مواجهة آثار لقاء نتنياهو وأوباما ... بقلم : د. كلوفيس مقصود

مواجهة آثار لقاء نتنياهو وأوباما ... بقلم : د. كلوفيس مقصود

الإثنين 12 يوليو 2010

مواجهة آثار لقاء نتنياهو وأوباما



د. كلوفيس مقصود



من المسلم به أن المباحثات التي جرت بين الرئيس أوباما ونتنياهو أدت إلى تراجع في الموقف الأمريكي المعلن قبل اللقاء، كما أن المصطلحات التي استعملت هذه المرة دلت على أن "الواقعية" في العمل السياسي، خصوصاً أن الولايات المتحدة تواجه في الخريف المقبل انتخابات نصفية، كانت طاغية، في حين همشت التوجهات الواعدة نسبياً التي وردت في العديد من خطب الرئيس أوباما في مستهل عهده.


نشير إلى غلبة الانتهازية على المنحى المبدئي، كوننا توقعنا أن بوادر اختراق في نهج التعامل مع القضية الفلسطينية سوف تتسم بصيغة توفيقية بين ضرورة الواقع وتسريع جدّي ومعقول لمستلزمات ما يمليه القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. إلا أن التراجع الذي حصل يكمن في سقوط المطلوب والرضوخ لشروط ترسيخ مطالب حتى لا نقول إملاءات حكومة نتنياهو. هذا ما بدا خلال التحضير لزيارة نتنياهو والإصرار على إزالة أي انطباع عن "سوء تفاهم" بين أوباما ونتنياهو، والتأكيد المتواصل لالتزام الولايات المتحدة ب "أمن إسرائيل"، والتناغم المستمر بين التحريض "الإسرائيلي" على إيران وترحيب اللوبي "الإسرائيلي" بالعقوبات الجديدة والقاسية عليها، ومن ثم اعتذار أمريكي عن عدم التوقيع على ما صدر من دعوة للالتزام باتفاقيات عدم انتشار الأسلحة النووية، خصوصاً أن المجموعة العربية في الأمم المتحدة نجحت في تسمية "إسرائيل" لأول مرة في بيان وكالة الطاقة الذرية. أجل وجدنا أن ما تم من توافق بين أوباما ونتنياهو هو عودة إلى نقطة البداية التي تلخصت في دعوتهما السلطة الفلسطينية للدخول فوراً في "المفاوضات المباشرة"، وكأن الإدارة الأمريكية نسيت أو تناست أنها هي التي طالبت وتجاوبت الجامعة العربية معها وأعطت فرصة أربعة شهور "للمفاوضات" غير المباشرة، كي تمهد ل "مفاوضات" مباشرة عندما تتضح بنود الاتفاق النهائي.


ماذا حصل حتى يتجاوب أو بالأحرى يستجيب الرئيس أوباما لطلب نتنياهو العودة إلى مفاوضات مباشرة؟ هل صارت بنود وشروط المفاوضات المباشرة واضحة وأكيدة ولا يشوبها أي غموض أو التباس؟ هل لدى الرئيس أوباما ومبعوثه جورج ميتشل دلائل على أن حكومة "إسرائيل" تلتزم صيغة حل الدولتين، بمعنى أن فلسطين دولة ذات سيادة كاملة على ما تبقى من فلسطين التاريخية أرضاً وجواً ومياهاً إقليمية؟ هل هناك ضمانات مسبقة بأن المستوطنات سوف تفكك، وأن المياه الجوفية في الأراضي المحتلة سوف تخضع للسيادة الفلسطينية؟ هل تمكن الرئيس أوباما من طمأنة الرئيس محمود عباس أن القدس الشرقية سوف تكون عاصمة دولة فلسطين؟ كانت "المفاوضات" غير المباشرة هي الإطار الذي يوضح ويجيب عن هذه الأسئلة قبل الدخول في "المفاوضات النهائية المباشرة". الجواب جاء في أثناء دعوة كل من الرئيس أوباما ونتنياهو إلى الدخول فوراً بمفاوضات مباشرة، وكأن التفاوض بالنسبة ل "إسرائيل" يعنى رسوخ مفهومها "للدولة" وتهويدها المتواصل للقدس الشرقية ولما تشكله المستوطنات، وهو دليل على حق التملك بالقوة والاحتلال وليس خرقاً لاتفاقيات جنيف الرابعة.


مرة أخرى علينا أن نتساءل: لماذا الإلحاح الأمريكي "الإسرائيلي" على الدخول فوراً في عملية المفاوضات المباشرة؟ في هذا الشأن نجد بعض عناصر الإجابة واردة في افتتاحية "الواشنطن بوست" يوم 8 يوليو/ تموز حيث كتبت "... إن علنية الضغط على "إسرائيل" دفعت نتنياهو إلى القيام بتنازلات مهمة (لاحظ تنازلات) بمجرد قبوله (أي نتنياهو) لأول مرة دولة فلسطين وفرض تجميد للمستوطنات لعشرة أشهر".


"تنازل" عن ماذا؟ تمرير هذا المصطلح وكأنه مصطلح عادي يؤكد أن تآكل الأرض الفلسطينية من خلال الاستيطان "الإسرائيلي" هو حق، في حين أن التسليم بأن ما تقوم به "إسرائيل" هو "تنازل"، ولكن تنازل عن ماذا؟ ثم تواصل "البوست": "إن أوباما حاول قبلاً أن يدفع بتراجعات إضافية ل "إسرائيل" في القدس، وهو ما أدى إلى حركة ارتجاعية في واشنطن و"إسرائيل"، الأمر الذي شجع الفلسطينيين على التمسك بمطالبهم". ماذا تعني حركة ارتجاعية في هذا الصدد؟ إنها تعني مزيداً من القوة لليمين "الإسرائيلي" وتعزيز التشدد في موقف "إسرائيل"، كما في تنشيط ضغوط الكونغرس للكف عن "الضغط على "إسرائيل".


وانتهت افتتاحية "البوست" بأن على عباس (الرئيس الفلسطيني) أن يدخل في المفاوضات المباشرة أو أنه "غير معنى بالسلام". وأضافت أن نتنياهو يريد ضمانات بأن الضفة لن تشكل تهديداً لأمن "إسرائيل". ماذا يريد محمود عباس "سوف يعرف عندما يدخل المفاوضات المباشرة"، هكذا يصبح القفز الذي يدعو إليه أوباما نتنياهو هو المصيدة الخانقة والمزيد من التآكل في حقوق وأرض فلسطين المحتلة.


وقد أكد نتنياهو أنه سوف يجتمع بالرئيس مبارك لتوضيح سياساته في هذا الشأن وما آلت إليه مباحثاته مع الرئيس أوباما. سهولة التصريح الذي أدلى به نتنياهو بهذا الشأن يجب أن تولد قلقاً حقيقياً، خاصة أن المقابلة في مثل هذا التوقيت ستضفي قدرة لدى "إسرائيل" على تسويقها وكأن الدول العربية قبلت سلق "المفاوضات"، حيث وضعت الفريق الفلسطيني أمام وضع يكتنفه الغموض، بحيث إن التفاوض يفترض اتفاقاً مسبقاً على النتائج وتكون المفاوضات على مراحل، والتقيد بآلية ضامنة كما اتفق عليه قبل المفاوضات المباشرة. لذا قد نشاهد في المستقبل القريب محاولات أمريكية ضاغطة على دول عربية لتشجيع السلطة الوطنية على الرضوخ مرة أخرى لاجترار عبثي كما حدث منذ أوسلو، وبالتالي يتم عملياً فقدان ما تبقى لفلسطين من عناصر القضية المركزية.


إذاً، ما العمل؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال الذي من الصعوبة بمكان الإجابة عنه نظراً للأوضاع الراهنة، فإن نتنياهو أضاف إلى مصطلحاته التي روج لها أثناء زيارته، مفردات إضافية أثناء خطابه يوم الخميس الماضي في مجلس العلاقات الدولية في نيويورك قبل عودته إلى "إسرائيل" بأنه "مستعد للمفاوضات المباشرة الأسبوع المقبل"، وقال إنه "مستعد للمخاطرة سياسياً في سبيل إنجاز السلام". هكذا نجد أن نتنياهو ليس مستعداً لأن يقوم "بتنازلات أليمة فحسب" بمعنى تجميد المستوطنات بناء على طلب سابق من الرئيس الأمريكي، بل أضاف أنه مستعد "للمخاطرة السياسية".


لكن نتنياهو لم يشر في خطابه أمام مجلس العلاقات الخارجية إلى أي استعداد لتمديد آخر لتجميد المستوطنات، مؤكداً القول "عملنا بما فيه الكفاية". ثم أنهى بأنه "بحاجة إلى شريك" وعندما سئل عن الرئيس عباس أجاب بشكل فاتر: "إنني لن أسقط هذا الخيار من إمكانية القيادة".


في هذه الأثناء وفي مقابلة للرئيس أوباما مع تلفزيون "إسرائيل"، أكد أن "نتنياهو يمكنه القيام بإنجاز السلام مع الفلسطينيين"، وأضاف أن هذا ممكن على رغم المعاناة والصعوبات والقلق. إن السلام ممكن أثناء رئاسته. ثم أضاف أن قلق "إسرائيل" على أمنها ناتج من تجربة انسحاب "إسرائيل" من غزة كونها تعرضت لصواريخ، ومن جنوب لبنان أيضاً، كما وصف "شكوك "إسرائيل" و "مخاوفها" بأنها "شرعية"، وبالتالي "هذه هي الفرصة المتوافرة للمفاوضات المباشرة".


إزاء هذه التطورات المستجدة واستمرار تقليص وحتى إزالة الوعود الأمريكية السابقة، يبقى السؤال: ما العمل؟ أولاً ألا نبقى بحالة اللا شيء. بداية ألا يتم اللقاء المزمع القيام به بين نتنياهو والرئيس مبارك قبل أي اجتماع جدي وعاجل على أعلى مستويات صانعي القرار وصانعي الرأي، إضافة إلى مشاركة حاسمة من شرائح المجتمعات المدنية العربية وتحرك دبلوماسي وإعلامي عاجل وبالتالي تعبئة عربية لسياسة واحدة كي لا تبقى "إسرائيل" منفلتة من أي كلفة لها، ومستمرة بالتمدد الاستيطاني وتهويد القدس، وتبقى حقوق الشعب الفلسطيني معلقة، كما هي الآن برغم تنامي الاحتضان الدافئ العالمي لعدالة قضية العرب المركزية، فلسطين المعذبة.


ما العمل؟... التحضير للعمل فوراً.


مدير مركز عالم الجنوب بالجامعة الأمريكية بواشنطن
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية