ملحمة الكرامة ... بقلم : د.أحمد الأشقر

الإثنين 14 مايو 2012

ملحمة الكرامة

د/ أحمد الأشقر

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله, الله أكبر الله أكبر الله أكبر و لله الحمد. بهذا التهليل و التكبير أنهينا الإضراب المفتوح عن الطعام في خيمة العز و الفخار من قلب ساحة الجندي المجهول بغزة مبتهجين بعظمة النصر و روعة الصمود, و الذي سُطِرَ من خلال أمعاء أسرانا الأبطال داخل سجون و زنازين العدو الجبان.

خاض أسرانا الأبطال هذه الملحمة من خلال أمعائهم الخاوية و التي بدأت منذ 17 نيسان 2012 من قلب كافة سجون العدو الصهيوني, كانت معركة تجسد أعظم آيات الصمود و الإباء و تكتب ملحمة بطولية للتاريخ في معاني الصبر و المصابرة و الجَلَد, وكان لا بد لأسرانا من خوضها متحدين, بعد التوكل على الله عز وجل رغم خطورتها, و كان لابد من الصمود في ملحمة الكرامة البطولية هذه حتى آخر عرق ينبض في أجسادهم الطاهرة.

قبلهم من الأسود الرابضة من بدأ الإضراب المفتوح عن الطعام و خاصة الأسرى الأماجد ذياب و حلاحلة و كما حطموا إرادة السجان و كسروا شوكة ذلك المحتل الجبان, فإنهم أيضا قد حطموا رقما قياسيا في الإضراب عن الطعام و دخلوا بذلك التاريخ من أوسع أبوابه! و بعد هؤلاء الأماجد التحق نخبة من الصفوة من هنا من غزة العزة و الشوكة الشامخة في علياء التحدي بركب الأبطال القابضين على الجمر من داخل السجون ليعقدوا مؤتمرا صحفيا و تحديدا في 02.05.2012 للإعلان فيه عن انضمامهم إلى إخوانهم و ليؤكدوا على أنهم منخرطين جندا في هذه المعركة يقودهم الأسرى العظام, و ليفتدوا بأمعائهم أمعاء إخوانهم المعذبين هناك, و ليعانقوا صبرهم بعزم على أن يمضوا في الطريق إلى النصر المبين في هذه المعركة كخطوة أولى – ليس إلا – على طريق تحرير الأسرى و انتزاعهم بالقوة من بين مخالب جلاديهم و زنازين عدوهم المتغطرس الجبان.

ما كان لغزة أن تتأخر عن العطاء, و ما كان لقادتها أن يتوانوا عن البذل و التضحية, و ما كان لشعبها أن يتراخى أو يتساهل في قضية مقدسة تمس حرية أسرانا و كرامتهم. و ما كان لحكومتها إلا وأن تؤكد بأنها تحمل لواء التحرير في كل ميدان و حين, و لن تتزحزح قيد أنملة في دفاعها عن قضيتها و أبناء شعبها أياً كان لونهم أو انتمائهم وصولا إلى النصر المبين.

إن مطالب أسرانا تمثلت فى إنهاء العزل الإنفرادى و الإعتقال الإداري, و إلغاء قانون شاليط, والسماح لذوى الأسرى الممنوعين من الزيارة بزيارة أبنائهم داخل السجون و خاصة أسرى قطاع غزة, و السماح لجميع الأسرى بالتعليم و الكف عن الممارسات النفسية البغيضة التى تمس كرامة هؤلاء الأبطال, و إلى غير ذلك من المطالب التى أقرتها المعاهدات الدولية و لا سيما معاهدات جنيف بهذا الخصوص.

هذه المطالب العادلة و المهمة لمن خاض تجربة الأسر أو حتى سمع عنها و استوعبها ليدرك تماما أنها مطالب غاية فى الأهمية خاصة لأسرى معزولين عن العالم منذ ما يزيد عن 4500 يوما, و هى مطالب غاية فى الأهمية لأم أسير تريد أن تُكَحِل عينيها برؤية ابنها و فلذة كبدها, و هى مطالب يحلم بها كل أسير و أبنائه بأن يراهم و يرونه, يسكنون فى ذاكرته و يسكن فى ذاكرتهم, ينامون فى أعماق أحلامه و ينام فى قلب دمعة طفلته التى حينما تبكى تقول: " أريد أبى "!!! و إنها لمطالب يأكل القهر فيها من سواعدنا و بنادقنا عندما يمضى يوما ولا زالت سجون البغي و قبور الظلام يرزخ فيها ثلة ممن صاروا شمعة حُرقت لتنير لنا دروب التمكين, و ممن افتدى شعبه و قضيته بعمره و شبابه!!!

إننا نستحي من ربنا, من شعبنا, من ذوى أسرانا, من أنفسنا عندما نتحدث عن تحسين ظروف إعتقال هؤلاء القادة! تاج رؤوسنا و أساتذة مدارس الكفاح و النضال وتقرير المصير فينا, هؤلاء الرجال الذين أعطونا دروسا فى العزة و الكرامة, و علموا العالم بأسره كم أن هذا العدو منهزم و جبان, و أنه حتى بأمعاء خاوية تُكسر شوكته و يُهزم جبروته!

إننا نستحي مع كل إشراقة شمس فى ربوع فلسطيننا الحبيبة من بحرها إلى نهرها تُذكرنا بأننا لا بد و أن نعمل أكثر مما نتكلم لتحرير هؤلاء و ليس لتحسين ظروف اعتقالهم! تُذكرنا بأنه يتوجب علينا أن يكون بقبضتنا العشرات من أمثال شاليط حتى تحرير أسرانا و تبييض كافة سجون الظلم و الجبروت.

إن هذا النصر ما كان ليتأتى لولا الله عز و جل, لولا تضرع الآلاف و الملايين إلى ربهم بأن يخفف الله عن إخواننا الأسرى. ما كان ليتأتى لولا الالتفاف الجماهيري و الفصائلى الموحد خلف قضيتهم العادلة, لولا صدق نيتهم و صلابة إرادتهم فى الظُفر بإحدى الحسنيين, إما النصر و كسر شوكة السجان, أو الشهادة فى سبيل الله عز و جل ليخلدهم التاريخ فى أعماق ذاكرتنا إلى أن يرث الله الأرض و من عليها.

إن النصر المؤزر فى " معركة الكرامة " هذه قد أنسانا ذكرى النكبة الرابعة و الستين, ليبعث فينا أملا بأن زمن الهزائم قد ولى إلى غير رجعة, وبأن حجرا ثقيلا قد هُدِم فى هذه الذكرى المشئومة, و ليؤكد لنا مرة أخرى بأن الحقوق تنتزع إنتزاعا, حتى و لو من خلال الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات. إن الإنتصار فى هذه المعركة يؤكد لنا من جديد بأننا شعب حر قد سئمنا لغة الاستجداء و الإستعطاف و الإنبطاح و أنه قد آن الأوان لكي نبحث عن الأمجاد ليولد فينا من جديد ألف حسن و ألف حامد و ألف عبدالله و ألف عقل و عياش!

إن خيمة الشموخ فى ساحة الجندي المجهول بغزة و التى بفضل الله عز و جل ثم بفضل حكومتها الشرعية الرشيدة قد تحولت إلى لوحة غاية فى الإبداع الوطني, تجسدت فيها اللُحمة الوطنية الحقيقية, وأثبتت للقاصي و الداني على أن شعبنا يلتف حول المقاومة و أن ما يُجَمِع هذا الشعب هو سعيه الدؤوب نحو تقرير مصيره من خلال الثقافة البسيطة و البدائية و التى مفادها بأنه " لا يفل الحديد إلا الحديد ", و بأنه لا مكان بيننا للضعفاء و الجبناء و بنو الخُذلان, و بأنه مهما تباكينا على المصالحة فى كل مناسبة من خلال التلاعب بالألفاظ و عذابات الأسرى و الثكالى فلن يأتي من وراء ذلك إلا المزيد من تكشف الحقائق و تبيان النوايا السيئة و المبيتة من قِبَل هؤلاء الرويبضة للإمعان فى شرخ لحمة هذا الوطن أكثر فأكثر, وعليهم أولا بأن يُصارحوا قبل أن يُصالحوا, و عليهم أن يبيضوا بعض سجونهم من المجاهدين قبل أن يُطلقوا أحاديثا ممجوجة بالقرف تتباكى على أسرانا الموجوعين!

إن هذه الخيمة ليست كآلاف الخيام التي نُصبت في ديارنا بعد كل نكبة أو إبعاد أو هزيمة, بل هى خيمة كانت فى كل صلاة تُقام فى أكنافها أو فى كل دعاء يخرج صادقا من بين ثناياها تؤكد بأن معركتنا و أمعائنا ستنتصر على الأعداء و الدُخلاء.

إنها كانت بمثابة مرآة عاكسة لقضية أسرانا و مطالبهم العادلة, وأداة ناقلة بالصوت و الصورة لحديث الزنازين وغياهب قبور العزل, وقبلة الغزيين للتضامن مع قضية أسرانا الميامين.

إننا اليوم نسجل حمدنا لله العزيز الحكيم على نعمة هذا النصر, ونبارك لأسرانا على هذا الدرس الموجع لعدوهم, و المُحفِز لنا على أن نتوحد تحت راية المقاومة و أن نسير خلف الأبطال أمثالهم, و نشكر كل حر على وجه هذه البسيطة تضامن مع قضية أسرانا. نشكر كل من جاء ليتضامن معهم من خلال المضربين عن الطعام فى هذه الخيمة و فى كل خيمة نُصبت من أجلهم فى الضفة وأراضى الثمانية و أربعين و فى كل أقطارنا الحرة. نشكر أحرار العالم الذين خرجوا فى كل مسيرة تُندد بهذا الكيان المسخ, نشكر جميع الفصائل الفلسطينية دون استثناء على تفعيلها لقضيتهم, نشكر كل طفل أمسك وردة فى يده البريئة ليهديها للمضربين عن الطعام هنا لنقلها عبر الماء و الهواء إلى أبطالنا الأسرى هناك, نشكر كل من أمسك أداة للتصوير و التوثيق ليبعث بصورة أو كلمة من خلال قنوات التواصل الإلكترونية يفضح بها إجرام العدو و جبروته, نشكر جنود الكلمة الحرة من الإعلاميين الذين غطوا الحدث بكل تفاصيله هنا من قلب الخيمة ليوصلوا رسالة لأسرانا بأن الأمة كلها معكم, تفخر بكم و تدعو لكم, و تنتصر لضعفكم.

نشكر الحكومة الفلسطينية و على رأسها معالي دولة رئيس الوزراء الفلسطيني أبو العبد هنية على دوره الرائد فى احتضان المضربين عن الطعام هنا و زيارتهم مرارا و تكرارا وبعث أمل النصر و التمكين فى نفوسهم و فى نفوس أمهات الأسري وذويهم, وعلى تذليل كافة العقبات و تسخير كافة طاقات الحكومة من أجل إنجاح رسالة هذه الخيمة التضامنية و الوحدوية وصولا إلى ما يتطلع له أسرانا الصامدين و ينشده ذويهم المصابرين. و لا يفوتنا هنا تحديدا شكر وزارة الأسرى و المحررين ووزارة الصحة ووزارة الداخلية فيما يتعلق بالخيمة التضامنية والوزراء الذين شاركونا بأمعائهم فى هذه المعركة, و أن أشكر نواب الشرعية الفلسطينية الذين ما غابوا عنا يوما من أيام إضرابنا الثلاث عشر.

ولعلى أسجل هنا امتعاضنا الشديد لقنوات إعلامية كبيرة فى حجمها, عربية فى رسالتها, لغيابها المتعمد و المقصود عن تغطية هذا الحدث الجلل, والذي لم يكن مستغربا على مثل هذه القنوات التى لطالما عودتنا على خذلانها لقضايانا و قضايا أمتنا العادلة.

إن كلماتي – قلت أو كثرت – تعجز عن شكر ربنا و الافتخار بأسرانا, لكنني و كما بدأت لا يسعني إلا أن أهتف ثانية: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله, الله أكبر الله أكبر الله أكبر و لله الحمد ... حقا إنه يوم عيد أهدانا إياه أسرانا من عتمة زنازينهم إلى فضاء حريتنا, يرشدنا إلى طريق فيها عزة و يدلنا على عمل عله ينقذهم من براثن بني صهيون.

د/ أحمد الأشقر
عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الشعبية

غزة - فلسطين
15.05.201
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية