن الاتهامات الزعم أن شادي المولوي، أحد المطلوبين للأجهزة الأمنية اللبنانية، قد دخل مخيم عين الحلوة. ردّ ممثل حركة (حماس) في لبنان علي بركة، بالتساؤل كيف لمطلوب أن يجتاز أكثر من 120 كلم، ثم يدخل مخيماً محاصراً، في تلميح واضح لمسؤولية البعض. تعرّض بركة لحملة إعلامية كبيرة، ردّ الفلسطينيون بحملة مضادة تدافع عنه.
وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق زعم أن "هناك مربع موت جديداً لـ"داعش" يمتد بين جرود بلدة عرسال اللبنانية ومخيم عين الحلوة، وسجن رومية ويمتد إلى العراق والرقة". أضاف "الإرهاب القادم من سوريا أصبح على الأراضي اللبنانية، ومن جنّد لعملية طرابلس الإرهابية موجود في مخيم عين الحلوة ولن يبقى المخيم مكانا آمناً للمطلوبين".
لكنه استدرك بعد ذلك مؤكداً أن "معالجة موضوع المخيم تدرس من دون عمليات عسكرية، وهناك سعي لحل بالتعاون مع الفصائل الفلسطينية". هذه التصريحات والحملات دفعت بقيادات المخيم إلى الضغط باتجاه إخراج شادي المولوي، إذا كان موجوداً في المخيم. فقال الناطق بإسم عصبة الأنصار الإسلامية الشيخ أبو شريف عقل "إن العصبة بدأت تحركات وخطوات باتجاه الجهة التي تستطيع أن تؤثر أو تلك التي تؤوي المطلوب شادي المولوي من أجل إخراجه من مخيم عين الحلوة".
وبعد أيام كانت الصحف اللبنانية تنقل عن مصادر أمنية أن "المطلوبين شادي المولوي وأسامة منصور غادرا مخيم عين الحلوة بالفعل"، كاشفة عن أن "المولوي بات موجوداً في منطقة عرسال".
وطرحت صحيفة "السفير" اللبنانية تساؤلات "حول الطريقة الغامضة التي غادر بها المولوي المخيم كما كان قد دخله، وكيفية نجاحه في عبور المسافة الطويلة الممتدة من عين الحلوة الى أقصى البقاع من دون أن يتم ضبطه، ومن ثم كيفية تمكنه من "التسرّب" إلى منطقة عرسال؟".
ويظهر أن الملف لم يُطو نهائياً عندما أشارت الصحيفة إلى "وجود أسماء أخرى مطلوبة لأجهزة الدولة اللبنانية التي تنتظر من الفصائل الفلسطينية المساهمة في تسليم المطلوبين بأسرع وقت ممكن".
الفصائل الفلسطينية أطلقت في آذار/مارس من العام الماضي، مبادرة موحدة لحماية الوجود الفلسطيني في لبنان وتعزيز العلاقات الأخوية اللبنانية – الفلسطينية و"مواجهة كل أشكال الفتنة"، و"تعزيز أمن واستقرار المخيمات والتجمعات الفلسطينية ونزع أي ذرائع أو أسباب تؤثر سلباً على ذلك"، وشكلت لجنة أمنية في مخيم عين الحلوة قوامها مائتا عنصر. واليوم تحاول أن تنزع فتيل الأزمات المتلاحقة، وحماية المخيم، خصوصاً مع سعي كثير من القوى اللبنانية لتوريطه.
كان يُقال قبل سنوات إنه من الصعب جداً تكرار مأساة مخيم نهر البارد في مخيم عين الحلوة، لأن هناك اقتناعاً متزايداً لدى القيادات اللبنانية والفلسطينية بأن الجانبين (الفلسطيني واللبناني) خرجا من معركة البارد، وقد أصابت الندوب جسديهما سواء من حيث عدد القتلى والجرحى، أم من حيث الأضرار الاقتصادية، أم من حيث تضرر العلاقات اللبنانية الفلسطينية.
كما أن لبنان يخشى من هزات أمنية يصعب ضبطها جغرافياً، وأي فتنة مسلحة مع أي مخيم ربما تمتدّ إلى مخيمات أخرى، أو حتى مناطق لبنانية أخرى بما لا يخدم السلم الأهلي اللبناني الهش. لكن هذا الكلام سابق على مرحلة "شارلي إيبدو". مرحلة تُطلق فيها يد الجيوش، فكل معارض هو "مشروع عصابة"، أو "خلية إرهابية".
عصرٌ لا حزام أمان فيه حول أي مخيم أو جماعة، مهما بلغ جحيم ظلم تتعرض له، أو أحقية مطالبها. إنه عصر متقدم على عصر 11/9، وأبراج نيويورك. فالمعركة لم تعد أميركية فقط ضد ما يُسمّى الإرهاب، اليوم المعركة أوسع بكثير، باتساع جغرافيتها، وعدد المنخرطين فيها، فلا عذر لمظلوم، فـ "المعركة ضد الإرهاب"، لا تبقي لمخيم عين الحلوة أية شكوى.
في عصر "شارلي إيبدو" لا معالجة اجتماعية بعيداً عن أي تعامل أمني قد يفاقم المشاكل الأمنية والسياسية التي يواجهها المخيم. لا حديث عن بطالة بين الشباب الفلسطيني في المخيم تزيد نسبتها عن 60 بالمئة. لا كلام عن شبه توقف للمسيرة التعليمية، حيث نسبة الجامعيين لا تزيد عن 5 بالمائة. الحسم الأمني لا يعترف أيضاً بأن شخصاً واحداً من كل خمسة في المخيم يعاني مشكلة صحية مزمنة، ويشعر واحد من كل أربعة باليأس من المستقبل.
نعم، من حق مخيم عين الحلوة أن يقلق، ومن واجب الفصائل الفلسطينية أن تُبدي مزيداً من التضامن يبدد هذا القلق، ويُفنّد كل الاتهامات والأضاليل، خاصة وأن كارثة مخيم نهر البارد، بعد حوالى ثماني سنوات، لم يندمل جرحها بعد.
إذا تصاعدت حظوظ اتفاق تسوية في المنطقة، فإن مخيم عين الحلوة، جنوب لبنان، يصبح في عين الخطر، لأن من خلال استهدافه تنطلق عملية تصفية حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. إذا توترت الأوضاع الأمنية في لبنان، فإن عين الحلوة صندوق البريد بين الأطراف المختلفة، ومقصد المتجهين لتنفيس الاحتقانات الأهلية اللبنانية.
إذا جرى التوافق على إبعاد مجموعة لبنانية لأسباب أمنية، فإن عين الحلوة هو المنفى المفترض. كل حدث أمني في لبنان يُراد أن يكون صداه في مخيم عين الحلوة؛ المخيم الجريح الذي يُخشى أن يكون الضحية، بعد أن تصاعدت الاتهامات بإيواء المخيم لعدد من المطلوبين للسلطات اللبنانية.
مخيم عين الحلوة، أو عاصمة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بسبب عدد سكانه الكبير نسبياً (45 ألفاً حسب إحصائيات الأونروا، و70 ألفاً وفق أرقام اللجنة الشعبية)، أكسبته جغرافيته أهمية إضافية، فعلى حدوده تقع تجمعات سنية وشيعية ومسيحية، هو بوّابة الجنوب، وتمرّ بجانبه قوافل اليونيفيل، وفيه قوى إسلامية ووطنية متعددة الاتجاهات والولاءات. توازن القوى يدفع إلى فرض السلم أحياناً، لكنه يمنع اتخاذ قرارات كبرى بحاجة إلى حزم وموقف موحّد.
حملات قادتها وسائل إعلام معروفة باستفزازها للفلسطينيين في لبنان، وعلى رأسها صحيفة "الأخبار" اللبنانية، ومن الاتهامات الزعم أن شادي المولوي، أحد المطلوبين للأجهزة الأمنية اللبنانية، قد دخل مخيم عين الحلوة. ردّ ممثل حركة (حماس) في لبنان علي بركة، بالتساؤل كيف لمطلوب أن يجتاز أكثر من 120 كلم، ثم يدخل مخيماً محاصراً، في تلميح واضح لمسؤولية البعض. تعرّض بركة لحملة إعلامية كبيرة، ردّ الفلسطينيون بحملة مضادة تدافع عنه.
وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق زعم أن "هناك مربع موت جديداً لـ"داعش" يمتد بين جرود بلدة عرسال اللبنانية ومخيم عين الحلوة، وسجن رومية ويمتد إلى العراق والرقة". أضاف "الإرهاب القادم من سوريا أصبح على الأراضي اللبنانية، ومن جنّد لعملية طرابلس الإرهابية موجود في مخيم عين الحلوة ولن يبقى المخيم مكانا آمناً للمطلوبين".
لكنه استدرك بعد ذلك مؤكداً أن "معالجة موضوع المخيم تدرس من دون عمليات عسكرية، وهناك سعي لحل بالتعاون مع الفصائل الفلسطينية". هذه التصريحات والحملات دفعت بقيادات المخيم إلى الضغط باتجاه إخراج شادي المولوي، إذا كان موجوداً في المخيم. فقال الناطق بإسم عصبة الأنصار الإسلامية الشيخ أبو شريف عقل "إن العصبة بدأت تحركات وخطوات باتجاه الجهة التي تستطيع أن تؤثر أو تلك التي تؤوي المطلوب شادي المولوي من أجل إخراجه من مخيم عين الحلوة".
وبعد أيام كانت الصحف اللبنانية تنقل عن مصادر أمنية أن "المطلوبين شادي المولوي وأسامة منصور غادرا مخيم عين الحلوة بالفعل"، كاشفة عن أن "المولوي بات موجوداً في منطقة عرسال".
وطرحت صحيفة "السفير" اللبنانية تساؤلات "حول الطريقة الغامضة التي غادر بها المولوي المخيم كما كان قد دخله، وكيفية نجاحه في عبور المسافة الطويلة الممتدة من عين الحلوة الى أقصى البقاع من دون أن يتم ضبطه، ومن ثم كيفية تمكنه من "التسرّب" إلى منطقة عرسال؟".
ويظهر أن الملف لم يُطو نهائياً عندما أشارت الصحيفة إلى "وجود أسماء أخرى مطلوبة لأجهزة الدولة اللبنانية التي تنتظر من الفصائل الفلسطينية المساهمة في تسليم المطلوبين بأسرع وقت ممكن".
الفصائل الفلسطينية أطلقت في آذار/مارس من العام الماضي، مبادرة موحدة لحماية الوجود الفلسطيني في لبنان وتعزيز العلاقات الأخوية اللبنانية – الفلسطينية و"مواجهة كل أشكال الفتنة"، و"تعزيز أمن واستقرار المخيمات والتجمعات الفلسطينية ونزع أي ذرائع أو أسباب تؤثر سلباً على ذلك"، وشكلت لجنة أمنية في مخيم عين الحلوة قوامها مائتا عنصر. واليوم تحاول أن تنزع فتيل الأزمات المتلاحقة، وحماية المخيم، خصوصاً مع سعي كثير من القوى اللبنانية لتوريطه.
كان يُقال قبل سنوات إنه من الصعب جداً تكرار مأساة مخيم نهر البارد في مخيم عين الحلوة، لأن هناك اقتناعاً متزايداً لدى القيادات اللبنانية والفلسطينية بأن الجانبين (الفلسطيني واللبناني) خرجا من معركة البارد، وقد أصابت الندوب جسديهما سواء من حيث عدد القتلى والجرحى، أم من حيث الأضرار الاقتصادية، أم من حيث تضرر العلاقات اللبنانية الفلسطينية.
كما أن لبنان يخشى من هزات أمنية يصعب ضبطها جغرافياً، وأي فتنة مسلحة مع أي مخيم ربما تمتدّ إلى مخيمات أخرى، أو حتى مناطق لبنانية أخرى بما لا يخدم السلم الأهلي اللبناني الهش. لكن هذا الكلام سابق على مرحلة "شارلي إيبدو". مرحلة تُطلق فيها يد الجيوش، فكل معارض هو "مشروع عصابة"، أو "خلية إرهابية".
عصرٌ لا حزام أمان فيه حول أي مخيم أو جماعة، مهما بلغ جحيم ظلم تتعرض له، أو أحقية مطالبها. إنه عصر متقدم على عصر 11/9، وأبراج نيويورك. فالمعركة لم تعد أميركية فقط ضد ما يُسمّى الإرهاب، اليوم المعركة أوسع بكثير، باتساع جغرافيتها، وعدد المنخرطين فيها، فلا عذر لمظلوم، فـ "المعركة ضد الإرهاب"، لا تبقي لمخيم عين الحلوة أية شكوى.
في عصر "شارلي إيبدو" لا معالجة اجتماعية بعيداً عن أي تعامل أمني قد يفاقم المشاكل الأمنية والسياسية التي يواجهها المخيم. لا حديث عن بطالة بين الشباب الفلسطيني في المخيم تزيد نسبتها عن 60 بالمئة. لا كلام عن شبه توقف للمسيرة التعليمية، حيث نسبة الجامعيين لا تزيد عن 5 بالمائة. الحسم الأمني لا يعترف أيضاً بأن شخصاً واحداً من كل خمسة في المخيم يعاني مشكلة صحية مزمنة، ويشعر واحد من كل أربعة باليأس من المستقبل.
نعم، من حق مخيم عين الحلوة أن يقلق، ومن واجب الفصائل الفلسطينية أن تُبدي مزيداً من التضامن يبدد هذا القلق، ويُفنّد كل الاتهامات والأضاليل، خاصة وأن كارثة مخيم نهر البارد، بعد حوالى ثماني سنوات، لم يندمل جرحها بعد.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية