نعتذر إليك تركيا
سعيد دويكات
ثلاثة أحداث مترابطة ومتلاحقة وقعت في غضون يوم واحد ... تقرير للأمم المتحدة حول الاعتداء الصهيوني على السفينة "مرمرة " يصدره رئيس الوزراء النيوزلندي السابق – بالمر- يعتبر الحصار على غزة ( شرعيا) ويشير إلى استخدام " إسرائيل" المفرط للقوة ..(القوة غير المفرطة مقبولة) رغم أنه لم يفته الإشارة إلى أن القوة "الإسرائيلية "المهاجِمة تعرضت لمقاومة شرسة ومنظمة وكان من حقها ( القوة المهاجمة ) أن تدافع عن نفسها!! وكأن المتضامنين مع غزة قاموا بجرّ جنود البحرية "الإسرائيلية" من فراشهم إلى عرض البحر وأرغموهم على القتال!! فكان لا بد للجنود ( الغلابى) أن يدافعوا عن أنفسهم!
لا نتوقع غير ذلك من هيئة متبلدة ومتكلسة كتلك التي أصدرت التقرير البائس، ولا نأمل أكثر من رئيس وزراء يسرح الموساد ويمرح في بلاده دون حسيب أو رقيب ولولا الزلزال الذي ضرب البلاد " نيوزيلندا" قبل أشهر وقتل عددا من أفراد الموساد لبقيت الحكومة هناك غارقة في أحلامها الوردية لا تعلم شيئا، وقد أذهل الحكومة النيوزلندية اهتمام الحكومة "الإسرائيلية" بل ونتانياهو شخصيا ببعض الأفراد القتلى جرّاء الزلزال ..يا للمضحك المبكي في آن!! الزلزال يكشف الموساد ويكشف جوازات سفرهم النيوزلندية المزيفة بينما – بالمر- وأشباهه يغطّون في سبات عميق ...وها هو اليوم يكافئ إسرائيل على عربدتها في بلاده وتزييفها لجوازات سفرها، بتبرئتها من دم المتضامنين الأتراك ودعوتها لإيجاد صيغة مناسبة للتعبير عن الأسف! مع دفع التعويضات لأهالي الضحايا على طريقة " اقتل وادفع" ويا دار ما دخلك شر!
هذا التقرير المشين دفع نتانياهو وفريقه إلى الانتفاش غرورا والإصرار على رفض الطلب التركي بتقديم الاعتذار فها هي " إسرائيل" تتلقى دعما أمميا لموقفها، ويبدو أن صناع القرار الصهاينة ظنوا أن الأمور ستجري على طريقة الإعراب عن الأسف من استشهاد الجنود المصريين وطيّ الموضوع "رسميا" تحقيقا للمصالح الوطنية العليا!!
ترقب الجميع موقف تركيا الدولة في الحلف الأطلسي والراغبة بدخول الاتحاد الأوروبي والمرتبطة بعلاقات تجارية وعسكرية مع "إسرائيل" و"ماما أمريكا" منذ عشرات السنين وبعشرات المليارات من الدولارات ..
لكن تركيا " ذات الدم الحار" صبت على "إسرائيل " ماءً باردا " وطردت سفيرها في أنقرة في خطوة لم تعتد "الطفلة المدللة " على مجرد التلويح بها فكيف بتنفيذها.
تركيا تعي مصالحها وارتباطاتها أكثر من أي أحد آخر .. وتعرف قيمة المال والأعمال والمليارات، كما وتدرك أن لموقفها هذا عواقب وأثمانا كبيرة لكن الجديد هنا أنها جعلت من الكرامة شيئا أعز وأثمن من كل ما ذكر ...هي تؤمن أن الكرامة تأتي بالاحترام والاحترام يأتي بالهيبة والسيادة والريادة وتدرك بأن أموال الدنيا مجتمعة لا يمكن أن ترجع ذرة من كرامة ضائعة أو أن تصنع كرامة لمن لا كرامة له.
قد يبدو الموقف التركي غريبا ومتهورا وغير عقلاني ومُضرّاً بالمصالح العليا للشعب التركي عند من أصبحت "إسرائيل" لديهم إلها يعبد من دون الله وعند من بات الخروج من "بيت طاعتها" يوجب الويل والثبور وينذر بعواقب الأمور، ولأن هؤلاء الرهط أجبن من أن يعلنوا ذلك صراحة فإنهم يسترون عورة خوفهم وعوار ذلهم وخنوعهم بشعارات العقلانية والواقعية والبراغماتية والمصالح العليا للشعوب التي طالما تفننوا في سحقها وإذلالها!!
شموخ تركيا أشعرنا بالذنب وأوجب علينا الاعتذار، ونحن نعيش في أنظمة متهالكة ترى أن الحج إلى "تل أبيب" واجب سراً لمن لم يستطع إليه سبيلا!! وعلنا لمن استطاع إليه سبيلا! وأن لا بقاء لأي نظام إن لم يباركه الحاخام..
نعتذر إليك تركيا لأننا ما زلنا- حكّاماً وفريقا من المحكومين - نلهث خلف سراب الوعود نلتمس فيها قطرة ماء ممزوجة بالكرامة تبل حلوقنا المتعطشة للحرية حتى إذا جئنا سرابهم وجدنا دونه بحارا من الذل والخنوع مطلوب أن نتجرعها وأن ننسى بحورا من الدم والدموع سفكتها عروقنا ومدامعنا على مذابح ما قيل لنا إنها طريق الحرية! والأنكى من ذلك أن هذا السراب الخادع أصبح " محروساً " بأيد عربية وفلسطينية " والويل لمن يحاول الاقتراب بل كل الويل لمن يقول إنه سراب!
نعتذر إليك تركيا لأن برودة دمائنا لم ترتق بعد إلى حرارة دم الشهداء .. كنا مثلك منذ زمن قريب ولكن للراتب أحكاما وللوطن حكام وللشهداء والأسرى رب رحيم!
نعتذر إليك لأنك أعدت للكرامة اعتبارها بعد أن نسيها الكثيرون منا بل وربما أصبحت لديهم كلمة منبوذة وفي أحسن الأحوال تودي بصاحبها إلى السخرية لمثاليته وعدم واقعيته أو لتخلفه ورجعيته!! أما إن ا كان جادّا في( كراميّته) ف " بيت خالته " بالانتظار، وهناك فنون تعليم الكرامة يتم حسب الأصول!!
وأخيرا بعد الاعتذار شكر ..شكرا تركيا لأنك مزجت الكرامة بالسياسة بعد أن انفصل عنها أكثر الساسة وطلقوها بالثلاثة ...ولأنك أخرجت هذه الكلمة العزيزة (الكرامة) من قمقمها بعد أن كادت تخنقها سنوات حبسها وعزلها الانفرادي الطويل!!
روح جديدة تسري في جسد الأمة يحملها ربيع عربي واعد وشموخ تركي مبشر، لعل بعد هذا الموات تزهر وتزهو مرابعنا من جديد.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية