هل انتصرت المقاومة؟ ... بقلم :هاني المصري

الأربعاء 06 أغسطس 2014

هل انتصرت المقاومة؟

هاني المصري

يرتعش القلم في اليد وغدت الكلمات بلا معنى في ظل الكارثة الإنسانيّة التي حلّت بشعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، بعد أن واصلت إسرائيل عدوانها المستمر منذ تأسيسها وحتى الآن، وارتكبت مجازر وجرائم حرب ضد الإنسانيّة بصورة غير مسبوقة، إذ أكدت بذلك أنها تتعامل على أساس أن الشعب الفلسطيني هو العدو ويمثل النقيض التاريخي للمشروع الصهيوني، لأنه حاضنة القضيّة الفلسطينيّة والمقاومة من أجلها مهما طال الزمن وغلت التضحيات.

وما يعزّي النفس أن الكارثة تقابلها ملحمة صمود وبطولة منقطعة النظير أعادت الاعتبار للقضيّة الفلسطينيّة وإلى الإنسان الفلسطيني وإلى المقاومة، وفتحت الطريق أمام المستقبل، وأكبر دليل على ذلك أن الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده هبّ لنصرة غزة بشكل أثبت أن القضيّة واحدة والشعب واحد وأن الأرض واحدة، وأرغم جميع القوى على دعم مطالب المقاومة وتشكيل وفد فلسطيني بمشاركة الجميع، وهذا يحدث لأول مرة بهذا الشكل منذ تأسيس حركتي حماس والجهاد الإسلامي

لا يمكن الإجابة عن سؤال: هل انتصرت المقاومة بشكل نهائي وحاسم قبل أن يضع العدوان أوزاره وتتضح النتائج النهائيّة. يمكن وضع اليد على مؤشرات تستند إلى النتائج المتوفرة حتى الآن. لكن يبقى المعيار الأول والحاسم للحكم على مصير المعركة هو: هل حقق العدوان أهدافه، وفي المقابل هل حققت المقاومة أهدافها؟

لقد حرصت الحكومة الإسرائيليّة على الاستفادة من تجارب إسرائيل من الحروب السابقة، خصوصًا في أعوام 2006 و2008-2009 و2012، وذلك من خلال أن لا تضع أهدافًا كبيرة للحرب الحاليّة حتى لا تهزم إن لم تحققها، فحددت أهدافًا متواضعة من خلال الحديث في البداية عن أن هدفها إفشال حكومة الوفاق الوطني وإسكات الصواريخ بتدمير منصّاتها وتحقيق معادلة "هدوء مقابل هدوء"، ثم قالت فيما بعد عندما فشلت الحرب الجويّة وبدأت الحرب البريّة إن الهدف هو تدمير الأنفاق، وأخيرًا قال نتنياهو مساء الأحد الماضي إن أهداف الحرب إعادة الهدوء والأمن طويل المدى، بالإضافة إلى ضرب البنية التحتيّة للفصائل الفلسطينيّة، وأضاف إن تحقيق هذه الأهداف يحتاج إلى القوة وبعض الوقت (لم يحدده).

أما الهدف الإسرائيلي غير المعلن للحرب الحاليّة ولأي حرب إسرائيليّة منذ النكبة وحتى الآن هو ترويع الشعب الفلسطيني وكسر إرادته على المقاومة، وكي وعيه ودفعه لقبول الحلول الإسرائيليّة، أو التعايش مع الأمر الواقع الاحتلالي وتعميق فصل الضفة الغربيّة عن قطاع غزة، وحتى لا تقوم قائمة للدولة الفلسطينيّة الحقيقيّة لا الآن ولا في المستقبل.

أما أهداف المقاومة فكانت إحباط أهداف العدوان ووقفه، ورفع الحصار، وإطلاق سراح الأسرى، والتمسك بالوحدة الفلسطينيّة وتعميقها.

إذا نظرنا إلى النتائج في اليوم التاسع والعشرين للعدوان سنجد أن أهداف الاحتلال لم تتحقق برغم الإبادة البشريّة التي ظهرت من خلال استشهاد حوالي ألفي شهيد وعشرة آلاف جريج، معظمهم من المدنيين، الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير كلي لأكثر من عشرة آلاف بيت ومدرسة ومسجد وجامعة وجزئي لأكثر من عشرين ألف، وتدمير لمختلف مقومات الحياة، وتهجير نصف مليون مواطن داخل حدود قطاع غزة.

ورغم حجم العدوان والدمار والمجازر والجرائم لا تزال صواريخ المقاومة تطلق وبمعدلات عالية نسبيًا وتصل إلى مختلف أرجاء إسرائيل، وخاضت المقاومة الفلسطينيّة معارك بطوليّة فاجأت العدو وكبدته خسائر فادحة وصلت – حسب اعترافه – إلى 63 قتيًلا في صفوف قواته ومئات الجرحى، وإلى شبه شلل في الحياة في إسرائيل كبّد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر تقدّر بالمليارات، ويمكن أن تكون لها أبعاد طويلة الأمد، مثل تراجع الاستثمار، خصوصًا الأجنبي، وتراجع السياحة التي تلقت ضربة كبيرة هذا العام، وبروز علامات سؤال كبرى حول جدوى نظريّة الردع الإسرائيليّة بعد أن تحطم معظم أركانها.

الردع الإسرائيلي يقوم على ردع القوى المعادية لإسرائيل، وإذا هاجمت أو بادرت بالحرب على إسرائيل فهي تحتفظ بزمام المبادرة والمفاجأة، وتحرص على أن تكون الحرب خاطفة، وأن تتحكم بتوقيت وكيفيّة إنهائها، وأن تبقى الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة بمنأى عنها، وأن تخرج إسرائيل بانتصار واضح منها، باستثناء أن إسرائيل هي التي بادرت إلى هذه الحرب، فإن أركان نظريّة الردع الأخرى سقطت سقوطًا مدويًّا، لدرجة دفعت الكثير من الخبراء والإستراتيجيين الإسرائيليين إلى المطالبة علنًا بتغييرها بعد أن خاضت إسرائيل الحرب باستثناء وضع أهداف متواضعة كما خاضت الحروب السابقة، بينما خاضتها المقاومة بطريقة مختلفة كليًا عن خوضها للمعارك السابقة بصورة أربكت الحكومة الإسرائيليّة وجعلت الخلافات تنهش بها بين من يريد الانسحاب من جانب واحد، وبين من يريد إبقاء وتيرة الحرب على صورتها الراهنة، وبين من يطالب بتوسيعها وصولًا إلى إعادة احتلال قطاع عزة كليًا والقضاء على المقاومة فيه.

لقد انتصرت المقاومة عسكريًا بالرغم من الاختلال الفادح في ميزان القوى العسكري، وبرغم أن الحرب الحاليّة تمت في ظروف غير مواتية عربيًا وإقليميًا ودوليًا، ولو كانت هذه الظروف مختلفة لغيّرت هذه الحرب الوضع بصورة إستراتيجيّة. فلأول مرة لا يوجد موقف عربي داعم للمقاومة، بل هناك تجاذبات حادة بين محاور إقليميّة وعربيّة أضرّت أبلغ الضرر بالمقاومة وإمكانيات استثمار صمودها وانتصارها.

هناك من يقول أين الانتصار الذي تتحدثون عنه، أو ما قيمته أمام كل هذه الكوارث التي حلّت في قطاع غزة، ويستندون في ذلك إلى الهوة الواسعة بين الخسائر الفلسطينيّة والإسرائيليّة؟

إن عدم التناسب في الخسائر على هوله ووجعه الإنساني العميق متوقع، ويحسب ضمن نتائج الحرب وتقييمها بالرغم من أن الخسائر الإسرائيليّة الحقيقيّة أكثر من المعلن عنها، وإلا لماذا فرض الرقابة العسكريّة المشددة على النشر حولها؛ إلا أنه ليس العنصر الحاسم في الحكم على الحرب، ولو كان هو الأساس لما اعتبرت فيتنام منتصرة رغم تقديمها ملايين الضحايا وأضعافهم من الجرحى وتدمير هائل لمرافق الحياة فيها مقابل خسارة أميركا لأربعة وخمسين ألف جندي وضابط وأضعافهم من الجرحى، فالنتيجة كانت هزيمة مخزية لأقوى دولة في العالم وانتصار عظيم لشعب فيتنام.

إن الحكم النهائي على الحرب لا بد أن ينتظر فصلها الختامي، وهل ستحقق المقاومة أهدافها في وقف العدوان ورفع الحصار وإطلاق سراح الأسرى وتعميق الوحدة الوطنيّة والاحتفاظ على وتجديد قدرتها على خوض معارك أخرى.

المعركة السياسيّة التي بدأت أصعب من المعركة العسكريّة، وعلى المفاوض فيها أن يكون بمستوى أداء المقاومة في الميدان، بحيث يفشل العدو بتحقيق أهدافه بالسلم مثلما فشل في تحقيقها بالحرب. فمن المتوقع أن تجري محاولات للمقايضة بين سحب سلاح المقاومة وإخضاع غزة واستمرار وتعميق فصلها عن الضفة وإفشال المصالحة وإعادة وتعميق الانقسام من خلال بث الفرقة بين السلطة "الشرعيّة المعتدلة" وبين المقاومة "الإرهابيّة"، وبدء عمليّة سياسيّة جديدة على نفس القواعد السابقة بتغطية من مؤتمر دولي شكلي أو من دونه للتغطية على جرائم الحرب الإسرائيليّة، والحؤول دون معاقبة إسرائيل عليها، مقابل رفع الحصار والإعمار بتوظيف معاناة قطاع غزة وعدم توفر البيئة العربيّة والإقليميّة والدوليّة المناسبة.

تأسيسًا على ما سبق، من المهم إدراك أهميّة المقاومة وسلاحها وقدرتها على تغيير توازن الردع وتوظيفها في سياق إستراتيجيّة فلسطينيّة موحدة تستند إلى وحدة وطنيّة حقيقيّة وتسعى لتوظيف نتائج الحرب في سياق لا يكتفي بوقف العدوان ورفع الحصار وإطلاق سراح الأسرى، وإنما بتوظيفها في معركة إنهاء الاحتلال وإنجاز الحريّة والعودة والاستقلال، من خلال الدعوة إلى مقاربة سياسيّة جديدة مغايرة لاتفاق أوسلو بشكل جذري، وتكسر قيوده والتزاماته، وتقوم على الوحدة والمقاومة والمقاطعة وملاحقة إسرائيل على جرائمها لمعاقبتها وعزلها، وتغيير ميزان القوى بحيث يصبح قادرًا على تحقيق هذه الأهداف وعلى عمل سياسي متنوع قادر على حصاد ثمار الصمود والمقاومة.

يمكن أن يساعد على تحقيق ذلك الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي مستمر كامل الصلاحيات، وبمشاركة كل الأطراف المعنيّة، في إطار الأمم المتحدة وعلى أساس القانون الدولي والقرارات الدوليّة، بحيث تكون المفاوضات لتطبيقها وليس التفاوض حولها.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية