نريد أفعالا لا أقوالا
د. أيمن أبو ناهية
الصورة لم تتغير والمشهد كما هو، نفس العبارات ونفس التصريحات ونفس التهديدات الكلامية التي يطلقها السيد أبو مازن في كل قمة عربية، ونحن تعبنا ومللنا من روتين الانفعالات الوقتية التي سرعان ما تذوب وتتحلل وتذهب أدراج الرياح، ونجده يحن من جديد لعقيدة التفاوض وعقدة السلام بالجلوس مع من ينتقدهم ويلعنهم وهو الاحتلال، فقد تنازل عن شروطه التي اشترطها سابقا وهي وقف الاستيطان كشرط أساسي لاستئناف المفاوضات، وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 ويفاوض على 20% فقط من فلسطين التاريخية، وعدم الاعتراف بيهودية الدولة وهو معترف (بإسرائيل) كاملة وهذا الاعتراف يتناقض مع مطالبته بالقدس الشرقية، واليوم يكرر شروطه من جديد في الجامعة العربية بعد أن تيقن من فشل المفاوضات التي أطلق عليها اسم "الاستكشافية" وقد كانت المصالحة الفلسطينية المنقذ الوحيد التي نشلته من الغرق والتقاط أنفاسه الأخيرة لآخر لحظة، كي يصلح خطأه وخطاه التي كانت ستؤدي بحياته السياسية والرئاسية على السواء، لأن الشعب الفلسطيني تعب من مناوراته ومغامراته التفاوضية الفاشلة من الكيان الإسرائيلي، وما كان له هذه المرة من مبرر لفشل جولات التفاوض التي كان يعول عليها سوى المصالحة التي كانت بمثابة طريق النجاة له ولفريقه المفاوض من السقوط، فهل يتعظ من هذا الدرس ويصون الجميل للمصالحة ويعمل على تحقيقها بان لا ينجر مرة أخرى وراء المفاوضات العبثية؟ الكل يتمنى أن يكون السيد أبو مازن هذه المرة جادا في تحقيق المصالحة وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في إعلان القاهرة والدوحة.
فحركة حماس أبدت مرونة كبيرة وتعاطيا إلى أقصى الحدود ودفعت من رصيدها السياسي على أكمل وجه حين وضعت تحفظاتها وشروطها في الثلاجة والتزمت بما تم الاتفاق عليه لإتمام المصالحة وإنهاء الانقسام وتغاضت عن القانون الأساسي التشريعي وجعلت من التوافق السياسي تجاوزا للخلاف القانوني بالموافقة على ترأس السيد أبو مازن حكومة التوافق إضافة لرئاسة السلطة، وأيضا السماح بتشكيل اللجان التحضيرية للمصالحة المجتمعية وإطلاق الحريات العامة وتبييض السجون من المعتقلين السياسيين على أمل أن تقابل مثل هذه الخطوات بنفس الخطوات في الضفة، لأنها شروط أساسية في اتفاق المصالحة ويجب التزام الطرفين بها، لكن ما يجري في الضفة مغاير تماما للواقع، فالملف الأمني لم ينتهِ بعد والاعتقالات السياسية لازالت مستمرة باستمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال، كما أن إطلاق الحريات العامة ليس كما هو مطلوب، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على تنفيذ بنود المصالحة، وأخشى من أن تبقى المصالحة تراوح مكانها وتصل إلى نقطة التجمد، لطالما أن السلطة في رام الله غير جادة في تنفيذ ما التزمت به في القاهرة والدوحة، ولطالما أنها تنصاع وراء التهديدات والابتزازات الخارجية التي تفرض عليها إملاءاتها وشروطها التعجيزية كي تحرفها عن تنفيذ المصالحة مقابل بعض التسهيلات والصلاحيات والمساعدات المالية. فهل سيخضع السيد أبو مازن لهذه التهديدات الخارجية ويعطي ظهره من جديد للمصالحة ويرجع إلى المفاوضات على أنها خياره الاستراتيجي الأوحد لضمان بقائه؟ أم انه سيتخذ من المصالحة حجة سياسية كي يناور بها كعادته للضغط على الاحتلال والرباعية للحصول على مزيد من صلاحيات السلطة التي تستثمر اغلبها في التنسيق الأمني؟ فإذا كان هذا هو المقصود من الخيارات المفتوحة التي أعلن عنها السيد أبو مازن، فابشروا بمصالحة ورقية لا قيمة لها واستمرار الانقسام إلى إشعار آخر ودولة كنتونات متقطعة الأوصال وضياع القضية الفلسطينية سياسيا وجغرافيا.
إننا نمر في مرحلة عصيبة ومحنة شديدة لا نحسد عيها إطلاقا، فإما أن نختار بين المصالحة الوطنية أو المفاوضات العبثية، لأن الوقت ليس في صالحنا ويستغله نتنياهو في تنفيذ مشاريعه، فالاحتلال مازال جاثما على صدورنا ويقوم بالتهويد لمدننا ومقدساتنا والاستيلاء عنوة على الأراضي والممتلكات الفلسطينية وطرد أهلها وبناء المستوطنات وجدار الفصل العنصري ويفرض علينا حصارا خانقا واللاجئون ينتظرون العودة وغزة تترقب الأعمار والاعتقالات مستمرة ونحن في انقسام ونماطل في تنفيذ المصالحة وإنهاء ملف الاعتقالات السياسية. إننا نريد أقوالا تترجم إلى أفعال، لا أن نقول شيئا فوق الطاولة ونفعل عكسه من تحت الطاولة، كي نشعر بصدق النوايا الجادة في تحقيق المصالحة وهي فرصة تكاد لا تعوض أبدا.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية