من سجن مجدو - خمس ليال وستة أيام حسوما – رحلة علاج أم رحلة عذاب؟
الأسير مصطفى محمد أبو عرة
بعد خريف عقيم من المعاملة الإنسانية من إدارة سادية نازية في سجن مجدو أقبل شهر كانون بقله وبره ، ولا كانون عندنا ولا نار ، نتقي البرد بما نحمي به أجسادنا بملابس لا تدخل إلينا من الأهل إلا بعد معاناة وصراع مع إدارة السجن على ما هو مسموح وما هو ممنوع ، تبدأ رحلة معاناة جديدة بظهور آلام في الصدر تتصاعد يوما بعد يوم ، حتى بلغت وكأنما صخرة تجثم على صدري ، ويمتد الألم إلى الظهر والكتفين والذراعين ، وفي كل يوم أطلب الدواء من الممرض الذي يمر بنا ، فمرة يعطيني أكامول ومرة أوبتالجين ، وبعد أسابيع خرجت إلى العيادة ، وبعد المعاينة السريعة من الطبيب قال بأين المشكلة عندك بالمعدة ، فصرف لي علاجا دائما للمعدة ، وبعد أيام اشتد الألم ، ثم رجعت للعيادة وبعد التدقيق في الحالة اكتشف نفس الطبيب أن هناك علامات على وجود مشكلة في القلب لدي ، فطلب من الممرض أن يقوم بعمل تخطيط للقلب ، ولدى خروج النتيجة مباشرة ظهر الفزع على وجوههم وأجرى الطبيب اتصالاته مع الجهات المعنية وطلب سيارة إسعاف لنقلي للمستشفى فورا ، وأعطاني ثلاث حبات مميع للدم وعلق في يدي كيسا من الجلوكوز مع العلاجات المناسبة ، واستنفرت الإدارة وتم نقلي سريعا على مستشفى العفولة مكبل اليدين والرجلين مثقلا بالسلاسل الحديدية ، وهنا تبدأ المعاناة الحقيقية ، فربطت السلاسل بالسرير الذي أرقد عليه ، رجلي اليمنى من جهة ويدي اليسرى من الجهة الأخرى ، ويدي اليمنى معلق فيها الإبر والجلوكوز ، يحوطني ثلاثة من الشرطة لحراستي مسلحين بالمسدسات والعصي الكهربائية وعبوات الغاز المغمي، يعدون عليّ أنفاسي ويرقبون كل تحركاتي ، وفي اليوم التالي لدخولي المستشفى يتغير شفت الحراسة ويشددون القيد أكثر ، وعند الغداء رفضوا فك وثاقي لتناول الطعام ولم أستطع الجلوس على السرير بحرية بسبب قصر القيد في رجلي فرفضت تناول الطعام وأرجعت وجبة الغداء ، ثم طلبت الذهاب إلى الحمام للوضوء لصلاة الظهر فأنزلوني عن السرير مقيد اليدين والقدمين ، وعند باب الحمام طلبت حل قيد يدي لأتمكن من الوضوء وقضاء الحاجة فرفضوا في البداية وبعد جدال معهم سمحوا بحل قيد يدي ، وعند المغرب كرروا نفس السيناريو على الطعام والصلاة فأرجعت وجبة العشاء ونمت مع جوعي وآلامي ، وصحت في وجوههم وقلت لهم : انتم لستم بشرا وليس عندكم شيء من الإنسانية وعنصريون ، وطلبت العودة للسجن لأنه أقل معاناة من سرير المشفى ، فقالوا : وقّع على خروجك من المشفى على مسؤوليتك ، فرفضت ذلك وقلت لهم أنتم تتحملون كامل المسؤولية عن حياتي ، وافضل الموت في السجن على ذل المعاملة في المستشفى ، وفي صباح اليوم الثالث ولدى ذهابي للحمام رفضوا حل قيدي رفضا قاطعا وعدت إلى سريري دون قضاء حاجتي وأرجعت وجبة الفطور ثم حضر الطبيب المناوب ليعطيني العلاج فرفضت أخذ العلاج لأنني لم أتناول الطعام مدة يوم وليلة فاستغرب الطبيب ذلك ، فأخبرته عن السبب وحصل حوار بين الطبيب وبين الشرطة بضرورة تناولي للعلاج وبعد حوار طويل معي ومعهم وافقوا على حل قيد يدي وذهابي للحمام ، وتناولت الطعام والدواء مع مرارة الإذلال والسادية والعنجهية التي يتصرف بها السجان ، وفي اليوم الخامس 1-1- 2012 نقلت إلى غرفة العمليات مقيدا بالسلاسل ، وعلى سرير العملية حلوا قيد يدي وبقيت رجليّ في سلاسلهما ، وأجريت لي عملية قسطرة في القلب وتبين وجود انسداد في أحد الشرايين بنسبة 90% ، وقاموا بفتح الشريان وزرع شبكية لي في الجانب الأيسر من القلب ، ثم نقلت إلى غرفة عناية خاصة بعد العملية في ظل حراسة مشددة ، ويقود طاقم الحراسة جمّال (شاويش) عنصري فظّ مجرم لا رحمة بقلبه مهووس بما يدعوه بالأمن ، فكانت قمة المعاناة معه حيث اشتغل بعد منتصف الليل بفحص القيود في يدي ورجلي مرات ومرات ، ويحل القيد المربوط في وسط السرير ليربطه بأسفل السرير ، فلا أستطيع التحرك على السرير فإن نمت على شقي اليمين جذبني قيد يدي وإن نمت على شقي اليسار جذبني قيد رجلي حتى ضاقت الأمور عليّ جدا فأخذت أصرخ به : أنت مجنون عنصري مجرم مهووس ، وعند الفجر رفض أن يحل قيد يدي من أجل الوضوء وبعد جدال معه قلت له :إذا هيا ادخل معي على الحمام لمساعدتي في قضاء حاجتي ، فرفض ذلك وأخذ من معه يضحكون عليه ويسخرون منه مما اضطره لحل القيد بعد ذلك ..
وفي صبيحة اليوم السادس كان الفرج وكان الخروج من المستشفى والرجوع إلى السجن الذي أنال حريتي فيه أضعاف حريتي في المستشفى ، وخاصة وان حولي أخواني السجناء الذين كانوا يتنافسون في لإعانتي وخدمتي وكذلك يفعلون مع كل مريض وكبير للسن ، وما أن وطأت قدمي القسم الذي أعيش فيه في السجن حتى توافد إخواني من كافة الفصائل لتهنئني بالسلامة والعودة من المستشفى ، وفجأة يتحلق إخواني حولي جالسين واجمين بعد عودتهم من زيارة أهاليهم لهم – وأهلي ممنوعين من زيارتي - ، يتكلم أحدهم عن الابتلاء والصبر عند المصيبة والموت ويبكي أخ آخر لينقل لي خبر وفاة والدي رحمه الله الذي وافته المنية وأنا أرقد في المستشفى ..
والحمد لله رب العالمين على ابتلائه
..............
السجين مصطفى محمد أبو عره / أبو عبادة / 51 سنة / عقابا- جنين / 6 اعتقالات في سجون الاحتلال قضيت أكثر من 5 أعوام خلالها في ظلمة الأسر ، وما زلت في الاعتقال الإداري 22-2- 2012
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية