معضلة التنسيق الأمني
فهمي هويدي
بعض فصول التقرير الاستراتيجي الفلسطيني تضمنت معلومات تصدمنا حتى لا تكاد تصدق. وربما كان الجزء الخاص بالتنسيق الأمني الذي يتم برعاية أمريكية بين أجهزة السلطة في رام الله وبين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية صارخاً في استدعاء الصدمة وإثارة الدهشة، إذ يذكر التقرير أن ذلك التنسيق بلغ في عام 2010 مراحل متقدمة وغير مسبوقة منذ توقيع اتفاقية أوسلو في سنة 2003. آية ذلك أن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) تحدّث لأول مرة منذ ما يزيد على عشرين عاماً عن خلو قائمة ممن يسميهم «المطلوبين» في الضفة.
وقد امتدح رئيس الشاباك يوفال ديسكين فاعلية الأجهزة الأمنية للسلطة ضد حركة حماس، مشيراً إلى أن تلك العمليات وصلت إلى أعلى درجة لها منذ 16 عاماً.
من المعلومات المهمة التي وردت في هذا الصدد ما يلي:
* كشفت حكومة الاحتلال ضمن تقريرها الذي قدمته أمام «لجنة ارتباط الدول المانحة» في بروكسل، أن أجهزة الاحتلال قامت بـ2.968 عملية مشتركة مع قوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية سنة 2010 مقارنة مع 1.297 عملية سنة 2009، أي زيادة بنسبة 129%. كما عقدت 686 اجتماعاً مشتركاً معها سنة 2010، مقارنة بـ544 اجتماعاً سنة 2009، أي زيادة نسبة 26%، (من الجدير بالذكر أنه رغم كل الإجراءات الأمنية، فقد نفذت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية 463 هجوماً ضد أهداف إسرائيلية).
* اتهم تقرير أصدره «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار» في وزارة التخطيط الفلسطينية في قطاع غزة السلطة في رام الله بتنفيذ أكثر من 3.000 حالة اختطاف على خلفية سياسية خلال سنة 2010. وذكر أن نحو 1,404 حالة من حالات الاعتقال كانت لأسرى محررين، ونحو 49 لأئمة المساجد، ونحو 24 من أساتذة الجامعات، ونحو 36 صحفياً، ونحو 32 من أعضاء مجالس بلدية، وما يقارب 417 طالباً جامعياً، ونحو 9 مدرسين.
* كشف تقرير أمريكي، أعده نيثان ثرول بعنوان «رجلنا في فلسطين»، عن أن قوات أمن سلطة رام الله قامت بمشاركة الجيش الإسرائيلي في سنة 2009 بـ1.297 عملية مشتركة ضد مجموعات المقاومة الفلسطينية المسلحة، استهدفت فيها حركة حماس وجهازها العسكري، ومؤسساتها المدنية والاجتماعية بزيادة 72% عن عمليات سنة 2008. ونقل ثرول عن التقرير السنوي لجهاز الشاباك أن العمليات الأمنية المشتركة لقوات أمن السلطة و"إسرائيل" قد خفضت الهجمات الفلسطينية ضد الإسرائيليين في الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى أقل مستوى منذ عام 2000.
* كان للولايات المتحدة دور فاعل في تنمية هذا الدور وتعزيزه من خلال تقديم المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، والإنفاق بسخاء على مهمة المنسقين الأمنيين لديها في الضفة. وقد أنفقت واشنطن منذ سنة 2007 على مهمة المنسق السابق كيث دايتون 392 مليون دولار، فيما رصدت 150 مليون دولار للسنة المالية 2011. ويضم المقر الرئيسي لبعثة المنسق الأمريكي في غربي القدس 45 موظفاً يشكلون الجزء الأساسي للبعثة، معظمهم من الضباط الأمريكيين والكنديين، إلى جانب ضباط بريطانيين وأتراك.
* كنتيجة للتنسيق، اعتقلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية عدداً من أبرز قيادات المقاومة في الضفة، ولوحظ أن عدداً من المعتقلين الذين كان يفرج عنهم من سجون السلطة يعاد اعتقالهم من «إسرائيل» أو تتم تصفيتهم.
* لم يقف هذا التنسيق عند ملاحقة المقاومة، وإنما وصل لحد غض السلطة الطرف عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة نهاية سنة 2008 وذلك حسبما كشفت عنه تسريبات موقع ويكيليكس سنة 2010 التي قالت إن الحكومة الإسرائيلية بزعامة إيهود أولمرت حاولت تنسيق الحرب على غزة مع السلطة الفلسطينية. وكتبت «هآرتس» أن وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، في لقائه مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ والكونجرس في مايو 2009، ذكر أن "إسرائيل" حاولت تنسيق الحرب العدوانية على قطاع غزة 2008 - 2009 مع مصر ومع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس جاء ذلك استناداً إلى برقيات السفارة الأمريكية في تل أبيب، والتي تم الكشف عنها من قبل موقع ويكيليكس.
واستناداً إلى برقية كتبها نائب السفير الأمريكي في «إسرائيل» في تلك الفترة فإن باراك قال إن الحكومة الإسرائيلية تشاورت مع مصر ومع حركة فتح في «حملة الرصاص المصبوب»، وسألت إذا ما كانتا على استعداد لتولى السلطة على قطاع غزة بعد أن تحسم "إسرائيل" حركة حماس، لكنها حصلت من مصر على رد سلبي.
ذلك قليل من كثير مسكوت عليه، أورده التقرير الاستراتيجي الذي صدر عن عام 2010، وتلقيته مؤخراً من مركز الزيتونة للدراسات في بيروت، الأمر الذي يعني أن الجزء الخفي والغاطس حافل بمفاجآت لا تكاد نسمع بها أو نراها، الأمر الذي يثير سيلاً من الأسئلة حول مستقبل ذلك التنسيق في ظل التوافق الأخير بين حركتي فتح وحماس.
إن من سخريات القدر أن نفشل في إقامة أي تنسيق عربي، وأن يكون التنسيق الوحيد الذي «نجح» هو الفلسطيني الإسرائيلي
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية