هل تسند بحصة غزة صخرة مصر؟
د.عصام عدوان
أخذت الثورة المضادة في مصر منحىً أكثر شراسة واستماتة في الدفاع عن أهم مرتكز للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط. أدوات الثورة المضادة هم رجال علمانيون على اختلاف تصنيفاتهم سواء ليبراليون أو اشتراكيون أو قوميون أو شيوعيون. إنهم يحرقون مصر لأجل عيون أمريكا و(إسرائيل)، ولأجل أفكارهم السوداوية التي يحلمون بنشرها في دولة عربية كبرى كمصر. إنهم يستميتون في انقلابهم على الديمقراطية وعلى حقوق الأكثرية، لأنهم يخشون ألا تأتي لهم فرصة أخرى توصلهم إلى الحكم.
إنهم عشاق كراسٍ ومناصب من طراز فريد. وهم لا يختلفون عن أصحاب الكراسي من الأنظمة البائدة والمتبلدة سواء في سوريا أو ليبيا أو تونس وغيرها. فالقوميون كان منهم بشار الأسد، وهو أيضاً اشتراكي. والعلمانيون كان منهم زين العابدين وحسني مبارك. ولن يختلف دعاة الثورة الجدد؛ أو الانقلابيون عمن ثاروا عليهم بالأمس من رؤساء. لن تشهد مصر أي تغيير فيما لو تمكن البرادعي أو صباحي أو موسى من الوصول للحكم، وسيكون هؤلاء نسخة كربونية عن أنظمة ساقطة، ولهذا السبب هم يحاربون الإخوان المسلمين والإسلاميين، لأنهم أمام تحدي التغيير الحقيقي والإيجابي الذي تحلم به الأمة. ولهذا السبب نفسه يستهدفون حركة حماس ويسعون إلى تشويهها، وحصارها، والتأليب عليها.
حماس لم تقم مرة واحدة في تاريخها بتنفيذ أي عمليات مسلحة خارج حدود فلسطين. إستراتيجية حماس في مجابهة العدو الصهيوني ترتكز على مجابهته في عقر داره، وهي ترفض مطلقاً أي تدخل في شئون الدول الأخرى أياً كانت. ومَن يزين له شيطانه غير هذا فليأت بدليله. ولعل هذه الإستراتيجية هي أحد أسباب اعتقاد الأمة العربية والإسلامية بأن حركة حماس هي أطهر حركة مجاهدة عرفها التاريخ المعاصر. ولا يرفض الأطهار ويتبرأ منهم وينبري للتأليب عليهم وحصارهم وتنفير الناس منهم إلا قوم سفلة هابطون كقوم لوط، حينما قالوا له ولمن آمن معه، بكل صفاقة ووقاحة: "أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" (الأعراف 82)
ومع أن حماس تتأثر سلباً وإيجاباً بكل ما يحصل في مصر، فهذا حكم الجغرافية ولا مناص منه، إلا إن حماس لم يحصل أن تدخلت في شئون مصر حتى أيام الطاغية مبارك الذي آذاها وحاصرها، فهل تسمح لنفسها بالتدخل في شئون مصر في ظل حكم الإخوان؟! وما الداعي لذلك؟!
هل يتصور أحد أن لدى حماس إمكانيات كافية لتقديم النُصرة لرئيس مصر، وعنده جيش مصر العظيم يأتمر بأمره؟! إنني أعتقد أن حماس، بل كل سكان قطاع غزة لو دخلوا مصر لتاهوا في شوارعها وقراها ومدنها. وما هذه الفرية التي افتراها علمانيو مصر الأفّاكون إلا حقداً منهم على حماس والإخوان المسلمين، وتزلفاً لدى (إسرائيل) ومن ورائها أمريكا لكي تنجدهم في مواجهة الإخوان. ولماذا تذهب الظنون بعيداً بأن هناك من يتدخل في الشأن المصري، ونحن نرى دولة الإمارات، وسوريا، وأمريكا، و(إسرائيل)، ومجموعات محمد دحلان التي فرت إلى مصر منذ حسم غزة، بعد أن عاثت فساداً في غزة.
ومع ذلك وجب على حماس أن تساند تجربة الإسلاميين في مصر، لا بالتدخل في شئون مصر، وإنما بمقاومة (إسرائيل) وإشغالها في نفسها بدل انشغالها في تخريب الأوضاع في مصر. لأن (إسرائيل) هي المنتفع الأول من أعمال الثورة المضادة في مصر. وهي المنتفع الأول من الدعايات الكاذبة التي يبثها الانقلابيون العلمانيون في مصر. وإن إشغال (إسرائيل) في نفسها، وتوتير الأوضاع داخل فلسطين أمر مهم وذو أهمية عاجلة. وأما كيف يتم ذلك؟ فهذا مجال واسع يمكن لرجالات المقاومة على اختلاف مهامهم العسكرية والأمنية والإعلامية تحديد آلياته وتوقيته ومباشرة العمل به اليوم قبل الغد، لأن نجاح مصر الثورة منوط به نجاح الأمة في الخروج من عنق زجاجة الاستعمار، ومنوط به تمهيد الطريق نحو تحرير القدس.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية