مسكنات كيري
د. أيمن أبو ناهية
في ظل ازدياد هجمات واعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى المبارك، وبحث إمكانية تقسيمه في (الكنيست)، وإصرار نتنياهو على مواصلة سياسة الاستيطان، يقابلها عمليات هدم وإنذارات بالهدم في القدس وغيرها، وتكرار الأقوال عن يهودية "الدولة" وعدم تقسيم المدينة المقدسة، إضافة إلى أن قرى وخرب في يطا _على رأسها خربة "أم الخير"_ تشهد عمليات تهجير قسري على يد الاحتلال؛ من أجل إقامة أضخم سلسلة مشاريع استيطانية تربط تلك المستوطنات معًا وصولًا إلى البحر الميت؛ ليكتمل مشروع الربط التاريخي الذي يحلم به نتنياهو على الحدود الشرقية للضفة الغربية، وفي ذلك ضم الأغوار الشرقية، وبناء جدار جديد يفصلها كليًّا عن الضفة الفلسطينية؛ في ظل كل هذا يعود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من جديد إلى المنطقة لإعطائنا من جديد جرعات مسكنة.
الجرعة الأولى عدّ كيري الاستيطان يضر عملية السلام، إلا أن هذا الكلام يظل بلا مضمون ولا فائدة أصلًا؛ لأن نتنياهو سمعه أكثر من مرة ولم يستجب له، حتى لو كان من أوباما نفسه، ووفقًا لمصادر إعلامية إسرائيلية خلال هذا الأسبوع إن نتنياهو أبلغ الفلسطينيين قبل بدء المحادثات الراهنة بأن حكومته لن تفرض على نفسها قيودًا في مجال البناء الاستيطاني، وادعى أن الجانب الفلسطيني يعرف هذا الموقف الإسرائيلي.
في الحقيقة كيري لم يطلب وقف الاستيطان، وإنما طالب بـ"الحد" منه، أي عدم المبالغة فيه، حتى هذا المطلب المتواضع يظل بلا قيمة؛ لأن واشنطن لا تمارس أية ضغوط حقيقية على نتنياهو لوقف الاستيطان، أو الحد منه، ولهذا إن نتنياهو يتمادى به ويلقى الدعم من (الكنيست).
ونسب إلى كيري قوله: "آمل وضعًا يتجاوز حل الدولتين إلى العيش المشترك، والتعاون في المستقبل"، والسؤال الموجه له: أي دولة هي التي يمكن إقامتها في ظل الاستيطان السرطاني الذي أوجد بالفعل دولة أمر واقع للمستوطنين، الذين قاربت أعدادهم ثلاثة أرباع المليون، يسيطرون بمستوطناتهم على ثلاثة أرباع الضفة، وهذا في حد ذاته دليل صارخ على السياسة الصهيونية الرامية إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من المواطنين الفلسطينيين، وتغيير طابعها الديموغرافي لمصلحة الاستيطان والمستوطنين، وجعل ما تبقى من الأراضي الفلسطينية أشبه بالجبنة السويسرية ذات الثقوب الواسعة التي تزيد في حجمها عن المادة الأصلية؟!
أما الجرعة الثانية فهي تتعلق بالجوانب الاقتصادية، وإعلان تقديم مساعدة بقيمة ٧٥ مليون دولار لتطوير البنى التحتية بالضفة، وافتتاح شارع مولته الوكالة الأميركية للتنمية في بيت لحم، ومع أن كلًّا يتفق على أن الاقتصاد ليس بديلًا للسياسة يظل الدعم الاقتصادي دافعًا إلى استمرار المفاوضات بشكل أو بآخر، فقد كثر الحديث عن مقترحات بحلول مؤقتة لبعض القضايا (ولا علم لي ما هي هذه القضايا)، لكن أثبتت التجارب الكثيرة الماضية أن الحلول المؤقتة كانت كوارث علينا في كل المراحل، ونحن نحصد الآن عواقبها الوخيمة.
إن كل هذه الممارسات وتلك التهديدات لا توحي بأن نتنياهو جاد، أو يمتلك المصداقية في نظرته نحو المفاوضات أو تجاه عملية التسوية كلها؛ لأن الجدية والمصداقية تعنيان التخلي عن الممارسات الاحتلالية ووقف الاستيطان، والتعامل مع الشعب الفلسطيني على أساس الندية والاحترام.
ومن هنا إن نتائج المفاوضات الراهنة ستظل محاطة بالشكوك، مادام نتنياهو يماطل ويراوغ ويتمسك بلاءاته الثلاث المعروفة: لا للدولة الفلسطينية، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين، ولا لتقسيم القدس، فإذا كانت هذه هي السياسة المعلنة من قبل نتنياهو؛ فعلى ماذا تتفاوض السلطة إذن؟
إن جولات كيري ما هي إلا مسكنات يعطينا إياها للتغطية على مخططات نتنياهو التهويدية، وأعتقد أن مواصلة المفاوضات مع الاحتلال هي غطاء واضح لمواصلة الاستيطان والعربدة الصهيونية على المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي والأراضي الفلسطينية، مقابل حفنة مساعدات مالية، أو إخراج عدد قليل من الأسرى من سجون الاحتلال، والسلطة تدعي حسن النيات، والأمر لديها ليس أكثر من مجاملة أو تعبير عن صداقة أو _إن صح التعبير_ شراكة في التنسيق الأمني، ليس أقل ولا أكثر من ذلك.
د. أيمن أبو ناهية
في ظل ازدياد هجمات واعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى المبارك، وبحث إمكانية تقسيمه في (الكنيست)، وإصرار نتنياهو على مواصلة سياسة الاستيطان، يقابلها عمليات هدم وإنذارات بالهدم في القدس وغيرها، وتكرار الأقوال عن يهودية "الدولة" وعدم تقسيم المدينة المقدسة، إضافة إلى أن قرى وخرب في يطا _على رأسها خربة "أم الخير"_ تشهد عمليات تهجير قسري على يد الاحتلال؛ من أجل إقامة أضخم سلسلة مشاريع استيطانية تربط تلك المستوطنات معًا وصولًا إلى البحر الميت؛ ليكتمل مشروع الربط التاريخي الذي يحلم به نتنياهو على الحدود الشرقية للضفة الغربية، وفي ذلك ضم الأغوار الشرقية، وبناء جدار جديد يفصلها كليًّا عن الضفة الفلسطينية؛ في ظل كل هذا يعود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من جديد إلى المنطقة لإعطائنا من جديد جرعات مسكنة.
الجرعة الأولى عدّ كيري الاستيطان يضر عملية السلام، إلا أن هذا الكلام يظل بلا مضمون ولا فائدة أصلًا؛ لأن نتنياهو سمعه أكثر من مرة ولم يستجب له، حتى لو كان من أوباما نفسه، ووفقًا لمصادر إعلامية إسرائيلية خلال هذا الأسبوع إن نتنياهو أبلغ الفلسطينيين قبل بدء المحادثات الراهنة بأن حكومته لن تفرض على نفسها قيودًا في مجال البناء الاستيطاني، وادعى أن الجانب الفلسطيني يعرف هذا الموقف الإسرائيلي.
في الحقيقة كيري لم يطلب وقف الاستيطان، وإنما طالب بـ"الحد" منه، أي عدم المبالغة فيه، حتى هذا المطلب المتواضع يظل بلا قيمة؛ لأن واشنطن لا تمارس أية ضغوط حقيقية على نتنياهو لوقف الاستيطان، أو الحد منه، ولهذا إن نتنياهو يتمادى به ويلقى الدعم من (الكنيست).
ونسب إلى كيري قوله: "آمل وضعًا يتجاوز حل الدولتين إلى العيش المشترك، والتعاون في المستقبل"، والسؤال الموجه له: أي دولة هي التي يمكن إقامتها في ظل الاستيطان السرطاني الذي أوجد بالفعل دولة أمر واقع للمستوطنين، الذين قاربت أعدادهم ثلاثة أرباع المليون، يسيطرون بمستوطناتهم على ثلاثة أرباع الضفة، وهذا في حد ذاته دليل صارخ على السياسة الصهيونية الرامية إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من المواطنين الفلسطينيين، وتغيير طابعها الديموغرافي لمصلحة الاستيطان والمستوطنين، وجعل ما تبقى من الأراضي الفلسطينية أشبه بالجبنة السويسرية ذات الثقوب الواسعة التي تزيد في حجمها عن المادة الأصلية؟!
أما الجرعة الثانية فهي تتعلق بالجوانب الاقتصادية، وإعلان تقديم مساعدة بقيمة ٧٥ مليون دولار لتطوير البنى التحتية بالضفة، وافتتاح شارع مولته الوكالة الأميركية للتنمية في بيت لحم، ومع أن كلًّا يتفق على أن الاقتصاد ليس بديلًا للسياسة يظل الدعم الاقتصادي دافعًا إلى استمرار المفاوضات بشكل أو بآخر، فقد كثر الحديث عن مقترحات بحلول مؤقتة لبعض القضايا (ولا علم لي ما هي هذه القضايا)، لكن أثبتت التجارب الكثيرة الماضية أن الحلول المؤقتة كانت كوارث علينا في كل المراحل، ونحن نحصد الآن عواقبها الوخيمة.
إن كل هذه الممارسات وتلك التهديدات لا توحي بأن نتنياهو جاد، أو يمتلك المصداقية في نظرته نحو المفاوضات أو تجاه عملية التسوية كلها؛ لأن الجدية والمصداقية تعنيان التخلي عن الممارسات الاحتلالية ووقف الاستيطان، والتعامل مع الشعب الفلسطيني على أساس الندية والاحترام.
ومن هنا إن نتائج المفاوضات الراهنة ستظل محاطة بالشكوك، مادام نتنياهو يماطل ويراوغ ويتمسك بلاءاته الثلاث المعروفة: لا للدولة الفلسطينية، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين، ولا لتقسيم القدس، فإذا كانت هذه هي السياسة المعلنة من قبل نتنياهو؛ فعلى ماذا تتفاوض السلطة إذن؟
إن جولات كيري ما هي إلا مسكنات يعطينا إياها للتغطية على مخططات نتنياهو التهويدية، وأعتقد أن مواصلة المفاوضات مع الاحتلال هي غطاء واضح لمواصلة الاستيطان والعربدة الصهيونية على المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي والأراضي الفلسطينية، مقابل حفنة مساعدات مالية، أو إخراج عدد قليل من الأسرى من سجون الاحتلال، والسلطة تدعي حسن النيات، والأمر لديها ليس أكثر من مجاملة أو تعبير عن صداقة أو _إن صح التعبير_ شراكة في التنسيق الأمني، ليس أقل ولا أكثر من ذلك.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية