مسائل تثيرها زيارة أردوغان لغزة ... بقلم : نقولا ناصر

السبت 27 أبريل 2013

مسائل تثيرها زيارة أردوغان لغزة

نقولا ناصر

إن الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لغزة أواخر أيار المقبل تثير مجموعة من المسائل ليس آخرها بالتأكيد احتمال تأجيلها الذي يظل قائماً في ضوء التأجيل المتكرر لمواعيد سبق الإعلان عنها لها، مع أنه "من غير الوارد إرجاء هذه الزيارة" كما قال أوردوغان، لكن أهمها تظل مسألة "التمثيل" الرسمي الفلسطيني التي تتخذ قيادة منظمة التحرير منها حجة للحث على تأجيل الزيارة إلى ما بعد إنجاز المصالحة الوطنية بذريعة أن الزيارة إن تمت قبل ذلك أو من دون موافقتها فإنها سوف تصب الزيت على نار الانقسام بين قطاع غزة المحاصر وبين الضفة الغربية المحتلة.

ومن هذه المسائل السلوك الأميركي الذي تجاوز الحد الأدنى للأعراف الدبلوماسية المقبولة بـ"الإعلان" عن تدخله السافر في شأن داخلي من شؤون السيادة الوطنية لتركيا عندما طلب وزير الخارجية جون كيري تأجيل زيارة أوردوغان المرتقبة بطريقة مست علانيتها بكرامته الشخصية كذلك، في تكرار للسلوك ذاته الذي دفع كيري قبل ذلك لمعارضة استقالة رئيس وزراء سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية برام الله د. سلام فياض، ثم للحث الآن على التجديد له، بصلف السيد الأميركي الآمر الناهي الذي اعتاد لغة الإملاءات في التعامل مع "أصدقاء" بلاده الاقليميين باستثناء دولة الاحتلال الإسرائيلي طبعاً.

غير أن هذا السلوك الأميركي في كلتا الحالتين هو "دليل واضح على الضلوع الأميركي في تعزيز الحصار على غزة"، كما قال الناطق باسم حركة حماس سامي أبو زهري، بينما معارضة استقالة فياض والحث على التجديد له هو دليل أيضا على إصرار الولايات المتحدة على استمرار الانقسام الفلسطيني. ومنها أيضا إثارة مسألة استبدال مصر بتركيا كراعية للمصالحة الفلسطينية. وفي ضوء النفي الصريح أو الضمني لذلك من كل الأطراف المعنية بهذه المصالحة، ومنها تركيا والمنظمة وحركتا فتح وحماس، وكذلك مصر التي تستعد الآن، على ذمة "الشرق الأوسط" اللندنية، للتغلب على عقدة عدم الاتفاق على "الأجهزة الأمنية" باقتراح إبقاء هذه الأجهزة على حالها في غزة وفي رام الله، فإن إثارة هذه المسألة ترقى إلى محاولة مكشوفة للوقيعة بين الأطراف العربية والإقليمية الحريصة على إنجاز المصالحة الفلسطينية وتشتيت جهودها بدلاً من تعزيز تكامل هذه الجهود، بهدف إطالة أمد الانقسام الفلسطيني حتى ترضخ حركة حماس لشروط دولة الاحتلال الإسرائيلي المعروفة التي تبنتها اللجنة "الرباعية" الدولية، أو لاستغلال استمرار الانقسام كوسيلة ضغط لابتزاز مفاوض منظمة التحرير من أجل تقديم المزيد من التنازلات.

لكن حتى لو كانت المصالحة هي الهدف من زيارة اردوغان، لا يتوقع المراقبون أن تنجح مساعي أوردوغان في ما لم تنجح فيه مساعي وساطات عربية متعددة للمصالحة الفلسطينية، أو أن تتوصل هذه المساعي إلى اتفاق جديد للمصالحة يضاف إلى العديد من الاتفاقيات الموقعة منذ عام 2005 في وقت تنصب جهود الوساطة الحالية على إيجاد آليات لتنفيذ تلك الاتفاقيات.

ولا يتوقعون كذلك أن تربك تركيا جهود حلفائها في جامعة الدول العربية التي قررت في مؤتمر قمتها الأخيرة في الدوحة عقد قمة عربية مصغرة في مصر وبرعايتها مخصصة لتحقيق المصالحة الفلسطينية، بينما أكد السفير الفلسطيني في أنقرة نبيل معروف أن أوردوغان "سوف يزور فلسطين، وليس غزة فقط، لكن بعد القمة المصغرة" التي اقترحتها قمة الدوحة والتي أحبطتها قيادة المنظمة بحجة "التمثيل الفلسطيني" إياها، وسط تقارير إعلامية تفيد بأن تركيا اقترحت على الرئيس عباس مرافقة أوردوغان في زيارته لغزة أو من "الأفضل لو أنه يشد الرحال إلى غزة ليكون في استقبال أردوغان ما دام رئيساً معترفاً به لفلسطين" كما كتب الإعلامي الأردني البارز طاهر العدوان.

ومن هذه المسائل المثارة أيضاً أن الجدل الساخن الدائر حول الزيارة يكاد يتحول إلى ساتر إعلامي يغطي على الشرط المعلن الذي وضعته أنقرة برفع الحصار الذي تفرضه دولة الاحتلال على قطاع غزة ضمن شروطها لتطبيع علاقاتها معها بعد المجزرة التي ارتكبتها على متن سفينة مرمرة قبل ثلاث سنوات.

ومن المؤكد أن المحاصرين في القطاع لا يرحبون بالزيارة بديلاً لاستجابة دولة الاحتلال لهذا الشرط التركي أو لوفاء أنقرة بشرطها، بالرغم من أن المستشار السياسي السابق لرئاسة الوزراء بغزة د. أحمد يوسف لا يتوقع بأن "ذلك سوف يحدث قريباً" كما نسبت "شينخوا" إليه القول يوم الأربعاء الماضي.

ومن هذه المسائل كذلك الربط أو الفصل بين زيارة أوردوغان وبين المصالحة الفلسطينية. وقال بيان رسمي للرئاسة التركية إن الرئيسين محمود عباس وعبد الله جول بحثا خلال لقائهما الأسبوع الماضي "المصالحة الفلسطينية"، وقالت الأهرام المصرية يوم الاثنين الماضي إن عباس طلب من أوردوغان بذل جهود في هذه المصالحة، وقالت عضو تنفيذية منظمة التحرير د. حنان عشراوي إن من أهداف زيارة عباس لأنقرة استخدام مكانة تركيا الاقليمية لدفع جهود المصالحة، وسط دفق من تصريحات مسؤولين في المنظمة وحركة فتح تربط بين هذه الجهود المأمولة وبين زيارة أوردوغان لغزة.

لكن حماس نفت "أي علاقة" بين زيارة أوردوغان لغزة وبين "مسار المصالحة" لأن "زيارة أي مسؤول عربي أو إسلامي أو دولي إلى غزة .. ترسل رسالة واضحة إلى الاحتلال بأن الشعب الفلسطيني ليس وحده" ولأن "أي محاولة لمنع هذه الزيارات أو تعطيلها هي تشجيع للاحتلال" على الاستمرار في حصار القطاع (أسامة حمدان).

ولا يفوت المراقب هنا المقارنة بين دعوات الرئاسة الفلسطينية المتكررة للقيام بمثل هذه الزيارات لسلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية "المحتلة" وللقدس الواقعة خارج صلاحيات هذه السلطة والواقعة تحت "السيادة" الكاملة لدولة الاحتلال عليها بعد ضمها إليها وبين معارضة الرئاسة لزيارات مماثلة للقطاع "المحاصر" من الخارج لكنه يمارس سيادة وطنية كاملة في الداخل.

وهذا يقود إلى المسألة الأهم التي تثيرها زيارة أوردوغان لغزة، فالحجة المعلنة الرئيسية لمعارضة الرئاسة وفريقها للزيارة المرتقبة وأمثالها هي أن حركة حماس التي تقود القطاع بترحيبها بمثل هذه الزيارات إنما تسعى إلى انتزاع اعتراف بكونها بديلاً لمنظمة التحرير في تمثيل الشعب الفلسطيني، وهذه حجة تدحضها اتفاقيات المصالحة الموقعة ومسعى حماس الحثيث لتفعيل المنظمة بانضمامها وغيرها من فصائل العمل الوطني غير الأعضاء فيها إليها على أساس الشراكة الوطنية، من دون أن ينفي ذلك الحق المشروع لحماس أو لغيرها في المنافسة الوطنية على قيادة المنظمة، كما سبق لفتح أن فعلت.

ولا يشوش وضوح موقف حماس هذا لا الخلط المتعمد بين صراع على التمثيل الفلسطيني وبين تنافس مشروع على قيادتها ولا كون بعض زيارات غزة ليست مبرأة عن الهوى السياسي، فاحتواء حركة حماس وفصائل المقاومة ضمن استراتيجية التفاوض التي ترعاها الولايات المتحدة بشروط دولة الاحتلال، على سبيل المثال، سر مكشوف تدركه حماس قبل غيرها.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية