مفاوضات الحلوى
أمجد عرار
ذروة الازدراء أن يبوح أحد طرفين متفاوضين بهدفه الخاص للتفاوض، هدف لا علاقة له بالمعلن. ثمّة تسريبات "إسرائيلية" تقول إن هناك هدفين من المفاوضات الجارية مع الجانب الفلسطيني في عمّان أولهما احتجازه في دوامة المفاوضات إلى ما بعد 26 يناير/ كانون الثاني الحالي، وهو الموعد الذي تنتهي فيه مهلة الشهور الثلاثة التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية لإجراء مفاوضات حول قضيتي الحدود والترتيبات الأمنية، وثانيهما منع الطرف الفلسطيني من استئناف معركة الاعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة مقابل إعطائه "بعض الحلوى"، وهو التعبير الذي ورد في التسريبات.
ما تسرّب من الجانب "الإسرائيلي" يشير أيضاً إلى أن رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو عرض تقديم ما اعتادت "إسرائيل" على تسميتها بمبادرات "حسن نيّة" للمفاوض الفلسطيني مقابل تنازله عن معاركه في الحلبة الدولية.
هذه المبادرات من الناحية المبدئية ليست سوى واحد في الألف من استحقاقات النسخة البائسة لاتفاق أوسلو وملحقاته وتوابعه. فالأسرى كان يجب إطلاق سراحهم بعد التوقيع. أما عرض توسيع صلاحيات السلطة فهو ينطوي على وقاحة وإهانة للجانب الفلسطيني خاصة إذا علمنا أن مفاوضات ما سمّي "الوضع النهائي" كان يجب أن تنتهي عام 1998، حتى وفق السقف المتدني للعملية السياسية، باتفاق على حدود الدولة الفلسطينية والقدس واللاجئين والمعابر والمياه وسواها من القضايا المسندة لمفهوم الحل النهائي.
الفتور الذي رافق الاجتماعين التفاوضيين الأول والثاني في عمّان بين صائب عريقات وإسحاق مولخو، يعكس نوايا "إسرائيل" الواردة في تسريباتها، مع التذكير بأن هذا المنهج "الإسرائيلي" هو الذي سيطر على العملية السياسية منذ انطلاقها في محفل مدريد عام 1991، وليس فيه أي جديد يشذ عن طبيعة العقلية "الإسرائيلية" في التعاطي مع الصراع العربي الصهيوني باعتباره مشروعاً استيطانياً اقتلاعياً تستخدم فيه كل الوسائل العسكرية والأمنية والاقتصادية، ويوظّف الدبلوماسية كغطاء خداعي يظلل ديمومة هذا المشروع الاستعماري وإيصاله إلى نهاية هدفه ممثلاً بإقامة "إسرائيل" من الفرات إلى النيل وتمكين الصهيونية العالمية من حكم العالم بشكل غير مباشر، بل مباشر في تجليات معيّنة.
ولا ندري إن كان من قبيل المصادفة أن تترافق التسريبات التفاوضية مع تقرير "إسرائيلي"، يؤكّد أن 2011 كانت السنة الأكثر كثافة استيطانية متفوّقاً بنسبة عشرين في المئة عن العام الذي سبق، حيث صادقت "إسرائيل" العام الماضي على بناء 6350 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية بما فيها القدس.
إذا أضفنا للجنون الاستيطاني عمليات التهويد المستمرة للقدس والمقدّسات الإسلامية والمسيحية، وبخاصة في القدس، واعتداءات المستوطنين ومجموعات إرهابية يهودية أخرى على المساجد في الضفة والمناطق المحتلة عام 1948، فإن علامات استفهام كبرى تظلل الإصرار الغريب للقيادة الفلسطينية المتنفّذة على مواصلة هذه المفاوضات التي تضيف "إسرائيل" إلى عبثيتها التي تؤكدها التجارب الطويلة، تسريبات مقصودة عن أهداف "إسرائيلية" خالصة تصب في خانة استمرار مسلسل الاحتلال والاستيطان والتهويد والاستعداد الدائم لشن الحروب في المنطقة.
لقد داهمنا الأمل رغماً عنا عندما التقى قطبا الانقسام الفلسطيني بهدف تحقيق المصالحة التي ينتظرها الفلسطينيون ويعولون عليها الكثير في إرساء الأساس لوحدة وطنية تؤهل الفلسطينيين لمواجهة الأخطار المحدقة موحّدين، في ظل انكفاء العرب والمسلمين والعالم عن مساعدتهم وتبني مطالبهم العادلة. واضح أن في الانقسام مصلحة لطرفيه وكارثة على القضية، فيما تتواصل المفاوضات فقط، كونها السبب الوحيد الذي يبرر النتيجة الوحيدة لها حتى الآن، وهي وجود السلطة الفلسطينية، رغم أنها معلّقة في الهواء بلا استقلال أو سيادة.
صحيفة الخليج الإماراتية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية