مسألتان في "حماس إرهابية"!
ساري عرابي
يجادل بعضهم بأن إجراءات النظام الانقلابي في مصر ضد حركة حماس، لا تأتي في سياق العداء للمقاومة الفلسطينية، أو استهداف الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإنما نتيجة لمواقف حماس من الأزمة المصرية، والمواقف التي أبدتها الحركة في تأييد جماعة الإخوان المسلمين من بعد 3 تموز/ يوليو، ويستدلون على ذلك باحتفاظ النظام المصري بعلاقاته بحركة الجهاد الإسلامي، والتي كانت قيادتها على رأس وفد رفيع في القاهرة في الأيام الأخيرة الماضية.
ثمة مسألتان إذن يُدفع بهما عن ممارسات النظام المصري بحق قطاع غزة، وقوة المقاومة الأساسية فيه، والتي هي حركة حماس، إلا أن هاتين المسألتين تقران بأن أحكام القضاء المصري بخصوص حماس مسيسة، وتفتقر للحد الأدنى من الوجاهة القانونية، كونها مؤسسة على الإرادة السياسية للقيادة الحالية للدولة المصرية، وهو الأمر الذي يعفينا من مناقشة حرية القضاء واستقلاله في مصر، ويركز جهدنا على البحث في دوافع التوجهات السياسية للقيادة المصرية الحالية في ما تعلق بحركة حماس، والقضية الفلسطينية عمومًا.
بالنسبة للمسألة الأولى، أي موقف حماس من الحدث المصري من بعد 3 تموز/ يوليو، فإنها في حقيقتها تدين هذا النظام، وتكثف من الاستفهام المرتاب بخصوص دوافعه الحقيقية تجاه قطاع غزة، حتى لو سلمنا جدلاً بأن حماس قد اتخذت مواقف منحازة إعلاميًا لصالح جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بيد أن هذه المسألة أكثر إدانة لهؤلاء الذين يدفعون عن النظام المصري باسم المقاومة، ذلك لأن إشارتهم لأخطاء حركة حماس التي يزعمونها، تتضمن تبريرًا لحصار قطاع غزة، وتجويع الشعب الفلسطيني، وحرمان المقاومة بكل فصائلها من السلاح. فهدم الأنفاق، وتدمير مدينة رفح المصرية، وإقامة المنطقة العازلة، لا تحرم حماس وحدها من السلاح، بل تحرم فصائل المقاومة كلها، وفوق هذا تحاصر الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كله بحرمانه من تدفق المال والغذاء والدواء.
لا توجد مشكلة في انتقاد ما يراه البعض سلوكًا خاطئًا لحماس تجاه الأزمة المصرية، ولكن المشكلة في الطمس التام لأبعاد السلوك المصري الذي يحاصر عمليًا المقاومة بكل فصائلها، كما أنه يحاصر الشعب كله في قطاع غزة، وهذا المستوى العالي من الفعل العدواني لا يمكن تفسيره كرد فعل على مواقف حماس الإعلامية من الأزمة المصرية.
في حال كانت حماس قد اتخذت مواقف إعلامية منحازة لجماعة الإخوان المسلمين، فإنه كان يمكن لنظام ما بعد 3 يوليو اتخاذ إجراءات مكافئة، لا تتجاوز الموقف الإعلامي والسياسي على النحو الذي لا يصل إلى حد حرمان سكان القطاع من منفذهم الوحيد الذي حفروه بأظافرهم لمواجهة الحصار، ولا إلى الحد الذي يحرم المقاومة من طرق سلاحها حتى وإن بهدم مدينة مصرية كاملة وتهجير أهلها، فما علاقة سكان رفح المصرية بأخطاء حماس المزعومة؟!
ولكن الحقيقة التي يتغافل عنها متملقو النظام المصري، بما في ذلك بعض الشخصيات والجهات الانتهازية التي تحسب نفسها على ما يسمى بـ "محور المقاومة والممانعة"؛ أن حماس هي التي كانت في موضع الدفاع ورد الفعل، لا العكس، فطوال العام الذي سبق 30 حزيران/ يونيو والإعلام المصري يحرض على حركة حماس، ويستثير المشاعر الشوفينية المشوهة ضد الشعب الفلسطيني وضد قطاع غزة، وفي اللحظة التي كان فيها عبد الفتاح السيسي يتلو بيانه الانقلابي في 3 يوليو كانت آليات الجيش المصري تقوم بهدم الأنفاق بصورة غير مسبوقة، وذلك قبل أن يظهر أي موقف للإعلام المحسوب على حماس بخصوص الأزمة المصرية.
لا يمكن القول هروبًا من هذه الحقائق بأن حماس قد تجاوزت الانحياز الإعلامي إلى الفعل المادي على الأرض المصرية، فالمعلومات التي سربتها أجهزة الدولة عبر الإعلام المصري كانت مجرد اتهامات تعوزها حتى المعلومات الصحيحة لما تضمنته من اتهامات لشهداء وأسرى في سجون العدو، وهو الأمر الذي لا يدل فقط على تقصد الإضرار بالمقاومة، ولكنه يدل أيضًا على المستوى البائس الذي وصلته هذه الأجهزة، وأما ما أعلنته المحكمة المصرية فلا يقل بؤسًا وسفهًا، كالادعاء بأن عناصر من حماس في غزة كانوا يتبادلون التهاني على الهاتف أثناء حصول العمليات في سيناء!
بالنسبة للمسألة الثانية، وهي احتفاظ النظام المصري بعلاقاته بحركة الجهادي الإسلامي، والتي هي حركة مقاومة، فإن هذه المسألة تغفل أيضًا أن حركة الجهاد الإسلامي متضررة من وجهين؛ الأول أنها جزء من الشعب المحاصر، والثاني أنها قد حُرمت أيضًا من الأنفاق طريقًا لإدخال السلاح، ولا يمكن في كل الأحوال القول بأن حصار الشعب الفلسطيني لا يمثل مشكلة لحركة الجهاد الإسلامي، حتى لو تجاوزنا عن مشكلة إدخال السلاح بالنسبة للجهاد.
وإذا كانت حماس هي الفصيل المقاوم الأكبر والأكثر فاعلية في غزة، وإذا كانت فصائل المقاومة عمومًا قد تمكنت من إقامة بنيتها التحتية، وترتيب تنظيماتها، وإدارة خططها وتدريباتها العسكرية، في ظل حكم حماس للقطاع، ***اذا لا يركز النظام المصري جهوده على ضرب حماس، في الوقت الذي يستطيع فيه أن يغطي على ذلك باحتفاظه بعلاقاته بتنظيم مقاوم آخر؟!
إن تركيز الاستهداف لحماس، يقوم أساسًا على كونها الفصيل الأكبر والحاكم الفعلي للقطاع، والذي بضربه يتم ضرب المتن الأساسي للمقاومة، ما يجعل التعامل مع بقية فصائل المقاومة الأخرى ميسورًا، إضافة إلى إمكان التغطية على استهداف حماس بالقضية الإخوانية لانتماء حماس الواضح للتيار الإخواني، وبعد ذلك يمكن التعمية على الدوافع الحقيقية للنظام المصري بالاحتفاظ بعلاقات سياسية بواسطة جهاز المخابرات مع حركة مقاومة أخرى، وهو الأمر الذي يوفر للنظام الانقلابي فرصًا أخرى للعب على التناقضات، وفتح الخطوط مع المحور الإيراني وتوابعه في المنطقة، في الوقت الذي لا يخفى فيه على المتابع حرص الطرفين على وجود علاقة من نمط ما بينهما، كما هو واضح في غزل إعلام المحور الإيراني بنظام السيسي، وامتناع أكثر أطراف المحور عن إدانة قرار المحكمة المصرية اعتبار حماس وذراعها المسلح (الذي يتمسح به المحور الإيراني) جماعات إرهابية.
لكن ورغم ذلك، فإن من يعول على هذا النظام، أو على علاقاته السرية أو المحتملة بالمحور الإيراني وبعض توابعه واهم، ذلك لأن العامل الحاسم الأساسي بالنسبة للنظام الانقلابي هو العامل الصهيوني، وهو العامل الثابت الوحيد في توجيه سياسات النظام الانقلابي، والثابت الوحيد أيضًا في علاقاته بالمحيط والعالم.
ساري عرابي
يجادل بعضهم بأن إجراءات النظام الانقلابي في مصر ضد حركة حماس، لا تأتي في سياق العداء للمقاومة الفلسطينية، أو استهداف الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإنما نتيجة لمواقف حماس من الأزمة المصرية، والمواقف التي أبدتها الحركة في تأييد جماعة الإخوان المسلمين من بعد 3 تموز/ يوليو، ويستدلون على ذلك باحتفاظ النظام المصري بعلاقاته بحركة الجهاد الإسلامي، والتي كانت قيادتها على رأس وفد رفيع في القاهرة في الأيام الأخيرة الماضية.
ثمة مسألتان إذن يُدفع بهما عن ممارسات النظام المصري بحق قطاع غزة، وقوة المقاومة الأساسية فيه، والتي هي حركة حماس، إلا أن هاتين المسألتين تقران بأن أحكام القضاء المصري بخصوص حماس مسيسة، وتفتقر للحد الأدنى من الوجاهة القانونية، كونها مؤسسة على الإرادة السياسية للقيادة الحالية للدولة المصرية، وهو الأمر الذي يعفينا من مناقشة حرية القضاء واستقلاله في مصر، ويركز جهدنا على البحث في دوافع التوجهات السياسية للقيادة المصرية الحالية في ما تعلق بحركة حماس، والقضية الفلسطينية عمومًا.
بالنسبة للمسألة الأولى، أي موقف حماس من الحدث المصري من بعد 3 تموز/ يوليو، فإنها في حقيقتها تدين هذا النظام، وتكثف من الاستفهام المرتاب بخصوص دوافعه الحقيقية تجاه قطاع غزة، حتى لو سلمنا جدلاً بأن حماس قد اتخذت مواقف منحازة إعلاميًا لصالح جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بيد أن هذه المسألة أكثر إدانة لهؤلاء الذين يدفعون عن النظام المصري باسم المقاومة، ذلك لأن إشارتهم لأخطاء حركة حماس التي يزعمونها، تتضمن تبريرًا لحصار قطاع غزة، وتجويع الشعب الفلسطيني، وحرمان المقاومة بكل فصائلها من السلاح. فهدم الأنفاق، وتدمير مدينة رفح المصرية، وإقامة المنطقة العازلة، لا تحرم حماس وحدها من السلاح، بل تحرم فصائل المقاومة كلها، وفوق هذا تحاصر الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كله بحرمانه من تدفق المال والغذاء والدواء.
لا توجد مشكلة في انتقاد ما يراه البعض سلوكًا خاطئًا لحماس تجاه الأزمة المصرية، ولكن المشكلة في الطمس التام لأبعاد السلوك المصري الذي يحاصر عمليًا المقاومة بكل فصائلها، كما أنه يحاصر الشعب كله في قطاع غزة، وهذا المستوى العالي من الفعل العدواني لا يمكن تفسيره كرد فعل على مواقف حماس الإعلامية من الأزمة المصرية.
في حال كانت حماس قد اتخذت مواقف إعلامية منحازة لجماعة الإخوان المسلمين، فإنه كان يمكن لنظام ما بعد 3 يوليو اتخاذ إجراءات مكافئة، لا تتجاوز الموقف الإعلامي والسياسي على النحو الذي لا يصل إلى حد حرمان سكان القطاع من منفذهم الوحيد الذي حفروه بأظافرهم لمواجهة الحصار، ولا إلى الحد الذي يحرم المقاومة من طرق سلاحها حتى وإن بهدم مدينة مصرية كاملة وتهجير أهلها، فما علاقة سكان رفح المصرية بأخطاء حماس المزعومة؟!
ولكن الحقيقة التي يتغافل عنها متملقو النظام المصري، بما في ذلك بعض الشخصيات والجهات الانتهازية التي تحسب نفسها على ما يسمى بـ "محور المقاومة والممانعة"؛ أن حماس هي التي كانت في موضع الدفاع ورد الفعل، لا العكس، فطوال العام الذي سبق 30 حزيران/ يونيو والإعلام المصري يحرض على حركة حماس، ويستثير المشاعر الشوفينية المشوهة ضد الشعب الفلسطيني وضد قطاع غزة، وفي اللحظة التي كان فيها عبد الفتاح السيسي يتلو بيانه الانقلابي في 3 يوليو كانت آليات الجيش المصري تقوم بهدم الأنفاق بصورة غير مسبوقة، وذلك قبل أن يظهر أي موقف للإعلام المحسوب على حماس بخصوص الأزمة المصرية.
لا يمكن القول هروبًا من هذه الحقائق بأن حماس قد تجاوزت الانحياز الإعلامي إلى الفعل المادي على الأرض المصرية، فالمعلومات التي سربتها أجهزة الدولة عبر الإعلام المصري كانت مجرد اتهامات تعوزها حتى المعلومات الصحيحة لما تضمنته من اتهامات لشهداء وأسرى في سجون العدو، وهو الأمر الذي لا يدل فقط على تقصد الإضرار بالمقاومة، ولكنه يدل أيضًا على المستوى البائس الذي وصلته هذه الأجهزة، وأما ما أعلنته المحكمة المصرية فلا يقل بؤسًا وسفهًا، كالادعاء بأن عناصر من حماس في غزة كانوا يتبادلون التهاني على الهاتف أثناء حصول العمليات في سيناء!
بالنسبة للمسألة الثانية، وهي احتفاظ النظام المصري بعلاقاته بحركة الجهادي الإسلامي، والتي هي حركة مقاومة، فإن هذه المسألة تغفل أيضًا أن حركة الجهاد الإسلامي متضررة من وجهين؛ الأول أنها جزء من الشعب المحاصر، والثاني أنها قد حُرمت أيضًا من الأنفاق طريقًا لإدخال السلاح، ولا يمكن في كل الأحوال القول بأن حصار الشعب الفلسطيني لا يمثل مشكلة لحركة الجهاد الإسلامي، حتى لو تجاوزنا عن مشكلة إدخال السلاح بالنسبة للجهاد.
وإذا كانت حماس هي الفصيل المقاوم الأكبر والأكثر فاعلية في غزة، وإذا كانت فصائل المقاومة عمومًا قد تمكنت من إقامة بنيتها التحتية، وترتيب تنظيماتها، وإدارة خططها وتدريباتها العسكرية، في ظل حكم حماس للقطاع، ***اذا لا يركز النظام المصري جهوده على ضرب حماس، في الوقت الذي يستطيع فيه أن يغطي على ذلك باحتفاظه بعلاقاته بتنظيم مقاوم آخر؟!
إن تركيز الاستهداف لحماس، يقوم أساسًا على كونها الفصيل الأكبر والحاكم الفعلي للقطاع، والذي بضربه يتم ضرب المتن الأساسي للمقاومة، ما يجعل التعامل مع بقية فصائل المقاومة الأخرى ميسورًا، إضافة إلى إمكان التغطية على استهداف حماس بالقضية الإخوانية لانتماء حماس الواضح للتيار الإخواني، وبعد ذلك يمكن التعمية على الدوافع الحقيقية للنظام المصري بالاحتفاظ بعلاقات سياسية بواسطة جهاز المخابرات مع حركة مقاومة أخرى، وهو الأمر الذي يوفر للنظام الانقلابي فرصًا أخرى للعب على التناقضات، وفتح الخطوط مع المحور الإيراني وتوابعه في المنطقة، في الوقت الذي لا يخفى فيه على المتابع حرص الطرفين على وجود علاقة من نمط ما بينهما، كما هو واضح في غزل إعلام المحور الإيراني بنظام السيسي، وامتناع أكثر أطراف المحور عن إدانة قرار المحكمة المصرية اعتبار حماس وذراعها المسلح (الذي يتمسح به المحور الإيراني) جماعات إرهابية.
لكن ورغم ذلك، فإن من يعول على هذا النظام، أو على علاقاته السرية أو المحتملة بالمحور الإيراني وبعض توابعه واهم، ذلك لأن العامل الحاسم الأساسي بالنسبة للنظام الانقلابي هو العامل الصهيوني، وهو العامل الثابت الوحيد في توجيه سياسات النظام الانقلابي، والثابت الوحيد أيضًا في علاقاته بالمحيط والعالم.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية