موقف السلطة من انتفاضة القدس والمقدسات
بقلم : ياسر الزعاترة
فَليطمئن السيد أوباما وسائر أركان إدارته، فالوضع في الضفة الغربية تحت السيطرة، ولن تكون هناك انتفاضةٌ جديدة ولا مَن ينتفضون، فنحن في مرحلة بناء المؤسسات، وأي شكل من أشكال العنف سيضرُّ بمسيرتنا الوطنية، ومشروعنا الرامي إلى تحقيق الحرية والاستقلال!!
لا داعٍ للقلق أيها السادة، لكن ينبغي أن تعذرونا إن اضطررنا إلى السماح بمسيرة "منضبطة" قرب دوار المنارة في رام الله، أو في مكان آخر، آملين أن تقنعوا الشركاء الإسرائيليين بالكفّ عن ممارساتهم الاستفزازية، خصوصًا إذا وقعت احتجاجات عابرة هنا وهناك.
قد يبدو هذا الكلام شكلًا من أشكال السخرية المرة، لكن واقع الحوار بين الطرفين الأمريكي والفلسطيني قد لا يختلف كثيرًا عما أوردناه، فالخوف من انتفاضة فلسطينية قد تصعب السيطرة عليها لا يتملك السادة في واشنطن وحلفائهم في تل أبيب فقط، بل تتملك السادة في سلطة رام الله أيضًا، ومعهم بعض الدول العربية الخائفة من هذا الاحتمال لاعتبارات وضعها الداخلي مع شعوبها، فضلًا عن اعتبارات علاقاتها مع الولايات المتحدة.
من هنا سيكون غضب الضفة منضبطًا إلى حد كبير، تمامًا كما كان أيام العدوان على قطاع غزة، وقد ينطوي الأمر على مسيرات تضيء الشموع وترفع لافتات التنديد، ومعها أعلام حركة فتح الصفراء، بينما تمنع الأعلام الخضراء التي تشير إلى حركة حماس أو الجهاد، هذا إذا توفر مَن يرفعها على اعتبار أن من يعيشون خارج سجون الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني قلة قد يترددون كثيرًا قبل التورط في شيء كهذا.
وضع حماس والجهاد في الضفة صعب إلى حدّ كبير، حيث يتوزع الرجال بين السجون، ومَن يخرج منها لا يلبث أن يعود من جديد، وإذا فكَّر بعضهم في أي شكل من أشكال الاحتجاج فالقمع في انتظارهم، كما وقع لبعضهم في الخليل أيام العدوان على غزة.
الناس خائفون، وهم يدركون أنهم يواجهون أجهزة أمن جديدة، أجهزة لا يعرف عناصرها إلا منطق الهراوة والغاز المسيل للدموع، بل والرصاص الحي إذا لزم الأمر، لا سيَّما بعد أن وقع التخلص من سائر العناصر القديمة التي تدرك أنها جزء من شعب محتل ينبغي أن يواجه عدوه بكل الوسائل الممكنة.
هنا ثمة أجهزة أمن يديرها جنرال أمريكي اسمه دايتون، ومن بعده قادة لا يعرفون إلا مصالحهم، وقد وصل الحال ببعضهم حد ابتزاز معتقلي حماس وأخذ أموالهم بالباطل، بل وابتزاز زوجاتهم أيضًا، وفي هذا السياق قصص يندى لها الجبين.
من هنا، سيكون الغضب محصورًا في مناطق القدس التي لا تخضع لسيطرة الأجهزة إياها، وسيتصدرها بعض شبان الحركة الإسلامية من الأراضي المحتلة عام 48، ومعهم شبان مدينة القدس والأحياء التابعة لها، أعني حملة الهوية المقدسية، أما الضفة الغربية فهادئة وادعة.
لا يستبعد بالطبع أن يجري الإيعاز إلى بعض عناصر حركة فتح بالقيام ببعض الاحتجاجات العابرة لزوم رفع العتب، كما أشير من قبل، لكن ذلك سيبقى منضبطًا أيما انضباط حتى لا يخرج عن السيطرة، فالقوم لن يكرِّروا تجربة العام 2000، بل هم حريصون كل الحرص على عدم تكرارها.
ليس هذا الكلام وصفة يأس، فالشعب الفلسطيني سيعرف كيف يتجاوز هذه المرحلة البائسة، ويتمرّد على رموزها، إذا لم يكن اليوم فغدًا، أو بعد غد، المهم أن الانقلاب على هذا الوضع المشين هو قدر هذا الشعب الذي لن يبيع كرامته بلقمة الخبز ودعاوى الأمن التي تستبطن الاستسلام لواقع الاحتلال.
القدس هي العنوان، والأقصى كذلك، كانت وستبقى، ولن يتمكن "الفلسطينيون الجُدُد" من جعلها مسألة على هامش التفاوض الطويل، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية