هذا هو طرح نتنياهو.. فما ردّ شريكه التفاوضي؟!
بقلم: ياسر الزعاترة
ما توقعنا حتى قبل الانتخابات الإسرائيلية، لم يقلب نتنياهو الطاولة تماماً في وجه عملية التسوية: هو الذي يدرك تعقيدات الوضع الأمريكي والدولي في هذه المرحلة، وها هو في خطاب جامعة بار إيلان يعيد النظر في برنامجه المعلن ويخرج بتوليفة تحافظ على ائتلاف الحاكم، في ذات الوقت الذي تنفس الاحتقان بينه وبين إدارة أوباما، وبتعبير أدق بينه وبين المجموعة الصهيونية المحيطة بالرئيس، وهو ما حصل بالفعل، بدليل ترحيب أوباما نفسه بالخطاب.
في خطابه الجديد وافق نتنياهو على مبدأ الدولة الفلسطينية مباشرة، وليس عبر خريطة الطريق كما كان متوقعاً، مع العلم أن هذه الأخيرة هي الوثيقة الوحيدة التي أشار إليها أوباما في خطابه "الناعم" في جامعة القاهرة، بينما تجاهل جميع القرارات الدولية ذات الصلة بعملية السلام.
هكذا أمّن نتنياهو لنفسه خروجاً دبلوماسياً من الأزمة المحتملة مع الولايات المتحدة، أقله في المدى القريب، لاسيما أن في واشنطن من يؤمنون بضرورة التدرج في دفعه نحو الاعتدال، وهو ما سيجري تسويقه على الوضع الفلسطيني والعربي من دون شك، فضلاً عن القول إنه وافق على وقف مصادرة الأراضي لتوسيع المستوطنات أو بناء مستوطنات جديدة.
لا يستبعد بالطبع أن يوافق نتنياهو في مرحلة لاحقة على التعامل مع خريطة الطريق نظراً لعدم تناقضها مع جوهر طروحاته، هي التي تركز في مرحلتها الأولى على محاربة الإرهاب والتحريض، إضافة إلى الإجراءات أحادية الجانب من الطرفين، مع العلم أن الطرف الفلسطيني هو من يلتزم بتنفيذ ما عليه، بينما لم يلتزم الإسرائيليون يوما بأي تعهدات، بل كانوا يستغلون أجواء المفاوضات لتعزيز الاستيطان.
في المرحلة الثانية من خريطة الطريق هناك الدولة ذات الحدود المؤقتة، والتي هي عملياً دولة الجدار القائمة، مع تخفيف الحواجز وإطلاق ما تيسر من المعتقلين الذين يساعد الإفراج عنهم في تثبيت المسار الجديد، وهذه المرحلة قد تستمر لسنوات يمكن أن تتواصل خلالها مفاوضات الوضع النهائي، اللهم إلا إذا وجد المعنيون أن الطرف الفلسطيني يقبل في مفاوضات سرية بصفقة نهائية يسيل لها لعاب اللوبي الصهيوني، وربما لعاب نتنياهو نفسه، عندها يمكن القفز إلى المرحلة الثالثة، أي الدولة النهائية.
هكذا وافق نتنياهو على الدولة الفلسطينية، ولكن بشروط مذلة كانت كالتالي: اعتراف فلسطيني ب"إسرائيل" دولة للشعب اليهودي، (يترجم ذلك بنقل فلسطينيي 48 إلى الدولة الفلسطينية في إطار تبادل للأراضي والسكان)، رفض حاسم لعودة اللاجئين إلى الأراضي المحتلة عام 48، الإصرار على القدس موحدة تحت السيادة اليهودية مع حرية ممارسة الشعائر الدينية للمسلمين واليهود والمسيحيين، ترتيبات أمنية خاصة للدولة (منزوعة السلاح ومنتهكة السيادة)، بقاء الكتل الاستيطانية في مكانها، وترك موضوع الأراضي للمفاوضات.
في مواجهة ذلك، ما الذي يتوقع من الجانب الفلسطيني، ومن ورائه محور الاعتدال العربي الذي أخذ يبشر بمنطق المرونة خلال الشهور الماضية، وبالطبع في استقبال أوباما ومكافأة له على تجاهل قضية الإصلاح والديمقراطية، فضلاً عن تعهده بمواجهة إيران؟.
فلسطينياً ليس ثمة شك في أن قيادة السلطة، وبصرف النظر طرح نتنياهو وممارساته، لن تتوقف عن الركون إلى برنامج دايتون وتعزيز واقع السلطة ـ الدولة القائم حالياً في الضفة الغربية، من دون توقف الجهود لاستعادة القطاع المحتل من قبل الأعداء الحمساويين، الأمر الذي سيجري ترويجه عبر تأكيد الالتزام الجدي بمسيرة السلام ومن ثم السعي الحثيث لإحراج نتنياهو وكسب التعاطف الغربي، من دون السؤال عما جناه الفلسطينيون طوال عقود من لعبة الإحراج المذكورة، والتي بدأت عام 1974 ولم تنته فصولاً إلى الآن.
أما عربياً، فلا يتوقع أن يكفّ عرب الاعتدال عن التأكيد على السلام كخيار إستراتيجي، ولا يستبعد أن يتورطوا تحت ضغط الإدارة الأمريكية في لعبة "تشجيع" نتنياهو على السلام من خلال عمليات تطبيع مجانية كتلك التي بدأت عشية أوسلو.
في مواجهة ذلك لا بد من حراك إيجابي لقوى المقاومة يرفض هذه اللعبة، ولن يحدث ذلك في ظل حوار سقفه الالتزام بخريطة الطريق، والحفاظ بأي ثمن على سلطة أوسلو، إذ لا بد من انقلاب شامل في مسار القضية، الأمر الذي لن يحدث من دون توافق تلك القوى مع قطاع لا بأس به من عناصر فتح المؤمنين بوجودها كحركة تحرر: توافق على إدارة مشتركة لحياة الناس تحت الاحتلال، مع إطلاق موجة مقاومة لدحر الاحتلال من دون قيد أو شرط
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية