معتقل الجنيد.. تبدل السجان وظل المكان
د. امديرس القادري
أمضيت الكثير من الوقت وأنا أتنقل بين المواقع الإلكترونية للبحث عن معلومات تتعلق بسجن الجنيد الذي تديره وتشرف عليه أجهزة القمع الفلسطيني السلطوية التي بناها وأسس لها الجنرال الأمريكي دايتون الذي لم يبخل على هذه الأجهزة بشيء ، فأعطاها الكثير من سنوات عمره ، ونقل لها الدروس والخبرات التي اكتسبها عبر مشوار العمل الطويل في الجيش و وكالة الاستخبارات الأمريكية ومؤسساتها.
على شبكة العنكبوت يستطيع الإنسان أن يطالع شهادات تقشعر لها الأبدان وروايات لا حصر لها من أفواه المناضلين والأحرار الشرفاء الذين نالوا شرف المرور بتجربة السجن والاعتقال التي يشرف على تنفيذها وبمهنية عالية صبيان هذا الجنرال الأمريكي الذي سيغادر الأراضي المغتصبة بعد بضعة شهور عائدا إلى بلاده تاركا وراءه الإبداعات القمعية التي أرسى جذورها وأسس لها خير تأسيس .
الخارج من مدينة جبل النار نابلس والمتجه غربا لا بد أن يمر بهذا المكان القابع على مساحة واسعة من الأرض والتي تزيد بلا شك عن تلك التي تحتلها جامعة النجاح الوطنية ، و لا غرابة في ذلك فهذه السلطة حريصة على مراكز الأمن و المعتقلات أكثر بكثير من حرصها على دور التعلم و التعليم ، والعابر بهذه الطريق لا بد وأن يرى بأم عينيه أسوار الجنيد ومبانيه التي تفوقت في شهرتها و سمعتها أيضا على الكنافة النابلسية التي عرفت بها هذه المدينة ، هذه هي نابلس اليوم و التي تميزت سابقا في مقاومتها للغاصب الصهيوني الذي اضطر إلى إرسال طائرات الموت لتقصف قلاعها وأحياءها التي أبت إلا أن تكون عنوانا للوطنية والفداء والتضحية .
الصهاينة الذين أهدوا معتقل الجنيد لصبيان دايتون عادوا مرة وفي الانتفاضة الثانية ليقصفوه وكأنهم بذلك يستعيدون ذكريات القتل والتعذيب والوحشية التي مارسوها على أرضه و على مدى سنوات اغتصابهم للضفة بعد نكسة حرب 67، ولكن وحتى لا تنمحي صورة هذا المعتقل وتاريخه الإجرامي أعادت المؤسسات الهولندية بناءه من جديد كعربون صداقة مع هذه السلطة وصبيانها .
بين ثنايا هذه السطور جملة من المشاعر و الأحاسيس التي لا تحمل بداخلها سوى الألم والوجع الفلسطيني ، و لذلك أتمنى من كل قارىء أن يعيش ولو بالخيال الذي لا تحده حدود فصول تلك المأساة والمعاناة والقهر والتعذيب التي يرزح تحت تأثيرها المئات من أبناء هذا الشعب الرافضين لهذه السلطة وعصاباتها ، مئات من الرجال يتعرضون يوميا هناك وداخل أقبية هذا المعتقل إلى أبشع أشكال الاضطهاد الإنساني التي يرتكبها بحقهم جلاوزة وأشاوس هذه السلطة الذين تحجرت قلوبهم وعميت أبصارهم وفقدوا الانتماء لخالقهم ووطنهم وشعبهم .
كنا نتمنى أن يتحول هذا المكان إلى متحف تزوره الأجيال لترى وتشاهد الجرائم الصهيونية التي ارتكبت على أرضه ، كنا نتمنى أن يتحول الجنيد إلى منارة فخر واعتزاز تروي للتاريخ حكايات الصبر والصمود التي سطرها آلاف الشباب الفلسطيني الذين تحدوا هذا الغاصب وقاوموه بشتى الوسائل والطرق ، ولكن هذه السلطة اختارت السير على ذات الخطى والنهج فظل المعتقل والسجن ثابتا في مكانه ولم يتغير عليه أي شيء سوى السجان ، رحل شلومو وكوهين وحل في مكانهم عرار وأبو يزن وأبو شرار وأبو أحمد وفي أيديهم أدوات التعذيب التي تركوها لهم ، هذه أسماء القتلة الجدد الذين حدثتنا عنهم الأخت سجود سميح عليوي وهي تروي لنا ما يتعرض له أبوها المعتقل منذ سنوات وراء أسلاك الجنيد الشائكة وذلك في مقالة لها نشرتها " السبيل " في عدد الصادر يوم الأربعاء الموافق 21 تموز .
بكت عيوني دما وأنا أحاول أن أعيش صرخات الصغير " جمال " وهو يصرخ في وجوههم مطالبا إياهم أن يتركوا أباه !! . فاركعي واسجدي يا سجود لرب العالمين وتحلي بالصبر واحضني " جمال " نيابة عني وقبلي منه الجبين وقولي له أنه سيكبر في يوم من الأيام و عندها سيكون الوقت مناسبا جدا للانتقام الذي لا بد و لا مفر منه ... أما أنتم أيها القراء الاعزاء فأرجو منكم الدعاء إلى الله ليفك قيد كل الأسرى و المعتقلين عند الصهاينة المجرمين و عند هذه السلطة الطاغية و الباغية ، إنه على كل شيء قدير.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية