نحن والأسرى ننتظر
مصطفى الصواف
تمر الساعات ثقيلة على ذوي الأسرى في سجون الاحتلال والذين يخرجون فجرا من بيوتهم حيث التجمع بالقرب من المكان المحدد لهم ليتم نقلهم إلى معبر بيت حانون ( ايرز ) وكل منهم يحمل في نفسه كثيراً من الأشواق والعواطف والكلمات وقبل وبعد وخلال وجوده في الحافلة يلتزم الصمت الخارجي كل من في الحافلة ولكن في داخله يرتب أفكاره وكلماته وماذا سيقول وكيف سيكون اللقاء ويحدث نفسه عن طبيعة الابتسامة التي سيرسمها على شفتاه وفي داخله نار وألم على الفراق وعلى الوضع الذي فيه ولده أو والده أو ابنها أو زوجها، وكيف هذه الأسلاك والحواجز تبعد الأسير عنهم أميالا بعيدة رغم أنها تقاس بالسنتمترات، ولكنه المحتل المجرم الذي يحول بين الأهل والأسير.
وفور وصول الأهالي إلى معبر بيت حانون أو معابر الضفة الغربية تبدأ رحلة المعاناة الحقيقية ومحاولة إذلال ذوي الأسرى من خلال الإجراءات التي تتخذ ضدهم حيث يمكثون في الحافلات في انتظار السماح لهم بمواصل السير ساعات طويلة لا يسمح لهم فيها بالنزول من الحافلات مهما كانت الحالة الصحية لكبار السن ويتحمل الأهالي على أمل أن يشاهدوا أبنائهم هذا الأذى من قبل قوات الاحتلال ثم ينطلق أهالي الأسرى ساعات طوال حتى يصلوا إلى السجون التي يقبع بها فلذات أكبادهم وهي في مسافات مختلفة يصل بعضها إلى ما يزيد عن مائة كيلو متر، وما أن يصل البوابة الأولى للمعتقل تبدأ مرحلة ثانية من العذابات والسادية التي يمارسها جنود الاحتلال ويتحمل الأهالي في سبيل أن لا يحرموا من قبل السجانين أو الجنود من زيارة الأبناء، كل ذلك يجري على مسمع ومرأى رجال الصليب الأحمر الذي ينسقون لهذه الزيارة دون أن يحركوا ساكنا، أو يكون لهم أي تأثير على تغيير السلوك من قبل قوات الاحتلال بل هم ربما يعانون ما يعانيه أهالي الأسرى.
وأمام البوابة لا تستقر أقدام أهالي الأسرى قلقا واضطرابا وخشية أن يمنعوا من الزيارة أو يمنع ابنهم من الخروج لذويه تحت أي سبب أو ذريعة يفتعلها السجان، وتبدأ حرب الأعصاب بصمت حتى ينادي المنادي عبر الميكروفون عن بدء الزيارة في لحظات صعب قد تنسي أهالي الأسرى كلماتهم وترتيب أفكارهم ويسارعون وسط لهفة ودموع وكلمات تعلق في الحلق ولا تخرج إلا بصعوبة من كل الطرفين الأسير أو الأهالي، وتمضي الفترة المسموح فيها للرؤية عن بعد دون أن يلامس الأسير أهله، ولكن تكفي الطرفين المشاهدة بالقلب قبل العين.
وتنتهي الزيارة ولا تنتهي المعاناة بل في رحلة العودة يتعرض أهالي الأسرى إلى عذاب شديد من خلال الإجراءات التعسفية والانتقامية من أهالي الأسرى لتستغرق الرحلة ما يزيد عن خمسة عشر ساعة وأحيانا أكثر دون أن يكون هناك ما يبرر كل الذي يجري من تأخير وإجراءات انتقامية، ولكن حلاوة اللقاء تجعل أهالي الأسرى يتحملون كل هذه المشقة التي يلاقونها على يد الصهاينة الذين يتعاملون بلا رحمة لصغير أو كبير.
قضية الأسرى حقيقة قضية بحاجة إلى مساندة كبيرة من قبل كل الأطراف المحلية والعربية والإسلامية والدولية والحقوقية والإنسانية، حملة لا تكون موسمية بل حملة متواصلة وتفاعل كبير حتى يتم ممارسة الضغوط على الاحتلال الصهيوني لوقف المعاناة التي يتعرض لها الأسرى ووقف المعاناة التي يلقاها أهالي الأسرى خلال زيارتهم لذويهم.
الأسرى بحاجة إلى كل جهد وبحاجة إلى التحرك نحو تدويل القضية وإثارتها في المحافل الدولية بعد أن غابت عن الوجدان العالمي ولم تتفاعل إلا في مواسم يفرضها الأسير على الجميع من خلال معاناته وإضرابه عن الطعام ومحاربته للسجان وتحديه له من خلال الجسد المنهك بدون إضراب عن الطعام نتيجة الإهمال الصحي والغذائي فكيف عندما يستمر الأسير بالامتناع عن الطعام والشراب لشهور طويلة كما هو حال العيسوي والشراونة.
متى يتحرك المجتمع المحلي ويتفاعل مع هذه القضية بشكل يساند الأسرى معنويا في مواجهة السجان، الأهم متى يتحرك المقاوم الفلسطيني نحو العمل على تحقيق انفراجة في قضية الأسرى كما حدثت في صفقة وفاء الأحرار، متى يعلن عن أسر جندي صهيوني أو مستوطن غاصب حتى يتم إجبار هذا العدو المتغطرس على الإفراج عن الأسرى مرغما وبفعل القوة التي لا يفهم هذا العدو لغة غيرها؟
نحن والأسرى في انتظار اللحظة التي يعلن فيها عن أسر جنود، لتبدأ رحلة الأمل والعمل لدى الأسرى في تجهيز أنفسهم للحظة الإفراج رغم أنف السجان، ( ويسألونك متى هو، قل عسى أن يكون قريبا).
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية